صنعاء تتلافى أخطاء 2017.. لماذا سيفشل الأمريكي في تكرار فتنة ديسمبر وما مصير ميزانية الجبهات؟ (تقرير)

خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|

خلال العام 2017، اكتشفت مخابرات صنعاء والاستخبارات العسكرية، التي كانت تديرها حركة أنصار الله وجود مخطط كبير للانقلاب على سلطة صنعاء وأنصار الله من الداخل، وكان الطرف الداخلي الذي أوكل التحالف السعودي له تنفيذ هذا المخطط هو علي عبدالله صالح باسم (حزب المؤمر)، حينها كانت عناوين إثارة الرأي العام كمرحلة استباقية وتمهيدية لتهيئة الأرضية المجتمعية لتقبل فكرة الانقلاب العسكري الذي كان يفترض بأنه المرحلة الثانية، كانت تلك العناوين مشابهة للعناوين التي يرفعها اليوم عدد محدود جداً من قيادات حزب المؤتمر وآخرين موالين لهذه القيادات تتحرك بدافع حب الظهور والشهرة.

حركة أنصار الله حينها، تعاطت مع تلك المعلومات الخطيرة بحذر شديد لكنها قررت أن تتكتم على تلك التحركات وتكتفي بالتعامل معها بشكل سري لوأد أي تحركات من البداية عن طريق إشعار ومكاشفة منفذي ذلك المخطط بأن كل اتصالاتهم ومراسلاتهم مع التحالف مكشوفة وموثقة، حينها اعتقدت قيادة أنصار الله بأن الطرف المنفذ لمخطط الانقلاب وإشعال الفتنة سينكفئ ويتوقف عن تنفيذ ما أملي عليه من التحالف، ولم تنكشف بعض تفاصيل تلك المخططات إلا خلال الأيام الأخيرة لأحداث ديسمبر ولمستوى محدود من قيادات الدولة وقيادات المؤتمر الذين لم يكونوا على علم بأن ما وراء إشعال الفتنة من قبل علي عبدالله صالح ونجل شقيقه طارق صالح هو مخطط للانقلاب على المجلس السياسي من الداخل، أما على مستوى الرأي العام فلم يتم إطلاعه على مخطط الانقلاب والترتيب له إلا من بعد أحداث ديسمبر بمدة طويلة ولو كانت تلك المعلومات قد كشفت للرأي العام قبل أغسطس أو ديسمبر 2017 لما أقدم صالح على إشعال الفتنة معتقداً أنه لا يزال لديه حاضنة شعبية ستستجيب له بالسمع والطاعة لكل ما يوجه به حتى وإن كانت تلك التوجيهات الخروج ضد الطرف اليمني الوحيد الذي يواجه (العدوان السعودي الإماراتي).

في الحقيقة كان تكتم أنصار الله على ما وصلوا إليه من معلومات في 2017 وعدم كشف تلك المعلومات للرأي العام قراراً خاطئاً، والدليل على ذلك أن صالح تمكن من إشعال الفتنة في نهاية نوفمبر وأوائل ديسمبر 2017، وهذا ما تعلمّه أنصار الله هذه المرة لتلافي أخطاء 2017 ويبرز ذلك من خلال تعاطيهم مع مخطط التحالف والسفارة الأمريكية لضرب الجبهة الداخلية وكشف تفاصيل هذه المؤامرة باكراً، ولهذا تفاجأ الجميع من تصريحات رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، التي أدلى بها في لقاء مع قيادات ومشائخ ووجهاء محافظة عمران الأسبوع المنصرم، والتي كشف خلالها عن جزء يسير من تفاصيل هذا المخطط الذي تنفذه السفارة الأمريكية لدى اليمن من داخل مقر سفارة واشنطن في الرياض، وهو مخطط حددت فترته الزمنية من 2020 إلى 2025 وتقرر تنفيذه في مناطق سيطرة حكومة صنعاء والمجلس السياسي الأعلى لضرب الجبهة الداخلية.

الآن وبعد كشف جزء من هذا المخطط، ستكون الشخصيات المؤتمرية الموكل إليها تنفيذ هذا المخطط، أمام خيارين: الأول: التراجع عن تنفيذ المخطط وقطع أي اتصالات مع السفارة الأمريكية والتحالف السعودي، والثاني: المضي في تنفيذ المخطط ضناً منهم أنه سينجح هذه المرة وذلك اعتماداً على تقارير ودراسات اجتماعية مغلوطة توافيهم بها السفارة الأمريكية التي تجمع معلوماتها من مواقع التواصل الاجتماعي التي يصيغ محتواها في الأغلب والأعم الذباب الإلكتروني التابع للتحالف نفسه من داخل الرياض.

