الأزمة القطرية.. تفاعلاتُها الإقليمية وتداعياتُها على الأزمة اليمنية
المساء برس – وما يسطرون – عبدالملك العجري
في أي سياق يمكنُ قراءةُ الصراع الخليجي – الخليجي بين السعوديّة والإمَارَات والبحرين، إضَافَة لمصر من جهة، وقطر من جهة أُخْرَى؟ وماذا عن الموقف الأمريكي؟ صحيح قطر كانت تلعب إقليمياً خارج العباءة السعوديّة، لكن هل أَصْبَحت الآن تلعبُ خارج العباءة الأمريكية؟ وكيف يمكن تفسيرُ هذه التناقضات بما في ذلك التناقض في سياسة قطر التي تمكنها من الجمع بين حماس وإسرائيل في قلب واحد؟ وسياسة اللعب على كُلّ الحبال وكأنها تلعب مع الجميع وضد الجميع في آن واحد مع أمريكا وضدها مع إيران وضدها مع السعوديّة وضدها؟ وَما حكاية الإرْهَاب التي يراد تحميل كامل وزرها لقطر؟ هل قطر كبش الفداء الذي يراد التضحية به وهل ستسقى من ذات الكاس الذي سقت به حلفائها السابقين؟ ولمصلحة من؟
بات من نافل القول إن المنطقة العربية هي ميدان “اللعبة الكبرى” بين القوى العظمى والأصل في العلاقة بين دول الإقليم ودول الهيمنة العالمية أنها علاقة تبعية, وفي الآن ذاته التبعية كناظم إطاري لا تعني انعدامَ الاستقلالية أَوْ أنها مجرد علاقة ذات اتجاه واحد وانعكاس شرطي لإرادة القوى الكبرى حين التفاعلات الذاتية والاعتبارات الخَاصَّة بالفاعلين تجعل العلاقات لإقليمية أكثر تعقيداً تتراوحُ بين التقاطع والتمايز والتناقض وتلعب دوراً في التأثير على ميل سياسية القوى المهيمنة.
وقطر مثلُها مثلُ بقية دول الخليج (باستثناء عمان) حجم المصالح المشتركة تربطهم عضوياً بالولايات المتحدة ولا تستطيع أن تلعبَ باستقلال خارج الفلك الأمريكي, غير انها تملك دوراً إقليمياً متميزاً.
قطر ليست دولة مركزية أَوْ محورية في الإقليم؛ فكونها نقطةً صغيرةً على خارطة المنطقة لا يلبي هذا الطموح تكون دولةً مركزية أَوْ محورية في الإقليم محور إقليمي ولتكون فاعلاً إقليمياً تتخذُ سياسة مرنة تتيح لها اللعب تناقضات المحاور الاستقطاب الإقليمي تضع ثقلها في المحور التركي وتضع قدمها في المحور السعوديّ ولا تقطع كُلّ خيوطها بالمحور الإيراني، قطر تدرك انها الوزنة الصغيرة التي بإمكانها أن ترجّح كفة الميزان الإقليمي، فتلعب مع الكل والكل يتسابق لاستمالتها إليه الأمر الذي ثير حنق حكام الرياض فهم يرون انهم احق بها وعليها أن تكون في ملعبهم خصوصا بن سلمان الذي لا يرضى باقل من أن تكون إما معهم وإلا فهي ضدهم.
صعود إدَارَة ترامب بأولويات تختلف عن اولويات الإدَارَة السابقة هو المتغير الذي حرك عوامل الانفجار (المفاجئ على الاقل في طبيعته ومستواه) للصراعات المتراكمة بين الأَطْرَاف الإقليمية وما سيتمخض عنه من تبدلات في طبيعة الادوار. المزاج الترامبي والاعتبار الخَاصَّة لكلٍّ من السعوديّة ومصر والإمَارَات جعلت من قطر هدفا توافقيا يستطيع تحقيق الاجندات المتفاوتة لهذه الدول إضَافَة لترامب.
السيسي يهمه لجم الانشطة القطرية التي تزعزع امن واستقرار مصر سواء بدعم الجماعات الإرْهَابية أَوْ من خلال الإخْوَان وقناة الجزيرة, اما ابن زايد عراب هذه الأزمة فيلتقي مع السعوديّة خَاصَّة سلمان الملك وابنه محمد في الرغبة في قصقصة الأذرع الإخْوَانية لقطر وَوضع حد لسياساتها الإقليمية المتمردة على الإرادة الخليجية أَوْ السعوديّة بشكل أدق، فوق ذلك ابن زايد راوده طموحٌ في انتقال القاعدة الأمريكية في قطر إلى الإمَارَات، ترامب من جهته يحتاج لتنفيذ وعوده بمعاقبة الدول الراعية والداعمة للإرْهَاب وَفي ذات الوقت الحصول على المال الخليجي.
