اليمن يمزق أوراق الضغوط الأمريكية ويستمر بإسناد غزة (تقرير)

خاص – المساء برس| تقرير: رضوان العمري|

في البداية لابد من الإشارة إلى أمرين مهمين: الأمر الأول يتمثل بأن هناك الكثير من الصحفيين انساقوا وراء السردية التي تقول بأن “صنعاء دخلت في معركة إسناد غزة لأنها لاتملك شيئاً تخسره”، وكأن سلطات صنعاء تسيطر على صحراء الربع الخالي حيث لايوجد مدن ولابنية تحتية ولاسكان ولا شيئ!!.

الأمر الثاني هو أن واشنطن قبل أن تستخدم ضغوطها ضد صنعاء كانت قد أرسلت لصنعاء عدة رسائل ترغيبية سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهذه الرسائل جاء في فحواها أن واشنطن مستعدة لتقديم كافة أشكال الدعم لصنعاء في حال قبلت صنعاء بالتراجع عن موقفها الداعم لغزة، إلا أن صنعاء رفضت كل وسائل الترغيب، وهذا ما أكده عضو المكتب السياسي لأنصار الله محمد البخيتي، في لقاء مع التلفزيون العربي، حيث قال إنهم “رفضوا عرضا أمريكيا للاعتراف بحكومة صنعاء شريطة وقف العمليات ضد سفن الاحتلال “.

وبعد أن تأكد لواشنطن بأن صنعاء لم تقبل بوسائل الترغيب، اتجهت لاستخدام أوراق الضغوط والترهيب، فكانت كلما استخدمت واشنطن ورقة ضغط مزقتها وأحرقتها صنعاء دون خوف أو تراجع.

أوراق الضغط الأمريكية

رغم أن واشنطن كانت قد استخدمت عدد من أواراق ضغطها ضد صنعاء خلال العدوان على اليمن في الأعوام السابقة وبرغم إدراكها إن تلك الأوراق لم تجدِ نفعاً في كسر صمود صنعاء، إلا أنه كان لديها بعض الآمال في أن أوراق الضغوط التي استخدمتها خلال الأشهر الماضية ستعمل على ثني صنعاء وتراجعها من دعم وإسناد غزة، وهذا مالم يحدث حتى اليوم:
وهنا سنذكر بعض أوراق الضغط التي استخدمتها واشنطن ضد صنعاء بعد إعلان صنعاء الحرب ضد الكيان الإسرائيلي وقطعت شريان اقتصاده في البحر الأحمر.

*المساعدات الأممية:

في 5 ديسمبر أعلن برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة في اليمن، عن إيقاف برنامج المساعدات الغذائية العامة في المناطق اليمنية الخاضعة لسلطات صنعاء، متعللاً بأن السبب هو “محدودية التمويل وعدم التوصل الى الاتفاق مع السلطات من أجل تنفيذ برنامج أصغر يتناسب مع الموارد المتاحة للأسر الأشد ضعفاً واحتياجاً”.

إلا أن المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية والتعاون الدولي التابع لصنعاء أكد بأن“ قرار برنامج الأغذية العالمي بإيقاف المساعدات الإنسانية في المحافظات الحرة قرار سياسي وعقاب للشعب اليمني المناصر للقضية الفلسطينية التي يتعرض شعبها لإبادة جماعية من قبل الكيان الصهيوني” بحسب بيان صادر عن المجلس.
وأضاف أن: “قرار إيقاف المساعدات يأتي تنفيذاً للتهديدات الأمريكية السابقة بقطع المساعدات الإنسانية في حال استمر الموقف اليمني المناصر للشعب الفلسطيني”.

كانت واشنطن تعتقد بأن المساعدات الإنسانية الأممية ورقة ضغط قوية ضد صنعاء، خصوصاً وأن الحصار المفروض على صنعاء منذ سنوات لازال قائماً ولازالت تداعياته تشكل تحدياً كبيراً على القطاع الاقتصادي وعلى الحياة المعيشية للمواطنين، إلا أن صنعاء لم تكترث لهذه الخطوة ومزقتها واستمرت بمناصرة غزة.

*ورقة السلام والعزلة الدولية:

في 25 يناير الماضي، قال المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، إنّ “هجمات “الحوثيين” على سفن الشحن في البحر الأحمر تهدّد بتحويل اليمن إلى دولة منبوذة”، حدّ تعبيره، محذّراً من أنّ “المدنيين اليمنيين سيعانون أكثر من غيرهم من العزلة الدولية التي ستنجم، إذا استمرت الهجمات”.

كما قال ليندركينغ في تصريح لقناة الجزيرة بأن:” على الحوثيين إدراك أنه لا يُمكن تحقيق سلام بينما يهدّدون اقتصاد العالم”، بحسب تصريحه، وهذا التصريح يدل على تهديد واشنطن لصنعاء بشكل واضح مفاده بأن أمريكا ستعرقل عملية السلام بكل الطرق إذا لم تتوقف صنعاء عن هجماتها للسفن الإسرائيلية أو المرتبطة بإسرائيل في البحرين الأحمر والعربي، ومع هذا لم تكترث صنعاء لهذه الورقة ومزقتها.

