قراءة تحليلية لأسباب انسحاب الإمارات وتداعيات ذلك على “الجنوب والإصلاح”

صنعاء – المساء برس| قدم الصحفي والناشط السياسي اليمني البارز، جمال عامر، تقريراً تحليلياً للتطورات الأخيرة على المشهد العسكري والسياسي في اليمن فيما يتعلق بانسحاب القوات الإماراتية بكامل عتادها العسكري من اليمن والإبقاء على عدد محدود من القيادات العسكرية كوجود رمزي في اليمن بما في ذلك المحافظات الجنوبية للإبقاء على شراكة الإمارات ضمن التحالف ولو رمزياً.
وكتب رئيس تحرير أسبوعية “الوسط” قراءته التحليلية لما حدث تحت عنوان “دواعي وتداعي مغادرة قوات ابوظبي لمأرب وتأثيرها على الجنوب والإخوان في ظل تصاعد خيباتها بالخلاف مع الرياض”، إن سحب أبوظبي لقواتها وعتادها العسكري وسحب آخر الجنود الإماراتيين بما في ذلك صواريخ الباتريوت الحامي للمحافظة وحدوث هذا الانسحاب من دون أي اكتراث حتى لمجرد الإبقاء على تمثيل رمزي يوحي بتماسك التحالف السعودي الإماراتي في حربه على اليمن، يؤكد خيبة الأمل التي تجرعها محمد بن زايد جراء فشله في السيطرة على مأرب وتقليص نفوذ حزب الإصلاح واضطراد توغله وإحكام سيطرته على كل مفاصل السلطة المحلية والجيش والأمن.

| فشل استنساخ النخب ودور الاصلاح |

وقال عامر إنه وبعد أحداث ديسمبر 2017 حاولت ابوظبي تشكيل نخبة مأربيه على غرار مافعلته في محافظات الجنوب وكلفت الشيخ ذياب بن معيلي وزير النفط عن المؤتمر في حكومة الائتلاف مع انصار الله قبل ان يغادر العاصمة بعد مقتل رئيسه علي عبد الله صالح نتيجة المواجهات التي شهدتها مناطق حدة في العاصمة صنعاء مع جماعة أنصار الله وجاء اختيار بن معيلي كونه ينتمي الى احدى اكبر القبائل المأربية (عبيدة) ونجل شيخها الذي يعد مرجع قبائلها قبل ان يتوفى العام الماضي، وأيضا باعتباره احد القيادات المؤتمرية وعلى علاقة جيدة بأولاد صالح، والذي ترجم استمرارها بزيارة الى مديرية المخا التي تحتلها الامارات، والتقى طارق صالح قائد ما يسمى الوية حراس الجمهورية الممولة من أبوظبي.
وأضاف جمال عامر إن بن معيلي عقب عودته إلى مأرب بدأ فعلاً بتشكيل النخبة الماربية “قبل ان يؤلب الاصلاح المشايخ والسلطة المحلية ضدها ليتم الإجهاز عليها قبل ان تولد”.
ولفت عامر إلى أن هذا الإخفاق مثل صدمة لأبوظبي “باعتبار المحافظ سلطان العرادة يعد مقربا من ولي العهد ويحظى بحفاوة لا يحصل عليها غيره حيث كان يقضي في عاصمتها مددا طويلة في مواءمة فريدة مع كونه ينتمي الى حزب الاصلاح الذي يحاربه الاخير بشراسة”، مشيراً إلى أن العرادة احتفظ أيضاً بعلاقة متميزة مع الرياض وظل الوحيد الذي يُعامل باحترام ويتم استضافته بأرقى الفنادق التي طُرد منها كبار المسؤولين بمن فيهم نائب هادي اللواء علي محسن.

| هل ورط بن سلمان حليفه بن زايد |

وأكد عامر أن أبوظبي فشلت في فرض سيطرتها على مأرب، لافتاً إن ذلك “ليس بسبب حزب الاصلاح وحده بل لأن اغلب مشائخها هم ضمن الرعاية السعودية منذ زمن طويل ويستلمون من لجنتها الخاصة والتي مع ذلك كانت تستوعب رفض هؤلاء لمهمات يمكن ان تؤدي الى تفجير الوضع في محافظتهم او الى قطيعة مع الدولة وهو ماحصل حين تم رفض طلب سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع آنذاك والممسك بملف اليمن من خلال رئاسته للجنة الخاصة منذ مابعد ثورة 62 وحتى وفاته بمقاومة استخراج النفط من مأرب في منتصف الثمانينات.

وقال عامر إن مالم يدركه نظام ابوظبي واحتفظ به النظام السعودي لنفسه قاصدا توريط حليفه المتهور – أي بن زايد – هو خصوصية التعامل مع القبائل اليمنية وبالذات الشمالية وكذا تعقيداتها الاجتماعية وتقاطع مصالحها وهو ماخبرها الامير سلطان بحكم تجربته وعلاقاته المباشرة بمختلف مشائخها لتفرده وحده بالإشراف المباشر عليها وعلى السلطة نفسها لأكثر من خمسة عقود عبر اللجنة الخاصة
ولذا فان اختلالاً بدا بسيطا في علاقة المملكة باليمن بعد وفاة سلطان الذي استلم الملف عنه وزير الداخلية الأسبق نايف بن عبد العزيز وكبر قليلاً مع انتقال الملف إلى نجله محمد ليظهر العوار مع استلام الملك عبدالله للحكم الذي اجرى مراجعات شاملة لعمل ومهام اللجنة بعد ان اصبحت مؤسسة فساد كبيرة.