“نظامُ السيسي من أبرز الرابحين”
نظام السيسي شكا مراراً وتكراراً قطر لإدَارَة اوباما وللنظام السعوديّ دون جدوى، فالموقف المرن لإدَارَة اوباما من الإخْوَان، والموقف المتذبذب للنظام السعوديّ مرة باتجاه تركيا وقطر ومرة باتجاه مصر لم يكن يساعده كثيراً، ورغم أن السيسي وقع مع ملك السعوديّة اتفاقية اعترفت بموجبها مصر بسيادة السعوديّة على جزيرتي تيران وَصافير، لكن السيسي أبقاها معلقة، نظراً –باعتقادي- لتذبذب الموقف السعوديّ من قطر والتي تنتظر موقف الإدَارَة الأمريكية.
الثمن المطلوب من مصر كما اخذ يتأكد هو حسم مسألة الجزر المعلقة حيث تحرك ملف الجزر مباشرة وَخرج تصريحات وزير الدولة لشؤون مجلس النواب المصري بتصريح قال فيه إن وثائق الحكومة بخصوص «تيران وصنافير» رسمية 100 في المائة، ومن جهته المستشار بهاء الدين أبو شقة، رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، إن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعوديّة “تيران وصنافير”، لا تحتاج لاستفتاء شعبي, وقضية الجزر أَصْبَحت الآن في البرلمان وستكون السيسي غبيا للغاية اذا صوت البرلمان عليها قبل أن تستقر الأزمة الحالية أَوْ ترسى إلى بر ويفقده أهمّ ورقة للمناورة.
“حربٌ هامشية على الإرْهَاب”
الرئيس الأمريكي ترامب استطاع أن يحصد المليارات من السعوديّة كما وعد ناخبيه، وعرفت السعوديّة والإمَارَات كيف تُرضي حاجة تاجر العقارات بالمال وتعويضه عن الانتكاسات التي واجهها في الداخل الأمريكي وظهور عجزة عن تحقيق أبسط وعوده الانتخابية.
لكن يبقى موضوع الإرْهَاب أحد أبرز القضايا التي شنع بها على هيلاري وإدَارَة أوباما الديمقراطية وحملهما مسؤولية خلق “داعش”، ورعاية الأنظمة الإقليمية التي تفرّخ الدواعش، في إشارة للخليج وحاجته للوفاء بتعهداته للجمهور الأمريكي بالحرب على الإرْهَاب والدول الداعمة للجماعات الإرْهَابية.
المشكلة أن أيّ حرب حقيقية على الإرْهَاب ستصب في صالح البلدان والأنظمة التي السعوديّة وأمريكا طرفٌ في الحرب عليها في سوريا واليمن والعراق باعتبارهم أكبر المستهدفين والمتضررين من الإرْهَاب. ونتيجتها ستكون ضد مصلحة السعوديّة وأمريكا ومن شأنها أن تجعل السعوديّة بالذات والمُؤَسّسات الأمنية والاستخباراتية الأمريكية في ورطة حقيقية، نظرا لدورهم في خلق وتمويل داعش.
ولتجاوز هذا المأزق ذهب ترامب لحرب هامشية على الإرْهَاب فأعطى اوامره لتنفيذ عمليات إنزال استهدفت عناصرَ ينتمون للقاعدة في بعض المحافظات اليمنية، وفي آخر عملية إنزال أعلنت الإدَارَة الأمريكية انها حصلت على أجهزة كمبيوتر تابعة لعناصر القاعدة ومن بين المعلومات التي عثرت عليها معلومات تكشف دور قطر في دعم الجماعات الإرْهَابية, وهو مؤشر يدل أن قرار مقاطعة قطر كان قد اتخذ قبل القمة الأمريكية السعوديّة، وبقدرة قادرة تحولت قطر المصدر الاخطر والابرز لتمويل ودعم الإرْهَاب.
