مناطق سيطرة الحوثيين تشهد أعمال تخريب من الداخل “ماذا حدث؟”

المساء برس – تقرير خاص| على مدى ثلاث سنوات من الحرب التي يشنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات ضد اليمن شهدت المناطق التي تديرها حكومة صنعاء المتمثلة باللجنة الثورية سابقاً وحالياً المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ حالة من الهدوء والاستتباب الأمني بالتزامن مع إلقاء القبض على عشرات العصابات المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي كانت تعمل من الداخل لصالح التحالف.
وشهدت هذه المناطق اختفاء أعمال السرقة واختفت عمليات الاغتيال التي كانت تحدث بشكل شبه يومي حتى في العاصمة صنعاء قبل سيطرة أنصار الله على العاصمة وتوليهم زمام الأمور الأمنية، ومع دخول اليمن العام 2015 بدأت حالة الاستقرار الأمني تسود المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله وتحولت هذه المناطق إلى مأوى وملاذ آمن للهاربين من المحافظات الخاضعة لسيطرة التحالف والتي انتشرت فيها أعمال السرق والسلب والنهب وحوادث الاغتصاب والتصفيات الجسدية والاغتيالات السياسية وجميع هذه الأعمال الإرهابية لا يكاد يخول يوم واحد إلا وقد حدثت جريمة واحدة على الأقل في أي مكان في تلك المحافظات.
وتشير التقديرات الإحصائية إلى أن نسبة سكان العاصمة صنعاء ارتفعت خلال الثلاث السنوات الماضية إلى أكثر من 5 مليون مواطن، بسبب نزوح مئات الآلاف من المواطنين من بقية المحافظات التي تخضع لسيطرة قوات التحالف والجماعات المسلحة الموالية لها، هرباً من الأعمال الإرهابية التي تستهدف المواطنين الأبرياء في كل مكان وفي أي وقت خصوصاً في مدينة تعز ومحافظة عدن جنوباً، وكانت درجة الأمان التي وصلت إليها مناطق سيطرة سلطات صنعاء هي التي دفعت بالمواطنين المهددين في الأجزاء الخاضعة لسيطرة التحالف إلى الهروب نحو العاصمة صنعاء، إما على شكل نزوح اجتماعي وهي النسبة الأكبر، أو نزوح ولجوء إلى مخيمات للنازحين تديرها الجهات المختصة في حكومة الإنقاذ.
ولهذا ليس غريباً أن نجد أن معظم سكان اليمن يعيشون في مناطق سيطرة سلطات صنعاء، حيث تؤكد التقديرات الإحصائية المحلية الرسمية وكذا تقديرات المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة العاملة في اليمن بأن ثلاثة أرباع سكان اليمن يعيشون في مناطق سيطرة أنصار الله بينما يعيش الربع الأخير من السكان في بقية المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف، على الرغم من أن المساحة التي يسيطر عليها أنصار الله وقوات الجيش التابع لصنعاء تقدر بثلث مساحة اليمن فيما بقية المساحة هي مجرد صحراء لا يوجد فيها توزيع سكاني باستثناء المتوزعين على الشريط الساحلي.
وليست سلطات صنعاء وحدها هي من وضعت هذه التقديرات، إذ أن رئيس حكومة المنفى الموالية للرياض أحمد عبيد بن دغر أقر بنفسه في تغريدة على حسابه بموقع تويتر نهاية يناير الماضي بأن الحوثيين يحكمون ثلاثة أرباع سكان اليمن وتسيطر على ثلاث مساحة الجغرافيا اليمنية.
وقد استمرت حالة الاستتباب الأمني في مناطق سيطرة الحوثيين منذ العام 2015 وحتى اليوم، غير أن بعض الأحداث التي وقعت مؤخراً في هذه المناطق وبينهما فترات زمنية متقاربة جداً تشير إلى وجود عمل تخريبي من الداخل بدأ تدشينه قبل فترة ليست ببعيدة، يُعتقد أن أطرافاً خارجية تقف خلفه ولا يستبعد أن تكون السعودية والإمارات على رأس هذه الجهات.