*إعادة تفعيل الجبهات الداخلية:

لوّحت واشنطن في كثير من التصريحات لمسؤولين أمريكيين، وكذا في التقارير الإعلامية الصادرة عن الصحافة الأمريكية، بورقة إعادة تفعيل الجبهات الداخلية للفصائل المحلية الموالية لها ضد صنعاء، وهذا ما أكده عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، حيث قال في منشور له على منصة “x” بأنّ “الولايات المتحدة الأميركية أرسلت، عبر سلطنة عُمان، تهديداً يتضمن تحريك الجبهات ضد صنعاء، وذلك رداً “على موقف الشعب اليمني المجاهد الرافض لإبادة أبناء غزة وحصارهم”، بحسب قوله.

وبرغم أن هذه الورقة تتعارض مع الجهود الأممية الساعية لإحلال السلام في اليمن، إلا أن واشنطن لم تتورع في التلويح بها ضد صنعاء، إلا أن صنعاء مزقت هذه الورقة ولم تكترث لها.

*التصنيف بالإرهاب :

في السابع عشر من يناير الماضي، أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أن واشنطن أعادت إدراج ما أسماها بجماعة الحوثي في اليمن “منظمة إرهابية عالمية”.

وقال سوليفان إن :”التصنيف سيسري خلال 30 يوما، وأوضح أنه إذا أوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر، فإن واشنطن ستدرس رفع هذا التصنيف”.

وهذه الورقة كانت تعتبرها واشنطن من أهم أوراق الضغط التي تمتلكها وراهنت عليها كثيراً في محاولة لتغيير موقف صنعاء، ولذلك فإن واشنطن أعلنت أنها ستمنح صنعاء 30 يوماً للتراجع عن موقفها قبل دخول القرار حيز التنفيذ، وكان الأمريكي يحلم بأن يقايض هذه الورقة بإيقاف هجمات صنعاء، حيث قال المبعوث الأمريكي ليندركينج في تصريحات لموقع العربية نت الانكليزي: “بمجرد أن يوقف الحوثيون هجماتهم، يمكن للولايات المتحدة إنهاء الضربات العسكرية وإزالتهم عن قائمة الإرهاب”.

إلا أن صنعاء مزقت هذه الورقة بلسان المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام، حيث قال في تصريح للجزيرة إن:” الولايات المتحدة تستخدم قضية تصنيفنا لأغراض سياسية، ولا فاعلية على الأرض لقرار هذا التصنيف”، مؤكداً أن:” التصنيف الأميركي لن يثني اليمن عن دعم فلسطين، بل سيزيد اليمنيين تمسكاً بموقفهم من القضية الفلسطينية”.

وبرغم أن واشنطن أعقبت هذا التصنيف بإصدار عقوبات ضد قيادات في صنعاء وكذا ضد شركات متعددة قالت أن لها صلة ب “الحوثيين” إلا أن هذه العقوبات لم تزيد اليمنيين إلا حماساً وتوسيعاً لعملياتهم التي شملت السفن البريطانية والأمريكية إلى جانب السفن الإسرائيلية.

*تفعيل الجماعات الإرهابية:

يدرك الكثيرون بأن غالبية الجماعات الإرهابية هي أحد الأذرع التي تستخدمها واشنطن لاستهداف بلدٍ ما، وكانت خلال الأشهر الماضية قد حاولت تفعيل هذه الورقة ضد صنعاء، إلا أن صنعاء وأدت المخطط في مهده.
حيث أكدت الأجهزة الأمنية في 20 فبراير المنصرم أنها “نجحت في تحقيق إنجازٍ لافت بعد مباغتتها أوكار تنظيم “داعش” الإرهابي، في منطقة الخشعة في محافظة البيضاء. وشنّت الأجهزة عملية استباقية تمكّنت خلالها من تطهير المنطقة، كما نجحت في تصفية عددٍ من أخطر عناصر التنظيم، إلى جانب قياديين، بعدما كانوا يحضّرون لعمليات انتحارية في العاصمة صنعاء وبعض المحافظات”.

وتأتي هذه العملية في ظل تقارير تحدثت، عن محاولات أميركية – بريطانية لتحريك أذرعها الإرهابية لاستخدامها بيدقاً متجدداً لإحداث فتنة في الداخل اليمني، وورقة ضغط ضد صنعاء لمحاولة إشغالها عن معركتها المساندة لغزة في البحر الأحمر.

*إعلان تحالف “الازدهار” والعدوان المباشر على اليمن:

في ديسمبر/كانون الأول، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل تحالف “حارس الازدهار”، وهو تحالف عسكري يضم حوالي 10 دول يهدف إلى حماية السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بالكيان الإسرائيلي من الضربات التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية ضد هذه السفن بهدف منع المجازر التي يرتكبها كيان العدو في قطاع غزة، وكل الدول المشاركة في هذا التحالف شاركت بشكل غير مباشر عدا الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اللتان شاركتا بشكل مباشر من خلال نشر بوارج وسفن حربية في البحر الأحمر.