“حماسُ أبرز الخاسرين”
تتعامل قطر مع حركات المقاومة بطريقة انتقائية وبرجماتية ففي حين لا تفعل ذات الأمر مع حركات المقاومة الفلسطينية كالجهاد وفي الوقت الذي تسخر قناة الجزيرة لمهاجمة حزب الله وينعت الداعية الإخْوَانية يوسف القرضاوي السيد حسن نصر الله بحسن نصر اللات وحزب الله بالمجوس، تحتضن قطر حركة حماس، هذا الاحتضان لا يدل على التزام مبدئي من قطر وموقفها من حماس من ناحية جزء من دعمها الإخْوَان الذراع الايديولوجية لنفوذها الجيوسياسي في مقابلة الذراع الوَهَّـابية للنظام السعوديّ، ومن ناحية أُخْرَى لتكون نافذة تحضر عبرها على أهمّ قضايا الصراع في المنطقة وأكثرها صلة باستقرارها.
حماس التي تراكم خساراتها منذ غادرت قلعة المقاومة دمشق إلى فنادق الخمسة نجوم في قطر هي أبرز الخاسرين من هذه الأزمة، لم تكتفِ حماس بشد الرحال إلى الدوحة، الأسوأ من ذلك انها لم تتريّث في احراق سفنها مع أصدقائها السابقين الملتزمين بدعم المقاومة كخيار استراتيجي كإيران وسوريا وحزب الله.
الآن الإخْوَان وحماس وإيران تمثلُ أهدافاً مشتركة تجمع مصر والإمَارَات والسعوديّة وإدَارَة ترامب وإسرائيل وإن اختلفت دوافعهم، المفارقة أن القائمة التي أعلنت عنها الرباعية خلت تقريباً من أية اشارة لجهات أَوْ أشخاص على علاقة بداعش أَوْ القاعدة ما يعني عقاب قطر ليس لدعمها الإرْهَاب فبإمكانها أن تواصل دعمها لداعش والقاعدة.
أما بالنسبة لحماس والإخْوَان فَإن الحربَ المعلنة ضد قطر لن تنتهي في أحسن الأحوال إلا بتنازلات كبيرة.
“قطر تمتص الصدمة”
الاندفاعة القوية بداية الأزمة أوحت بانفجار وشيك غير أن قطر نجحت في امتصاص الصدمة ولم تتخذ أية ردة فعل مندفعة ثم اخذت تصعد شيئاً فشيئاً في خطابها نحو السعوديّة بعد أن كان مقتصراً على الإمَارَات وتركز جهودها السياسية وَالدبلوماسية الحالية على استجلاب الرضي الأمريكي والغربي ونفي تهم الإرْهَاب والتلويح بالورقة التركية والإيرانية.
بعد أن إعْلَان الرباعية مقاطعة ومحاصرة قطر خرجت عدة تصريحات لترامب تفيد أن القرار كان بضوء اخضر أمريكي وهي خطوة قرات باعتبارها شهادة براءة للسعوديّة من الإرْهَاب ثم اخذت التصريحات المراوغة للبيت الابيض والخارجية والأمريكية وترامب تتوالى وتعكس تذبذب بين التصعيد والدعوة للتهدئة والتعارض بين ترامب وبقية المُؤَسّسات.
استرضاء تاجر العقارات الأمريكي ترامب ليس بعيد المنال ما دامت خزنة قطر مترعة بالنفط والغاز والتأييد الأمريكي المراوغ للسعوديّة لن يصلَ لحد المجازفة بقطر أَوْ السماح بذهابها للمربع الإيراني أَوْ انحيازها كلياً لتركيا.
التأييد الأمريكي للسعوديّة سيمنح السعوديّة ومن معها فرصة لاستنفاذ كُلّ أوراق ضغطهم على قطر أن بأسقاط راس النظام (في ظل المعطيات الراهنة أَصْبَح بعيداً) أو بتعديل سياسة النظام فَإن هم افلحوا فبها ونعمت والا واذا انكشف انهم غير قادرين على ذلك فلا بديل عن التهدئة وبالتالي يكون ترامب قد نجح في ضرب عصفورين بحجر، فمن جهة قام بالواجب مع السعوديّة وفي نفس الوقت لم يجازف بقطر.