لماذا يعتقد الأمريكيون أن مخطط الانقلاب على صنعاء من الداخل سينجح هذه المرة؟

العنوان الأبرز الذي كان لافتاً في كلمة رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام، الشيخ صادق أمين أبو راس، خلال فعالية ذكرى تأسيس المؤتمر الـ41، حديثه في سياق موضوع المرتبات عن أن “الحرب حالياً متوقفة”، وهي إشارة واضحة، إلى أن على القيادة السياسية والحكومة كشف مصير الميزانية العسكرية التي كانت مخصصة لجبهات القتال، والحقيقة أن أبو راس سواءً كان ذلك بحسن نية أو بخبث وبعلم مسبق، يريد القول أنه وبما أن الحرب قد توقفت فإن على السلطة تحويل ميزانية الجيش والجبهات لصرف ما أمكن من مرتبات الموظفين المدنيين في القطاع العام والمختلط، وهو منطق سخيف لا ينم إلا عن عدم إدراك ووعي بحقيقة الوضع العسكري قبل وبعد الهدنة وخفض التصعيد.

يعتقد الأمريكيون أن مخطط العام 2017 لم ينجح بسبب تنفيذ محاولة الانقلاب في وقت كانت فيه الحرب مستعرة والتحالف وعلى رأسه واشنطن يكثفون أعنف هجوم على جبهتي الساحل الغربي لليمن وفرضة نهم شرقي محافظة صنعاء، وبالتالي فإن أنصار علي عبدالله صالح حينها لم يتقبلوا فكرة الانقلاب على من يدافع على البلاد في وجه التحالف الذي كان على أبواب صنعاء حتى وإن كان ذلك الانقلاب ينفذ بمبرر “إزاحة السلطة الفاسدة” (والتي بالمناسبة كان المؤتمر نفسه يشكل 80 بالمائة من قيادتها و99 بالمائة من الكادر الوظيفي في عموم البلاد)، ولأن العنوان الذي تحرك به صالح حينها لدغدغة مشاعر أنصاره والرأي العام اليمني هو عنوان “المرتبات” فإن المطالبة بالمرتبات ومن سلطة قُطعت عنها كل الإيرادات وحوربت مالياً واقتصادياً وتزامُن تلك المطالبة في ذروة التصعيد العسكري، لم تكن فكرة منطقية ولم يتقبلها الرأي العام ولهذا لم يتعاطى معها ورفض الاصطفاف مع صالح ضد الأنصار، أما اليوم – من وجهة النظر الأمريكية – فإن الانقلاب سيكون سهلاً وسينجح لأن أسباب فشل الانقلاب السابق لم تعد موجودة اليوم، هذه المبررات تتمثل في أن الجبهات التي كانت مشتعلة وكان الجزء الأكبر من ميزانية الدولة (المحدودة) تنفق في هذه الجبهات، هذا المبرر اليوم لم يعد موجوداً بما أن “الحرب قد توقفت” على الرغم من أن هذا العنوان ليس توصيفاً دقيقاً ولا حقيقياً لما تشهده الجبهات العسكرية منذ أول يوم لبدء سريان الهدنة وحتى الآن.

ما الذي تغير على مستوى النشاط العسكري في الجبهات منذ بدء الهدنة؟

قبل الخوض في تفاصيل وضع الجبهات من بعد تنفيذ الهدنة ومصير ما كان ينفق على الجبهات، يجدر بنا توضيح نقطة مهمة جداً يستغلها التحالف والجانب الأمريكي ويقدمانها في وسائل الإعلام بمسمى مغاير لمسامها الحقيقي، “الحرب توقفت” من المعروف أن الهدنة كانت محددة بعدد من النقاط، وقد كشف نقاط الهدنة عضو الوفد المفاوض عن صنعاء عبدالملك العجري مساء الأول من أبريل 2022 أي قبل يوم واحد فقط من إعلان بدء سريان الهدنة، وعلى رأس بنود الهدنة كان البند الأول الذي نص على “وقف جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض”، وفي الحقيقة لم يتم تنفيذ هذا البند بحذافيره طوال فترة سريان الهدنة خلال شهري أبريل ومايو وحتى خلال فترتي التمديد التاليتين في يونيو ويوليو ثم أغسطس وسبتمبر، إذ أن ما شهده اليمنيون والسعوديون والإماراتيون هو وقف القصف بالطيران المسير والصواريخ الباليستية من قبل صنعاء مقابل وقف التحالف قصف الجبهات والداخل اليمني بالطيران الحربي، أما على مستوى القتال في الجبهات العسكرية في الداخل اليمني بعدد (52) جبهة على امتداد مناطق التماس بين مناطق حكومة صنعاء ومناطق سيطرة التحالف فقد كان القتال مستمراً ولم يتوقف يوماً واحداً وما حدث كان فقط خفضاً لمستوى ومنسوب العمليات القتالية، والدليل على ذلك أن سلطات صنعاء في كل يوم تشيع عدداً من شهدائها الذين يسقطون في جبهات القتال.

