أحداث 66 تتكرر في عدن.. حين أعدم المصريون رئيساً يمنياً رفض الوصاية

تقرير – المساء برس|قبل عدة أيام مرت علينا ذكرى إعدام رئيس اليمن الشمالي الأسبق العميد محمد حسن الرعيين في 27 أكتوبر عام 1966م بعد مؤامرة حيكت ضده من قبل الضباط المصريين الذين كانوا بمثابة الحكام الفعليين ليمن ما بعد قيام الجمهورية الأولى بعد ثورة 26 سبتمبر 62م والتي تشبه تفاصيلهما والظروف المحيطة بها ما يحدث اليوم في المحافظات الجنوبية التي يحكمها الضباط الإماراتيون فعلياً.
العميد الرعيني هو أول شهيد في تاريخ الجمهورية يقتل في سبيل الدفاع عن اليمن من الوصاية الخارجية، ففي ستينيات القرن الماضي عاشت اليمن تحت الوصاية المصرية وفي عام 66 كان الرئيس الرعيني والذي كان قبل ذلك يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية، كان حينها قائماً بأعمال الرئيس عبدالله السلال الذي تم استدعاؤه مع حكومته إلى القاهرة من قبل المخابرات المصرية والتي نقلت وزراء السلال إلى السجن الحربي ووضعت الرئيس السلال نفسه تحت الإقامة الجبرية بينما كانت القيادة العسكرية المصرية في اليمن هي من تدير البلاد كيفما تشاء ووفق مصالحها ولم يكن للمسؤولين اليمنيين أي قرار أو تحكم بسيادة البلاد باستثناء عدد من الضباط الأحرار الذين كان على رأسهم الشهيد محمد الرعيني والذي علم بما حدث للسلال ووزرائه في مصر، وهو ما اعتبره الرعيني ورفاقه إهانة قوية لليمن والشعب اليمني كدولة ذات سيادة واستقلال.
بعدها بدأ الرعيني وكان حينها قائماً بأعمال الرئيس، بمعارضة الوصاية المصرية على اليمن وطالب قيادة مصر على رأسها عبدالحكيم عامر باحترام الشعب اليمني واستقلال سيادة اليمن، ووقف التدخلات المصرية في الشأن السياسي.
وفي تصريح لنجل الشهيد الرعيني، تحدث لـ”المساء برس” رعين الرعيني بالقول إن ما حدث مع والده يتكرر اليوم في المحافظات الجنوبية بين المسؤولين الحكوميين في الشرعية التابعة للرئيس هادي وبين الضباط الإماراتيين الذين يتحكمون بالقرار السيادي في المحافظات الجنوبية”.
ووفقاً لنجل الرئيس الرعيني فإن القوات المصرية وقيادتها في صنعاء “لم تسكت بدورها إزاء الأصوات الثورية المعارضة لانتهاكها سيادة اليمن وقررت التخلص من الوالد ورفاقه”، حيث حاكت ضده مؤامرة استخبارية ووجهت له تهماً ملفقة منها “التخابر مع دول أجنبية معادية والعمل على قلب الحكم وإشعال ثورة انقلابية ضد السلطات الجمهورية والعمل مع السعودية وإسرائيل والتهيئة لزعزعة الأمن في العاصمة وتنفيذ تفجيرات وقائمة طويلة من التهم الكيدية التي كُتبت في ليلة 26 أكتوبر 66م” قبل أن يتم اعتقاله.
بدأت القوات المصرية باعتقال وزير الحربية هادي عيسى وكان حينها في مصر مع الرئيس السلال كما اعتقلت قائد الشرطة العسكرية النقيب عبدالحميد الرياشي والمقدم محمد وهاس وعدد من المشائخ الذين عارضوا ممارسات القيادة العسكرية المصرية في صنعاء، وكان آخر من تم اعتقالهم هو الرئيس محمد الرعيين والذي اعتقل أثناء عودته إلى منزله في 26 أكتوبر 66م، ولم تكن سوى ساعات قليلة حتى قُتل الرعيني بعد أن تعرض لأبشع عملية تعذيب قامت بها المخابرات المصرية في صنعاء.
وحسب روايات العديد من القادة اليمنيين حينها فإن الرعيني مات أثناء عملية التعذيب ورغم ذلك قامت القوات المصرية بإطلاق الرصاص على جثته في ميدان التحرير بعد أن أذاعت نبأ اعتقاله ومحاكمته بتلك التهم، وبما أن وسائل الإعلام حينها كانت محدودة جداً وتحت السلطات المصرية، فقد صدق المواطنون ما كان يقوله الإعلام، رغم ذلك، والحديث لنجل الشهيد، “لم تكن تلك التهم ورواية الإعلام تروق لعدد كبير من المواطنين الذين أدركوا أن في القضية لعبة كبيرة وأن المصريين تخلصوا من أحد معارضيهم، خصوصاً بعد أن شيعت بينهم أخبار اعتقال الوفد اليمني في مصر وإخضاع الرئيس السلال للإقامة الجبرية”.
