التصعيد بالساحل ومطار مأرب وعلاقة ذلك بخارطة الوضع المستقبلي لليمن

المساء برس – تقرير خاص| يشهد اليمن تطورات عسكرية متسارعة تهدف لخلق وضع دائم في المنطقة الجنوبية الغربية للجزيرة العربية يصب في مصلحة أطراف خارجية ليس من بينها السعودية ولا الإمارات بشكل مباشر.
لم يكن الإعلان عن إنشاء مطار إقليمي في محافظة مأرب إلا ملمحاً من الملامح التي بدأت تتضح شيئاً فشيئاً عن طبيعة الوضع الذي تسعى لخلقه دول التحالف ومن خلفها الولايات المتحدة وبريطانيا في اليمن بما يسمح بإيقاف الحرب من ناحية بسبب الوضع الإنساني والاحتفاظ بجزء من الهيمنة والوصاية الخارجية على اليمن من ناحية ثانية.
التطورات العسكرية التي يشهدها اليمن هذه المرة لا تقف خلفها السعودية ولا الإمارات كما هو الحال في السابق بل إن المؤشرات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن التطورات الحاصلة في اليمن تقف خلفها الولايات المتحدة بشكل مباشر وأن هناك تفاهمات بين كل من بريطانيا وإسرائيل بشأن هذه الترتيبات في اليمن.

وفي وقت سابق من هذا العام كشفت مصادر سياسية رفيعة ومطلعة مقيمة في العاصمة المصرية القاهرة أن واشنطن تنوي التدخل بشكل مباشر في عملية عسكرية تصعيدية تستهدف السيطرة على الساحل الغربي لليمن، وأن هذا التدخل لن يشمل تنفيذ عمليات برية على المناطق الجبلية الخاضعة لسيطرة قوات الإنقاذ، بل سيكتفي فقط بالسيطرة على الساحل دون التمدد إلى الناحية الشرقية بما يمكنها من عزل مناطق سيطرة أنصار الله عن السواحل اليمنية.

التصعيد العسكري وعلاقته برسم خارطة الوضع المستقبلي

تسعى الولايات المتحدة إلى خلق وضع عسكري يسمح بتهيئة الظروف لرسم الأقاليم حسب الرغبة الأمريكية التي أرادت تمريرها عبر مؤتمر الحوار الوطني وعبر مسودة الدستور التي تدخل في صياغتها، السفير الأمريكي ماثيو تيولر، وهو ما كشف حقيقتها الدكتور صالح باصرة في حوار مطول أجرته معه قناة حضرموت مطلع العام الماضي، والذي كشف خلاله أن مسودة الدستور جرى طباختها بشكل سريع دون أي توافق بين الأطراف التي كانت مشاركة في مؤتمر الحوار الوطني ودون أي مراعاة للأبعاد الجغرافية والاجتماعية لكل منطقة وأن هناك تدخلات ورغبات خارجية هي ما رسمت الخطوط الرئيسية لمسودة الدستور التي تضمنت شكل الدولة، مؤكداً أن الأطماع الأمريكية والإسرائيلية للمنطقة البحرية التي تهيمن عليها اليمن لا زالت قائمة حتى الآن وتسعى لتحقيقها والسيطرة عليها.
ويرى مراقبون عسكريون أن التصعيد العسكري الأخير للتحالف السعودي الإماراتي المدعوم أمريكياً ضد اليمن يهدف لخلق مناطق عازلة بين سيطرة أنصار الله وحلفائهم متمثلة بالقوات التابعة لحكومة الإنقاذ الوطني والمناطق الخاضعة لسيطرة حلفاء التحالف متمثلين بحزب الإصلاح والقوى المشتتة التي جرى تجميعها من جنوبيين وبقايا نظام الرئيس السابق صالح المحسوبين على الإمارات.
والمناطق الخاضعة لسيطرة أنصار الله وحكومة الإنقاذ كبيرة جداً بالنظر التواجد السكاني حيث تبسط نفوذها وسيطرتها على 70% من المناطق الآهلة بالسكان في اليمن وهي المناطق التي يتركز فيها سكان اليمن عموماً ومعظم هذه المناطق هي جبلية لا تستطيع قوات التحالف القتال فيها.
وبناءً على ما سبق تسعى قوات التحالف للسيطرة على المناطق التي يمكنها السيطرة عليها غير الجبلية وهي بالنسبة للساحل الغربي مناطق السهل الساحلي الممتدة على الشريط الساحلي فقط دون التوغل شرقاً نظراً لارتفاع الهضاب وبدء التضاريس الجبلية التي تمثل بيئة ملائمة لتمركز قوات حكومة الإنقاذ وتمكنها من إحكام سيطرتها على مجريات المعارك هناك إذا ما حدث أي تقدم شرقاً، الأمر الذي يعني أن التحالف يسعى فقط للسيطرة على الشريط الساحلي رغم خطورة تموضعه الذي لن يتمكن من البقاء فيه نظراً لعدم حماية ظهره من نيران قوات الإنقاذ المنطلقة من الجهة الشرقية للساحل الغربي وستبقى معرضة للضربات الواحدة تلو الأخرى من ناحية وسيسمح لقوات الإنقاذ من فتح معركة استنزاف بشرية وعتاد عسكري في صفوف التحالف من ناحية ثانية والتي حتى اليوم تستخدم قوات العمالقة المكونة من أبناء المحافظات الجنوبية الذين يتساقطون يومياً بالعشرات.

