الانكباب الاستشراقيّ على تحديد الفوارق «الجوهرانيّة» بين حضارَتي الشرق والغرب لم ينسحب على مسائل الثقافة والفكر فحسب، بل طاولَ كذلك التقاليد العسكريّة بين شطرَي الكرة الأرضية. فدارسو فنون الحرب يلاحظون، مثلاً، أن العقيدة العسكريّة العربيّة-الإسلاميّة تميل بشكلٍ عامٍ إلى تفضيل أسلوب المناوشات التي تقوم على الحركة الخفيفة والمناورة السريعة، وذلك على حساب التدريع الثقيل والتحصين المحكم؛ أسلوب «ميليشيات» إن شئت – ولا عَيب في هذه التسمية بالمناسبة.كان الصليبيّون، في المقابل، لا يرتاحون لِقتالٍ لا يكتمل فيه عتاد الجيش تدريعاً وتسليحاً. وهم في ذلك ربّما لم يغادروا التقاليد البيزنطيّة السابقة عليهم والتي وصفَ المتنبّي بعضها في قصيدة الحدَث الحمراء المشهورة. كما أنّهم اعتمدوا كثيراً على آلات القذف القديمة التي كانت تسمح بدكّ حصون المدن المحاصرة من بعيد وإجبارها على الاستسلام.