ما لم يُكشف من قبل “علاقة قرارات الصماد الأخيرة بالخلافات بين حلفاء صنعاء”1

المساء برس – تقرير خاص – الجزء الأول/ جزء كبير من أسباب الصراع بين طرفي الحكم في صنعاء “أنصار الله والمؤتمر” لم يكن مكشوفاً، وكانت عناوين الصراع لا تتطرق إلى ما هو أعمق من تلك التي نشرت في وسائل الإعلام ونطق بها زعماء الطرفين في خطاباتهم المختلفة.

نشأ الصراع بين طرفي السلطة في صنعاء بعد أن تم تشكيل حكومة الإنقاذ مناصفة بين الطرفين، حينها بدأت حركة “أنصار الله” بالدفع بأعضائها في الحكومة إلى تنفيذ البعض من مفاهيم ومبادئ ورؤية الحركة وكانت هذه الخطوط والمبادئ أشبه بما يمكن اعتباره “البرنامج السياسي” لأي حزب منظّم، وبالتالي كانت هذه الرؤى المتعددة المجالات “سياسياً بالشقين الداخلي والخارجي، واقتصادياً” وغيرها من المجالات تعتبر بالنسبة لأنصار الله هي برنامجها السياسي.

اصطدم هذا البرنامج واصطدم منفذوه بالدولة العميقة التي كانت ولا تزال موجودة حتى الآن وتتحكم بالكثير من الجوانب الاقتصادية التي تسببت وكانت مساهمة بشكل كبير في مضاعفة معاناة الشعب اليمني جراء الحصار الاقتصادي المفروض على اليمن من قبل دول التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات ضد اليمن.

في الوقت الذي لم يسعَ فيه أنصار الله “الحوثيون” إلى تثبيت أقدامهم في السلطة وتوظيف كوادرهم وإلحاقهم بالوظيفة العامة، كما فعل حزب الإصلاح فور توليه السلطة عقب 2011م، حاولت الجماعة تنفيذ برنامجها عبر العناصر الموجودة في السلطة من وقت سابق، حتى أن بعض وزراءها في حكومة الإنقاذ ليسوا من المحسوبين على الجماعة بل تم اختيارهم بناءً على ارتباطهم المهني بهذه الوزارة أو تلك، على رأس هؤلاء، مثلاً، وزير الصناعة والتجارة عبده بشر، الرجل المقرب جداً من الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح.

ومعظم القيادات في الهيئات والمؤسسات الإدارية والتي لم يتم تغييرها حتى الآن تدين بالولاء لنظام الرئيس الأسبق “صالح”، ولم تتجاوب مع توجهات حركة أنصار الله وخلقت الذرائع والتبريرات، بل إنها تعمّدت عرقلة الحركة وتوريط بعض المحسوبين عليها إما في قضايا فساد، أو تنفيذ توجهات مخالفة لتلك المعلنة بعد ثورة 21 سبتمبر التي قادتها الجماعة.

تسبب عدم وجود كوادر وعناصر من أنصار الله في الجهاز الإداري للدولة بعرقلة مضيهم فيما اتخذوه من عناوين في ثورة 21 سبتمبر، وقد وضعهم هذا الأمر في موقف محرج أمام مؤيديهم، خاصة وأن بعض التصرفات الخاطئة كان يقوم بها موالون أو محسوبون على حزب المؤتمر لكنهم أمام عامة المواطنين يتبعون أنصار الله كونهم في مناصب إدارية تتبع وزارات محسوبة على أنصار الله.

حاولت الحركة تلافي ما يمكن اعتباره خطئاً عفوياً بعد أن عجزت عن فرض برنامجها على من يتولون مناصب قيادية في المؤسسات الرسمية، عبر محاولة تغييرهم بشخصيات موالية ومؤمنة ببرنامج الجماعة ولن تعيق أي توجه لها، وكانت هذه نقطة البداية التي تصادم فيها أنصار الله بحليفهم صالح، وحينها فقط أعلن أنصار الله عن النقاط الـ(12) وطرحوها على طاولة الشراكة مع صالح.

سبب التصادم يعود إلى استخدام رئيس المؤتمر ورقته القوية وهي الموالين له في المناصب القيادية في مؤسسات الدولة عبر إعاقة أي توجه لأنصار الله قد يتسبب بتقليص أو قطع الإمداد المالي الذي لا يزال يغذي صالح وحزبه حتى الآن، عبر أبواب لم تكن معروفة لأنصار الله كونها كانت تحت عناوين يظهر من خارجها أنها قانونية وليس فيها أي شبهة أو فساد مالي، فيما كانت الحقيقة مخالفة لذلك تماماً.