ومن بعد الثاني من أكتوبر 2022، عندما أعلنت صنعاء رفضها تمديد الهدنة بسبب مماطلة التحالف وعدم توسيع بنود الهدنة حسب ما كان متفقاً عليه وإدراك صنعاء أن التحالف وبرغبة أمريكية يريد لليمن ككل أن تبقى في حالة لا سلم ولا حرب وخاضعة للحصار ولا يدخل إليها سوى 18 سفينة مشتقات نفطية فقط خلال كل شهرين، حينها قررت صنعاء رفض تمديد الهدنة، لكن ذلك لا يعني أنها اتجهت لاستئناف التصعيد العسكري ضد التحالف السعودي وضد مقاتليه في جبهات القتال في الداخل اليمني بنفس مستوى العمليات التي كانت قبل 2 أبريل 2022، إذ أنه ومنذ الثاني من اكتوبر 2022 دخلت اليمن كل اليمن في مرحلة “خفض التصعيد” فقط، بينما القتال في الجبهات لا يزال مستمراً حتى لحظة كتابة هذا التقرير، وفي حالة وضعية كهذه فإن التسمية الحقيقية لها هي “خفض التصعيد” وليس “الحرب متوقفة” كما يزعم التحالف والأمريكيون وبعض شخصيات حزب المؤتمر.

بناءً على ما سبق، فإن المطالبين بكشف صنعاء موازنتها العسكرية، يعتبر ضرباً من الجنون وإعلاناً واضحاً برغبة هؤلاء أن تكشف صنعاء للتحالف السعودي واحداً من أهم أسرارها العسكرية التي بناءً عليها سيتمكن العدو من معرفة بقية التفاصيل العسكرية الأخرى من خلال فقط البيانات المالية التي وفرناها له، وبالتالي فإن أي استئناف للعمليات العسكرية سيكون الطرف الآخر قد جهز عدته وسلاحه بما يتناسب مع حجم قوتك العسكرية وحجم انتشارها ومناطق تمركزها وبقية التفاصيل التي سيعرفها العدو من خلال تحليل الميزانية العسكرية فقط، ثم إن صنعاء وبحسب ما كشفه مهدي المشاط في كلمة ثانية له في محافظة صعدة، لم تكن تتردد في عرض الموازنة المالية للدولة على أعضاء مجلس النواب إلى أن قام بعض الأعضاء أو أحدهم بتسريب موازنة 2019 في نفس العام للتحالف السعودي وللأمريكيين الذين استفادوا منها أكبر استفادة ثم سلموها للجنة خبراء والعقوبات الخاصة باليمن والتابعة لمجلس الأمن الدولي، فكيف يمكن لقيادة سلطة صنعاء أن تأمن مرة أخرى على بياناتها عند من لا يرعون حرمة الدم اليمني الذي يزهق ليلاً ونهاراً من قبل العدو.

مالياً.. ماذا يعني خفض التصعيد وما انخفض من ميزانية الجبهات أين أنفق وهل يكفي لصرفه كمرتبات للجميع؟