تمت محاكمة الرعيني ورفاقه في مقر القيادة المصرية ومن قاموا بالمحاكمة هم ضباط يمنيون كانت علاقاتهم بالمصريين قوية وجرى تعيينهم في تلك المناصب التي كانوا فيها من قبل المصريين أنفسهم وقد ترأس المحاكمة العسكرية العميد محمد الأهنومي وزير الداخلية والذي تم تعيينه قبلها بفترة بسيطة.
ولعل المشهد بدأ يتضح شيئاً فشيئاً، حيث تبدوا أحداث الستينات متطابقة تماماً مع ما يحدث اليوم جنوب اليمن فالقوات الإماراتية هي من تفرض على هادي وحكومته القرارات السياسية والسيادية وتتحكم هي بإدارة البلاد ومن يرفض التوجيهات الإماراتية يتم التخلص منه إما بالاغتيال أو باستبعاده من منصبه أو باعتقاله مباشرة وإخفائه، والفارق بين المرحلتين الحالية والسابقة هو أن الإمارات تمتلك اليوم سجوناً سرية لإخفاء معتقليها وهو ما لم يكن موجوداً لدى القوات المصرية في صنعاء بالإضافة إلى انتشار الانتهاكات، خصوصاً الجنسية، ضد النساء في المناطق الجنوبية الخاضعة لسيطرة الإمارات، بينما كانت هذه الأحداث شبه منعدمه أثناء وجود المصريين في صنعاء.
كان الرعيني يسمى بـ”صاحب الترجمة” لإجادته اللغة الإنجليزية وشيء من الروسية والصينية، وفي مقال منشور في موقع الاقتصاد نيوز قبل عامين يذكر الموقع جزءاً من مقابلة نشرتها صحيفة “معين” للسياسي الراحل عمر الجاوي والذي قال إن صاحب الترجمة “ذهب ضحية المخابرات المصرية وعذب بصورة يندى لها الجبين، كما قال أحد المرموقين المصريين الذين شاهدوا نهاية العملية، ولم ينقل إلى ميدان التحرير مع زميله هادي عيسى لإعدامهما إلا وقد ماتا، والكلام من شاهد عيان له صله”.
وينقل الموقع أيضاً جزءاً من مذكرات محمد هاشم الشهاري والذي قال “أذكر تماماً أنه عقب الثورة تولى الرعيني منصب وزير الداخلية وفي هذه الفترة طلب منه محمد الأهنومي أن يخلي له بعض المنازل التي كان يستخدمها الخبراء الروس في حارة حنظل ولم تكن الظروف تسمح له أن يستجيب لمطالب الأهنومي، فأضمر له الغدر وشاءت القيادة المصرية أن ترفع الأهنومي إلى منصب وزير الداخلية، وحينها اتحدت رغبته مع رغبة القيادة المصرية في التخلص من أول ثائر عرفته”.
شهادة مهمة أخرى لما حدث وردت في كتاب بعنوان “الرعيني وطنياً وثائراً” لمحمد الزرقة وكان عبارة عن تجميع لشهادات عدد من السياسيين حينها حول الحادثة، تقول الشهادة “لقد اقتيد محمد الرعيني إلى القيادة وتم إنزاله إلى القبو وتعذيبه حتى الموت حتى قبل أن يُحاكم، لأن التهم كانت جاهزة والأحكام كانت جاهزة أيضاً فكان كل شيء يشير إلى النية المسبقة والمبيتة للتخلص منه ومن زملائه، لقد حوكم بعد ليل من التعذيب الطويل وأخذ إلى ساحة الإعدام قد مات فعلاً من العذاب”.
القاضي عبدالرحمن الإرياني حين علم بما حدث للرعيني ورفاقه كتب خطاباً للقيادة المصرية وكان حينها في القاهرة تحت الإقامة الجبرية ضمن المسؤولين الذين أمر الرئيس جمال عبدالناصر ببقائهم هناك فأطلق الإرياني صرخة قوية للتعبير عن استنكاره بجريمة إعدام الرعيني ووجه رسالة للمشير عبدالحكيم عامر قال فيها: “وأخيراً وقعت الكارثة، وقع ما كنت أخشاه وسفك الدماء الحرام وجاءت الفتنة وصرع محمد الرعيني برصاصات الثورة، الرجل الذي ظل لأربع سنوات متعاوناً مع القيادة العربية يدعونه في الليل فلا يتردد وفي النهار فلا يتأخر محمد الرعيني الذي جازف غير مرة في سبيل الثورة والجمهورية يعفر وجهه في التراب برصاص الثورة محمد الرعيني الذي لا تزال رصاصات العدو تنام في جسده يقتل علناً في أحد ميادين العاصمة لا على أيدي الملكيين ولا أيدي السعوديين ولا على أيدي الإنجليز ولكن على أيدي الثوار، الثوار الذين لم يطلقوا في وجه العدو طلقة واحدة ولا قادوا معركة ولا أسهموا في موقفه ولم يقرؤوا في القانون العسكري أو المدني ولا الشريعة الإسلامية حرفاً واحداً ولكن شاءت الأقدار وشئتم أنتم أن يتحكموا في رقاب الناس وفي دماء الأحرار”.

قد يعجبك ايضا