مأرب والمطار المزمع إنشاؤه

يدرك المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة أن 70% من سكان اليمن يعيشون في مناطق سيطرة قوات حكومة الإنقاذ ولهذا فإن أي تصعيد عسكري يستهدف الساحل الغربي ويسعى للسيطرة عليه سيتسبب بكارثة لم يحدث أن شهدها العالم من قبل، ذلك لما يمثله ميناء الحديدة وميناء الصليف من منفذ استراتيجي حيوي يمد سكان اليمن بالاحتياجات القادمة من الخارج على الرغم من تقلص هذه الاحتياجات إلى الحدود ما تحت الأدنى، بسبب الحصار والقيود التي يفرضها التحالف، ولهذا فإن على التحالف أن يجد البديل للشعب اليمني في حال أراد الضغط على قوات الإنقاذ عبر السيطرة على الساحل الغربي، وبما أن مطار صنعاء لا يزال مغلقاً أمام الرحلات التجارية والإنسانية منذ أكثر من عام ونصف ولكي يظهر التحالف أنه حريص على الشعب اليمني هاهو اليوم يروج لإنشاء مطار إقليمي ضمن خطة إعمار اليمن حسب زعم السفير السعودي محمد آل جابر، فيما الهدف الحقيقي هو إيجاد البديل لإغلاق الساحل الغربي، ولو أمام الرأي العام العالمي، ورغم ذلك لن يكون المطار في مأرب بديلاً حقيقياً لإغلاق الساحل الغربي إنما فقط للضغط من الناحية الاقتصادية بشكل أكبر على حركة أنصار الله وقوات حكومة الإنقاذ واستخدام ذلك كورقة ضغط قوية أثناء المفاوضات المقبلة التي من المتوقع أن تبدأ ترتيباتها بشكل فعلي بعد عيد الفطر المبارك.

عزل الجغرافيا المسيطرة عليها قوات الإنقاذ

تعتقد الولايات المتحدة أن عزل المناطق التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ من الجهة الغربية لليمن ومن الجهة الشمالية، أي الحدود اليمنية السعودية، ومن الجهة الجنوبية الممتدة على أكثر من 20 جبهة عسكرية، هو السبيل الوحيد لوقف تصعيدهم العسكري وإجبار حركة أنصار الله على القبول بشروط المفاوضات السياسية التي تضمن للولايات المتحدة والسعودية والإمارات إبقاء كيانات سياسية فاعلة في المستقبل السياسي والسلطة في اليمن، إبقاءها كحليف محلي يضمن للخارج وعلى رأسه واشنطن، بقاء واستمرار المصالح الأمريكية في اليمن، فاستمرار الهيمنة الإماراتية على المحافظات الجنوبية بما فيها السيطرة على جزيرتي سقطرى وميون في باب المندب من ناحية، ومنح حلفاء الإمارات من المنشقين عن حزب المؤتمر الموالين لأبوظبي وعلى رأسهم العميد طارق صالح، المناطق التي تسعى للسيطرة عليها الآن في الساحل الغربي وإبقاءها في يدها عسكرياً والتحكم بها سياسياً عبر أبوظبي.
أما على الجانب الشمالي لليمن فتسعى السعودية ومعها الولايات المتحدة مباشرة عبر قواتها المسماة بقوات (القبعات الخضراء) المنتشرة بطول المناطق الحدودية السعودية المسيطرة عليها والتي تخضع أجزاء كبيرة جنوباً لسيطرة قوات حكومة الإنقاذ، هذا المناطق تسعى السعودية لخلق واقع جغرافي جديد تسمح فيه بتمكين قوات تابعة لحزب الإصلاح من السيطرة عليها على امتداد الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية كي يكونوا عازلاً بين وصول قوات الإنقاذ إلى المناطق السعودية في كل من جيزان ونجران وعسير، ولا مشكلة لدى السعودية من أن تبقى هذه المناطق في حالة صراع مسلح مستمر بين قوات الإنقاذ وقوات هادي التابعة للإصلاح طالما أنها بعيدة عن الأراضي السعودية أو على الأقل بعيدة عن الجيش السعودي الذي يتساقط يومياً بعمليات القنص والقصف الصاروخي والمدفعي لقوات صنعاء.
ومن الجهة الجنوبية تسعى قوات التحالف إلى تمكين قوات موالية لها ليست تابعة لحزب الإصلاح بل خاضعة في ولائها للقوات الإماراتية، تسعى إلى تمكينها من محافظة البيضاء ومنها إلى إب وصولاً بجنوب تعز حتى المخا كي تكون خاضعة لهذه القوات ومسيطرة عليها كي تكون حاجزاً أمام قوات حكومة الإنقاذ وكي تبقى الأخيرة بعيدة عن تهديد النفوذ العسكري والسياسي للإمارات في مختلف المحافظات الجنوبية.
بهذا السيناريو تكون قوات حكومة الإنقاذ في حالة عزلة عن المجتمع الخارجي فلا ميناء في الساحل الغربي ولا أهداف عسكرية سعودية مباشرة شمالاً ولا أهداف إماراتية مباشرة جنوباً وأما من الجهة الشرقية فستبقي قوات التحالف على جبهتي صرواح ونهم كي تبقي قوات الإنقاذ مشغولة بصراعها مع من ينتشرون في تلك الجبهة على الرغم من أن منطقة نهم بشكل شبه كلي باتت تحت سيطرة أنصار الله ويتطلب للتحالف حتى يتمكن من استعادة المناطق التي كان قد سيطر عليها مسيرة عام كامل من المعارك العسكرية مع قوات الإنقاذ.