السياسة ليست مجرد حافظة نقود كما يعتقد بن سلمان وبن زايد وسياسة من ليس معنا فهو ضدنا والسقوف العالية كلفتها تكون عليها وفي النهاية ترتطم بالواقع بشدة، جربها بوش الابن في العراق وافغانستان وارتطمت بالواقع، جربها تحالف العدوان في اليمن وسقطت من عليها لترطم في واقع اصعب مما كانوا يحتسبون, وقطر كما قال وزير خارجيتها الأسبق حمد بن خليفة ليست لقمةً سهلة وكما لديهم حافظة نقود لدى قطر حافظة.
لا زال بجعبة الإمَارَات والسعوديّة أدوات ضغط اقتصادية موجعة يمكن استخدامها ضد قطر، المشكلة أن وجعها لن يقتصر على الأخيرة سيمتد إلى الإمَارَات والسعوديّة، وزير خارجية قطر في أحد تصريحاته قال: مقابل كُلّ دولار نخسره تخسر السعوديّة والإمَارَات مثله، الرأسمال الأمريكي هو الآخر لديه مصالح ضخمة لن تكون بمنجاة.
دعم الإرْهَاب قاسم مشترك بين السعوديّة وقطر، كلاهما أقذر من الآخر ويعرفان عن بعضهما ما لا يعرفه الآخرون عنهما، والسعوديّة بهذه التهمة كمن يرمى بيوت الناس بالحجر وبيته من زجاج، وها هي قطر بدأت ترمي الكرة للملعب السعوديّ وبالتأكيد لديها ما يؤلم السعوديّة، وسيفتح شهية شركات التقاضي الأمريكية لرفع دعاوي بتهمة الإرْهَاب وفرصة قطر ربما افضل مع قانون جاستا.
على كُلّ في ظل المعطيات حتى يمكن القول إن الأزمة لن تنتهي قريباً وفتحت ثغرة لا يمكن أن تلتئم في الجسد الخليجي والنتيجة التي على بلدان الخليجي الغنية خَاصَّة الإمَارَات والسعوديّة وقطر أن يدركوا ن السياسة ليست حافظ نقود لم يستطع مال قطر أن يخلقَ ثورةً في سوريا ولا الحفاظ على سلطة الإخْوَان في اليمن ولا مصر ولا أن يجلب للسعوديّة وبقية أَطْرَاف العدوان النصر في اليمن، المال عندما يدار بعقلية بدوية منفوخة يجلب جيوشاً من المرتزقة، لكنه لا يجلب الانتصار.
وهل يمكن أن يكونَ للازمة القطرية أيّ تداعيات على المعسكر المقابل، أعني أَطْرَاف المعسكر المقابل ومنها اليمن؟
منذ اتخاذ الرباعية قرار التصعيد مع قطر الملاحظ هو بقاء المواقف ذاتها من معسكر الخصوم، خَاصَّة في سوريا وَاليمن على سبيل المثال الخطاب الاعلامي للجزيرة التغير هو باتجاه تصعد اللهجة ضد السعوديّة والإمَارَات بينما بقي خطابها على نفس الوتيرة.
قطر ليست الدولة التي يمكن ضمان ثبات مواقفها لكن الهجمة الشرسة ستفتح عيون قطر نحو دائرة الخطر المحدق بها وستصرف تركيزها أكثر على هذا الخطر الذي يهدد وجودها، وبالتالي الأزمة يمكن أن تمثل متنفس للبؤر الملتهبة في سوريا واليمن وليبيا والأثر الأكبر سيكون على حلفاء وعملاء الأَطْرَاف الخليجية في هذه الدول.
في اليمن هل يمكن أن تدخل مصر بدلا عن قطر في تحالف الحرب على اليمن؟ اليس من المحتمل أن يكون الثمن المطلوب من مصر المشاركة في أي هجوم على ميناء الحديدة؟ لا زال الأمر مجرد تكهنات والأيام القادمة ستكشف عن ذلك.
الإعلام السعوديّ بدأ في شن هجوم قاس على حزب الإصلاح بعد أن كان حصرا على الاعلام الإمَارَاتي ويحملهم مسؤولية إعاقة التسوية والتواطؤ مع من اسماهم الانقلابين للإضرار بأمن المملكة وكذلك مسؤولية اعاقة الحسم
الاثر الابرز والمهم هو المزيد من الانكشاف للعدوان وعملائه وتريهم أمام الرأي العام المحلي والرأي العام العربي وأن كُلّ تلك الدعاوي التي برروا بها عدوان لم يكن أكثر من تخرصات ويضع كُلّ عملاء العدوان من اليمنين في مأزق خَاصَّة حزب الإصلاح.
منقول من صدى المسيرة