السؤال الذي يزايد به المطالبين لصنعاء تسليم المرتبات، هو: بما أن “الجبهات متوقفة” فإن ميزانية الجيش يفترض أن تتحول لصرف المرتبات، وللإجابة على هذا السؤال الذي لا يقل سخافة عن من يطرحه ويزايد به ويحاول استعراض بطولات أمام عامة الناس لإظهار حرصه الزائف على مصلحتهم فيما هو لم ينطبق ببنت شفه تجاه ما يعانيه الشعب اليمني من حرب وحصار وتجويع متعمد تقوده واشنطن للعام التاسع على التوالي، فإن التوضيح قد وجب عن تفاصيل ميزانية الجيش التي لم تنخفض إلا بالقدر اليسير عما كان ينفق أثناء التصعيد، وسبق إيضاح السبب في ذلك وهو أن الحرب لم تتوقف وما حدث فقط هو خفض التصعيد، وخفض التصعيد يعني استمرار إنفاق ما كان يتم إنفاقه من موازنة عسكرية خلال التصعيد باستثناء خفض ما كان ينفق من محروقات لتشغيل الدبابات والمدرعات وأي معدات نقل عسكرية ثقيلة وخفض الإنفاق على إنتاج الذخائر المستخدمة في المواجهات من ذخيرة البنادق الآلية العادية إلى ذخيرة قذائف الدبابات والمدفعية الثقيلة، أما بقية موازنة الجيش فلا تزال تنفق حتى اليوم ولم تتغير، إذ لم يغادر مقاتلوا الجبهات مواقعهم العسكرية خلال الفترة الهدنة ومن بعدها خفض التصعيد وبالتالي فإنه كان لزاماً على وزارة الدفاع الاستمرار بالإنفاق على هؤلاء الذين آثروا البقاء عند أسرهم وأبنائهم، والتزموا بالبقاء في الجبهات لحمايتها من أي استغلال من قبل العدو لفترة خفض التصعيد وتحقيق تقدم بري.

أما الجزء الذي انخفض من ميزانية الجبهات خلال فترة خفض التصعيد، فعوضاً عن أنه لا يساوي شيئاً أمام استحقاقات مرتبات الموظفين لشهر واحد، إلا أنه لم يكن ضائعاً أو مخفياً، فكل ما تم إنجازه على مستوى التدريب والتأهيل البشري والتطوير وإنتاج المزيد من منظومات السلاح الاستراتيجي طوال الفترة التي انقضت منذ بدء سريان الهدنة وخفض التصعيد كل ذلك كان يتم الإنفاق عليه من ميزانية الجبهات ومن الجزء الذي انخفض تلقائياً بمجرد خفض التصعيد، ولعل الشواهد على ذلك كثيرة فالمنظومات الصاروخية الجديدة التي تم الكشف عنها خلال العروض العسكرية والعروض العسكرية المختلفة لمختلف الوحدات العسكرية وبمختلف التخصصات والمناطق والتي شهدتها مناطق حكومة صنعاء كلها كانت نتاج عمل دؤوب لقيادة وزارة الدفاع ورئاسة المجلس السياسي الأعلى لتأهيل وتدريب ورفع مستوى المقاتل اليمني إلى أعلى المستويات وكل ذلك لم يكن عملاً تم إنجازه بالمجان.

كما أن إعادة وزارة الدفاع في صنعاء لسلاح الطيران الحربي اليمني للخدمة والجاهزية كان واحداً من إنجازات فترة خفض التصعيد التي يبحث بعض المزايدين اليوم عن مصير ميزانية الجبهات التي لم تعد تنفق اليوم لأن الحرب من منظورهم قد توقفت.

بناءً على ذلك فإن ذريعة “وقف الحرب” و”وقف الإنفاق على الجبهات”، لم تعد مجدية لاتخاذها غطاءً للمزايدة على اليمنيين ودفعهم وتحريضهم ضد حكومة صنعاء بحجة المطالبة بصرف الرواتب، وما يؤمل عليه الأمريكي اليوم من أن إحداث انقلاب من الداخل أصبح ممكناً بحجة “عدم صرف الحوثيين للرواتب رغم وقف الحرب” لم يعد بإمكانه المضي في هذا العنوان أيضاً لأن ما ذهبت صنعاء لإنفاقه في الجانب العسكري خلال فترة خفض التصعيد هو تطوير السلاح الاستراتيجي الذي لولاه لما رضخ التحالف السعودي ومن بعده الأمريكي لمطالب صنعاء التي لم يضطر هذا العدو لينفذ الجزء اليسير منها إلا بسبب هذا السلاح وهذا الإنجاز العسكري الذي شهده العالم كله خلال فترة خفض التصعيد وإذا ما توقفت هذه الاستراتيجية التي تتخذها صنعاء فإن على الشعب اليمني أن يقرأ الفاتحة على بقية المطالب الإنسانية التي تضعها صنعاء على رأس أولوياتها اليوم وهي تفاوض العدو وعلى رأسها صرف المرتبات من عائدات الثروة اليمنية لكل اليمنيين بلا استثناء شمالاً وجنوباً وبشكل دائم ورفع الحصار كلياً براً وبحراً وجواً وإطلاق كافة الأسرى.

قد يعجبك ايضا