وبعد أن فشل تحالف “حارس الازدهار” في حشد تحالف دولي عريض وكذا فشله في حماية السفن الإسرائيلية لجأ للخطوة الأخيرة وشن غارات جوية داخل الأراضي اليمنية في 12 يناير/كانون الثاني، وواصل عدوانه فيما بعد بشكل متقطع في محاولة منه لاستهداف المخازن العسكرية التابعة لصنعاء و محاولة لتحييد القدرات العسكرية اليمنية، إلا أن هذه الخطوة لم تحقق أهدافها واستمرت صنعاء في منع الملاحة للسفن المتجهة إلى موانئ الأراضي الفلسطينية المحتلة بل وتوسيعها لتشمل البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي.

*الضغط على شركات الملاحة لتدويل القضية:

منذ بداية إعلان اليمن حظر الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر عملت الآلة الإعلامية الأمريكية والغربية على تسويق أن الهجمات اليمنية ليست مرتبطة بما يحدث في غزة وأنها مشكلة منفصلة تهدد الشحن الدولي بالكامل وبالتزامن مع هذا التحرك في المسار الإعلامي اتجهت أمريكا للضغط على شركات الملاحة العالمية لعدم المرور في البحر الأحمر لتصوير أن الهجمات اليمنية تستهدف كل السفن بلا استثناء.

وهذه الخطوة هي الأخرى فشلت في ثني اليمن عن موقفه الداعم لغزة، حيث قال رئيس الوفد الوطني والناطق باسم أنصار الله محمد عبدالسلام في تصريح صحفي حول هذا الموضوع أن “التخويف بغير ما أعلناه في موضوع استهداف سفن العدو دعاية أمريكية مغرضة ومجافية للواقع”، مجدداً التأكيد أن “الممرات الملاحية في البحرين الأحمر والعربي في أمان ولا خطر على سفن أي دولة باستثناء سفن كيان العدو أو المتوجهة إلى موانئه”.

وأشار في تصريحاته إلى أن “الدعاية الأمريكية المغرضة تسعى إلى بناء جدار دولي يحمي “إسرائيل” في البحر بعد سقوط جدرانها الاسمنتية أمام طوفان الأقصى”. وتابع عبد السلام أنه “كما سمحت أمريكا لنفسها أن تساند “إسرائيل” بتشكيل تحالف، فشعوب المنطقة لها كامل المشروعية لمساندة الشعب الفلسطيني”.

*الاعتراف بالفشل:

بعد أن أدركت واشنطن بأن اليمن تجاوز مرحلة الضغوطات والتهديدات وأصبح يمتلك قوات عسكرية ذات تأثير كبير، اتجهت للاعتراف بالفشل من خلال عدد من المسؤولين الأمريكيين، حيث نقلت صحيفة الفايننشال عن ليزا فرانشتي قائدة البحرية الأميركية:” بأن الولايات المتحدة تواجه أكبر تحدٍ لها منذ الحرب العالمية الثانية، وأن 7000 ألف جندي أميركي في البحر يعيشون حالة من الإرهاق والإعياء بعد مرور أكثر من 4 أشهر على المواجهة من دون أخذ قصد كافٍ من الراحة، فضلاً عن الإجازات”
وأضافت” إنهم تفاجأوا بقدرات صنعاء العسكرية وامتلاكها مخزوناً كبيراً من الصواريخ والمسيرات بخصائص متطورة قادرة على تجاوز المنظومات الدفاعية الأكبر وصولاً إلى أقرب مستوى في المنظومة الدفاعية”.

بدوره، قال الأميرال براد كوبر نائب قائد القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة سي بي إس إن البحرية الأمريكية إن “البحرية الأمريكية أرسلت نحو 7000 بحار إلی هذه المنطقة وهذه واحدة من أكبر المعارك التي خاضتها القوات البحرية الأمريكية”.

وأكد كوبر بأن القوات الأمريكية في ورطة حقيقية غير مسبوقة للولايات المتحدة الأميركية وحرب استنزاف مكلفة جداً، حيث اعترف في وقت سابق ” بإطلاق البحرية الأميركية نحو 100 صاروخ من صواريخها القياسية أرض – جو، والتي يمكن أن تصل كلفة الصاروخ منها على 4 ملايين دولار أمام صاروخ أو مسيرة يمنية لا تتجاوز قيمتها آلالاف من الدولارات”.

هناك سيل من الاعترافات للمسؤولين الأمريكيين وللصحافة والإعلام الأمريكي حول فشل الولايات المتحدة وبريطانيا في تحييد القدرات العسكرية اليمنية المتطورة، وأن القوات الأمريكية باتت في “مأزق مركّب” لا تستطيع الفكاك منه، كما أن هذا الفشل سيؤثر عملياً على المعادلة العسكرية البحرية وسيقلبها رأساً على عقب، ناهيك عن التأثير على سمعة الولايات المتحدة الأمريكية وهيبتها أمام العالم.

قد يعجبك ايضا