وحين اصطدمت الجماعة بلوبي اللعب من تحت الطاولة أو ما يمكن أن يطلق عليه “الدولة العميقة لصالح” سعت الجماعة إلى التركيز على جانبين فقط “القضاء والاقتصاد” وبدأت بالضغط لتغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى.. وقد يتساءل البعض لماذا تغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى وليس تغيير وزير العدل؟ الإجابة هي أن حزب الإصلاح حين تولى السلطة في 2012م سعى الوزير المحسوب عليه في حكومة التوافق حينها إلى نقل العديد من صلاحيات الوزير وجعلها من صلاحيات واختصاصات رئيس مجلس القضاء، لأن الوزير حينها كان يطمح أن يتم ترقيته إلى هذا المنصب وكان يريد أن تتم الترقية وتتم معها نقل الصلاحيات، وكون الإصلاح كان أكبر مكون في السلطة حينها فقد استطاع الضغط على عبدربه منصور هادي لإصدار قرارات جمهورية بنقل هذه الصلاحيات، وقد حدث ذلك بالفعل، وقبل أن يتم تعيين الوزير السابق رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، أتت الرياح بما لا تشتهي سفن الإصلاح، حيث جاءت ثورة 21 سبتمبر التي قلبت الطاولة على الجميع، اندلعت الحرب وتشكل المجلس السياسي ومن بعده حكومة الإنقاذ بين أنصار الله والمؤتمر، والوضع في القضاء لا يزال كما كان عليه في السابق صلاحيات الوزير بيد رئيس مجلس القضاء الأعلى ومنصب الوزير تحول إلى منصب شرفي لا تتجاوز صلاحياته حدود الإجراءات والقرارات الإدارية فقط.

الآن رئيس مجلس القضاء الأعلى لا يزال محسوباً على الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وبيده كل صلاحيات القضاء التي أعاقت توجهات حركة أنصار الله المعلنة والتي مثلت برنامج عمل في المجال القضائي منذ سبتمبر 2014م، ولهذا كان لزاماً تغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى بآخر محسوب على أنصار الله ومؤمن ومتمسك بثوابت ومبادئ الجماعة في هذا المجال المهم.

وقد حاول صالح قدر المستطاع أن يعيق هذا التوجه ويمنعه بشكل غير مباشر من خلال إثارة قضايا جانبية، فتارة كان يستخدم ورقة المشتقات النفطية والتي لا زالت حتى اليوم بيده وتارة يستخدم ورقة شركة النفط، وتارة يستخدم ورقة صندوق النظافة، وتارة يستخدم أمانة العاصمة، وقد شهدت مرحلة الصراع هذه العديد من الخروقات التي قامت بها جهات محسوبة في ولائها على صالح وحزبه من خلال تسريب معلومات ووثائق للتحالف الذي كان بدورها يستغلها في الإعلام وقد لعبت قناتي العربية الحدث وسكاي نيوز دوراً كبيراً في هذا الشأن.

وبالنسبة لصالح فقد كان اعتراضه على تغييرات أنصار الله في مجال القضاء لكون ذلك سيفتح المجال لمحاسبة شخصيات متورطة في قضايا فساد هي على ارتباط مباشر بعلي عبدالله صالح وربما قد يجر ذلك رجل “صالح” في واحدة من هذه القضايا، وهذا ما يفسر محاولات صالح المستميتة لمنع حدوث ذلك.

وما حدث اليوم من قرارات أصدرها المجلس السياسي الذي يرأسه صالح الصماد أحد أبرز القيادات في جماعة أنصار الله، يمكن اعتباره انتصاراً كبيراً للجماعة في معركة واحدة من أخريات كثر تخوضها مع صالح.

بقي أن نكشف عن علاقة قرارات الصماد الأخيرة في مجال الاقتصاد، بالصراع بين حلفي سلطة صنعاء، والذي لم يكن جزءاً كبيراً منه ظاهراً على السطح وظل الطرفان يشيران إليه باستخدام الرموز التي لم يكن يدركها المواطن البسيط، وهذا ما سنتناوله في الجزء الثاني من هذا التقرير.

قد يعجبك ايضا