عزل مناطق “الإنقاذ” لن يزيل تهديدها الصاروخي للرياض وأبوظبي

هذا العزل لقوات أنصار الله يراه مراقبون بأنه لن يجدي نفعاً لأن استراتيجية قوات حكومة الإنقاذ القتالية لا تعتمد على الإمداد الخارجي، والرياض وأبوظبي وواشنطن ولندن يدركون ذلك جيداً، فالهدف من السيطرة على الساحل الغربي هو فقط ورقة ضغط اقتصادية أمام أنصار الله لتقديم أي تنازل يسمح بإنهاء الحرب وإبقاء حلفاء واشنطن والخليج في مراكز النفوذ القادرة على حفظ مصالح الخارج في اليمن وبعدها الجيوسياسي المهم جداً بالنسبة لواشنطن، فالأخيرة فيما يبدو قد خسرت معركتها في شرق البحر الأبيض المتوسط وباتت روسيا هي صاحبة الغلبة العسكرية هي وحلفائها “سوريا” ولهذا فالولايات المتحدة ترى أن تبقي على سيطرتها على جنوب البحر الأحمر بدلاً من خسارته هو الآخر ولا مانع من التخلي ولو جزئياً على منطقة المتوسط ولو مؤقتاً، وتتوافق واشنطن مع لندن في هذا الشأن لكون الأخيرة لها أهداف استراتيجية في إبقاء هيمنتها السواحل اليمنية والمياه الإقليمية ومنطقة باب المندب أولاً لكونها حليفة لإسرائيل، ثانياً لكونها صاحبة النفوذ في هذه المنطقة منذ الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن والذي استمر 128 عاماً، ومن ينفذ مهمة السيطرة التي تصب في صالح بريطانيا هي الإمارات التي أنشأت لها قاعدة عسكرية في جزيرة ميون بباب المندب وتسعى لإنشاء أخرى على جزيرة سقطرى.
حتى مع العزل الجغرافي لقوات حكومة الإنقاذ، إن أمكن لقوات التحالف تحقيقه، فإن ذلك لن يجدي نفعاً مع قوات الإنقاذ ولن يؤثر على تهديدها الصاروخي الذي لم يعد فقط يهدد السعودية وعاصمتها ومنشئاتها الاقتصادية المهمة، بل إن هذا التهديد سيتصاعد لتصبح الإمارات وعاصمتها أبوظبي وربما دبي في وقت لاحق أهدافاً عسكرية لقوات صنعاء وصواريخها التي بدأت بتصنيعها محلياً ولم تعد تعتمد على المخزون الاستراتيجي السابق، وهو الأمر الذي يعني أن أي عزلة لمناطق أنصار الله وحكومة الإنقاذ لن يؤثر على إبقاء تهديدهم لخصومهم في الإقليم قائماً بل ومتطوراً وأكثر خطورة أكثر من أي وقت مضى.

قد يعجبك ايضا