| جهل مركب بالتعقيدات القبلية |

ويشير عامر إلى أن ولي عهد أبوظبي كان لا بد أن يفشل “بسبب جهله المركب بالتعقيدات مكاناً وبشراً وظروفاً طالها التغيير”، وأضاف “ولجشعه الذي اعماه وغروره الذي لم يستطع معه ان يبني على احترام وحب اليمنيين لوالده، اذ اتكل فقط على معطيات وتقارير مخاتلة اراد ان يطوع نتائجها لتصبح واقعاً، اعتماداً على القوة الغاشمة التي ظن انها كافية لتطويع اليمنيين وفرض سيطرته على بلادهم”.

| الجنوب سيناريو مختلف ونهاية غامضة |

وعن تداعيات الانسحاب الإماراتي على الوضع في المحافظات الجنوبية قال الصحفي جمال عامر إن النهاية وسيناريو مغادرة القوات الإماراتية هنا قد يختلف قليلاً، مشيراً إلى تمكن أبوظبي من تأسيس قوات ميليشاوية مسلحة ومدربة من أبناء المحافظات الجنوبية واستغلالها – أي أبوظبي – فراغ السلطة التي يمثلها هادي وحكومته في المنفى وليس على الأرض “ما جعل الإمارات تبسط يدها على محافظات جنوبية كدولة محتلة قبل ان تنازعها السعودية ما خططت لامتلاكه، وهو مادفعها الى الخيار الأقل كلفة حين بدأت باستخدام القوات المحلية التي انشأتها بالقيام نيابة عن جنودها بفرض الاحتلال تحت لافتة القضية الجنوبية للتخفيف من كلفة بقاء قوات كبيرة واستبدالهم بقوة رمزية، تتكفل بمهمة القيادة والتوجيه لتحقيق هدف الهيمنة بأدوات محلية، الا ان النجاح من عدمه سيظل رهناً لعوامل داخلية وخارجية”.

| لهذه الخيبات راجع نظام ابوظبي حساباته |

لقد فرض تطور الأحداث الداخلية والخارجية على ابوظبي مراجعة حساباتها خلال خمسة أعوام مضت وفقاً لمبدأ الربح والخسارة وليس لأمنيات تبخرت بفرض السيطرة الفعلية على بلد كاليمن كمقدمة لبسط الهيمنة السياسية على بقية أقطار العرب، يقول رئيس تحرير “الوسط”.

وأمام واقع حال لايحتمل التجميل وجد بن زايد نفسه امام خيبات تقول:
“ــ بعدم امكانية تحقيق اي نصر عسكري ناجز على انصارا لله ومن ان الاستمرار في لعب دور رأس الحربة في الحرب سيكون ثمنه باهضاً.
ــ كل المعطيات تؤكد على بقاء عدوه اللدود، اخوان اليمن، كلاعب في اي تسوية محتملة في ظل تراجع فرص فرض المؤتمر بقيادة احمد علي كسلطة مهيمنة في المستقبل وهو أحد أهم أسباب الخلاف مع المملكة.
ــ تصدر الرياض للحيلولة امام استمرار سيطرة ابوظبي بعيداً عنها على المحافظات الجنوبية عبر ادواتها في الحكومة اليمنية وهو ماقد يفجر حرباً بين الأطراف تنتهي بخسارة للجميع.
ــ التأكيد الحاسم للمجتمع الدولي على وحدة اليمن، وإن السياسية كحد ادنى، في وقت وجد بن زايد بلاده مدانة بالاحتلال ونظامه متهماً بالانتهاكات والقتل والتعذيب خارج القانون”.

بناءً على ذلك، يقول عامر، إن معناه شيء واحد وهو احتمالية ضياع التعويض الذي كان يأمله بن زايد لخسارته عتاداً ورجالاً ومالاً، في حال لم تتمكن المليشيات المحلية التابعة له على حسم الصراع لصالح أداته السياسية المتمثلة بالمجلس الانتقالي، ويضيف بالقول “لذلك كله اوعز لمستشار بن زايد عبدالخالق عبدالله تبرير وتجميل مغادرة قوات بلاده في تغريدة له على تويتر حين أرجع مغادرة القوات الى استمرار هدنة الحديدة وارتفاع كفاءات وجاهزية القوات المساندة للشرعية والتراجع في العلميات العسكرية خلال 2019، ولدواعي الكبرياء ختم تغريدته بالقول ان هذه الأسباب واخرى دفعت الامارات خفض قواتها بعد أن أدت مهامها على أكمل وجه ويمكنها العودة في أي وقت.

ويختتم جمال عامر تحليله السياسي بالتساؤل التالي: “اذا كان هذا حال الإمارات فكيف سيكون مآل السعودية ذات التاريخ الطويل بالمؤامرات على اليمن شماله وجنوبه والذي يوحد بغضها اليمنيون كافة حيث يواجه تواجدها جنوباً بمقاومة شعبية وشمالاً بحرب مستعرة وصواريخ وطائرات مسيرة نالت من مواقعها الاستراتجية في عقر دارها”.

قد يعجبك ايضا