“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (6)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

حميضة بن أبي نمي

في عام651هـ تولى شرافة مكة رجل يعُد من مشاهير الأشراف وصلحائهم هو أبو نمي الأول. وهو من سلالة قتادة، وطالت مدة شرافته نحو خمسين عاماً. ويقول عنه المقريزي: “كان يقول لولا أنه زيدي لصلاح للخلافة لحسن صفاته”.

مات أبو نمي في عام 701هـ، وقد كان له ثلاثون ولداً ذكراً واثنتا عشرة بنتاً. فحصل تنافس عنيف بين أولاده على شرافة مكة استمر سنوات عديدة، وجرت من جزاء ذلك خطوب وأهوال.

كان التنافس على أذه بين أربعة من الإخوة هم: حميضة وأبو الغيث ورميثة وعطيفة. وكانوا يستمدون العون في تنافسهم من العراق أو مصر. وفي عام 715 هـ أرسل حميضة أحد عبيده إلى أخية أبي الغيث الذي كان ينافسه على الشرافة. فذبحه على مشهد من الناس، ثم دعا إخوته الآخرين إلى وليمة. وقدم لهم رأس أخيهم مطبوخا في جفنة، كما أقام على رأس كل واحد منهم غلامين أسودين شاهرين السيوف، بغية أخذ البيعة لهم منهم. فأذعنوا له قهرا(1)

هرب رميثة إلى مصر مستغيثاً بالملك الناصر بن قلاوون، وذكر له أن حميضة قطع اسمه من الخطبة في الكعبة وخطب لصاحب اليمن. فجهز الناصر رميثة بقوة كبيرة. وعاد رميثة بتلك القوة إلى مكة ن وتغلب على حميضة وأسره ن ولكن حميضة تمكن من الهرب والتجا إلى العراق مستنجداً بالسلطان المغولي خدابندة بن أرغون بن أباقا بن هولاكو. فتلقاء خدابندة لقاء حسناً وأكرمه، وأقام حميضة عنده مدة غير قصيرة.

ومن الجدير بالذكر أن خدابندة كان قد اعتنق مذهب التشيع الاثني عشري منذ عهد قريب بتأثير العالم الشيعي المعروف “بالعلامة الحالي” فتمكن حميضة من التأثير في خدابندة عن طريق تعصبه المذهبي الجديد، وحرضه على أن يرسل معه جيشاً من المغول لاحتلال مكة والخطبة له على منابرها (2) ويقال إن حميضة زين لخدابندة أيضاً أن يذهب بالجيش إلى المدينة عقب احتلال مكة لنبش قبر الشيخين ونقل رفاتهما إلى خارج الحرم النبوي.(3)

استجاب خدابندة لتحريض حميضة وجهزه بجيش كبير من المغول، وسار حميضة بهذا الجيش ننحو الحجاز عن طريق الصحراء، وانضم إليه في الطريق كثير من القبائل، وخاصة قبيلة خفاجة برئاسة محمد بن عيسى بن مهنا.

وحين وصل حميضة بمجموعة إلى موضع في الصحراء بين البصرة والقطيف، بالقرب من موقع الكويت الحالية، وصلهم نبأ موت خدابندة بالهيضة. فأدى هذا النبأ إلى تفرق الجيش. وانتهزت القبائل الفرصة، ولا سيما قبيلة خفاجة، فانثلت على الجيش نهباً وتقتيلاً، وكان رئيس خفاجة يهتف باسم الملك الناصر سلطان مصر (4). وقد أبدى حميضة في تلك الواقعة شجاعة نادرة حيث قاتل قتالاً لم يُسمع بمثله. وصفه أحد الذين شاهدوه في القتال فقال:”ما زلت أسمع بحملات علي بن أبي طالب حتى رأيتها من السيد حميضة معاينة “(5).

كانت تلك الواقعة قد وقعت في أواخر ذي الحجة من عام 716هأ. وقد تكبد فيها حميضة خسائ فادحة إذ فقد معظم رجاله، كما نُهب كل ما كان لديه من حريم وأموال وخيول. ولما وصل خبر الواقعة إلى الملك الناصر في مصر سُر به سروراً عظيماُ، وأرسل يستدعي إليه رئيس خفاجة محمد بن عيسى ومنحه مكافأة جسيمة (6)

ويقول النويري في التعليق على تلك الواقعة مانصه:” وكان خربندا – يقصد خدابندة احتقاراً له –قبل بموته بسبعة أيام قد أمر بإشهار النداء أن لا يذكر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ن وعزم على تجريد ثلاثة آلاف فارس إلى المدينة النوية لينقل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من مدفنهما، فعجل الله بهلاكه”(7)

استطاع حميضة أن يصل بمن نجا معه إلى مكة ن ويمكن بعد جهود ومحاولات شتى أن يستعيد الشرافة له وأن يطرد منها أخاثر ميثة. وقطع الخطبة للملك الناصر، وصار يدعو للسلطان أبي سعيد بن خدابندة. فذهب رميثة إلى مصر، وجهزه الملك الناصر بقوة عاد بها إلى مكة، ولم يكد حميضة بجيش لاستعادة مكة، ولكن القدر لم يمهله إذ وثب عليه أحد غلمائه فقتله وهو نائم (8) وكان ذلك في عام 720هأ فاستراح وأراح.

المراجع:
(1) تقي الدين المقريزي (كاتب السلوك )- القاهرة 1970-ج1، ق3، ص927.
(2) عبدالملك العصامي (المصدر السابق)-ج4ن ص227-228.
(3) تقي الدين المقريزي (المصدر السابق) –القاهرة 1971-ج2،ق1ص147-148.
(4) عباس العزاوي (العراق بين الحتلالين)-بغداد1935،ج1ص441-442،445.
(5) تقي الدين المقريزي(المصدر السابق)-ج2،ث1،ص148.
(6) أحمد الداودي (المصدر السابق)-ص118.
(7) تقي الدين المقريزي (المصدر السابق)-ج2،ق1،ص148.
(8) عبدالملك العصام0ي(المصدر السابق)-ج4، ص230-231.

قد يعجبك ايضا