الحادثة الأولى

في العاصمة صنعاء أواخر مارس الماضي تم الكشف عن تنظيم سري يتخذ من ارتباطه بقطاع حكومي بشكل غير مباشر غطاءً لتنفيذ أعمال ضد المواطنين والتجار ومعظم هذه الأعمال تتركز في الاعتقال لساعات بهدف الابتزاز وأخذ مبالغ مالية من الضحايا مقابل الإفراج عنهم، ورغم أن الأجهزة الرسمية شرعت في التحقيق خلف هذا التنظيم إلا أن الاحتياطات التي يتخذها التنظيم لإبعاد الشبهات عنه يبدو أنها احتياطات مدروسة بعناية تمنع وقوعهم في دائرة الاتهام بشكل مباشر وبشكل قانوني، واللافت في هذه العصابة أنها توهم المواطنين الذين تتعامل معهم بأنهم يتبعون جماعة أنصار الله وتحاول من أعمالها غير المشروعة خلق صورة سيئة لدى المواطنين عن الحوثيين وحكومة الإنقاذ وهذا ما تبين من خلال الاستماع لشهادات بعض الضحايا وموظفين حكوميين يعملون في هذا القطاع الحكومي.

الحادثة الثانية

فجر السبت الماضي أتى حريق مفتعل على مخازن الغذاء العالمي في الحديدة حيث التهم الحريق الذي شب في 4 مخازن من أصل 6 تابعة لمؤسسة موانئ البحر الأحمر وتم تأجيرها من برنامج الغذاء العالمي منذ أكثر من عام لحفظ المواد الإغاثية، وقد أتلف الحريق كميات كبيرة من المواد الغذائية من حبوب وعدس وسكر وأرز وخيام إيواء للنازحين، كانت مخزنة داخل المخازن، وحتى اللحظة لا زالت التحقيقات من قبل السلطات الرسمية بالتعاون مع الغذاء العالمي لمعرفة أسباب الحريق وعلاقة التحالف به، خصوصاً وأن مسؤولين في حكومة هادي خارج اليمن وبعد الحريق بساعات قليلة وجهوا الاتهامات لجماعة أنصار الله وسلطات صنعاء بوقوفهم خلف الحريق فيما التحالف أعلن على الفور عن أسباب الحريق الذي زعم أنه ناتج عن إطلاق الحوثيين لصاروخ باليستي سقط فوق المخازن وأحرقها، والغريب في الأمر أن التهمة هذه كانت جاهزة ففور وما إن اشتعل حريق المخازن حتى باشرت وسائل إعلام التحالف بكشف السبب، الأمر الذي يشير إلى وجود علاقة بين افتعال الحريق ودول التحالف، يضاف إلى ذلك أن هناك مصلحة أخرى للتحالف من افتعال الحريق وخصوصاً في مخازن تابعة لجهة يفترض أنها محايدة، حيث لم يتهم برنامج الغذاء العالمي أي طرف بافتعال الحريق بل إن المسؤولين العاملين في الهيئة الدولية يشيدون بالتسهيلات المقدمة من حكومة الإنقاذ عبر مؤسسة موانئ البحر الأحمر فيما يتعلق باستقبال الشحنات الإغاثية التي تمدّ 70% من سكان الجمهورية اليمنية عبر ميناء الحديدة، ومصلحة التحالف من هذا الحريق باتت واضحة للعيان فالسعودية تسعى لإغلاق ميناء الحديدة كلياً لولا الضغوط الدولية عليها نظراً لما يمثله الميناء من شريان يمد الغالبية العظمى من الشعب اليمني بالمواد الإغاثية والتجارية، رغم أن المواد التجارية باتت محاصرة هي الأخرى وتحاول السعودية تضييق الخناق بشكل أكبر فيما يخص استيراد السلع التجارية عبر افتعال إجراءات تتعمد تأخير السفن في الغاطس وعدم تفتيشها فور وصولها واستدعاءها أكثر من مرة حتى من دون أسباب مقنعة.

الحادثة الثالثة

مرة أخرى في العاصمة صنعاء تحدث عملية إطلاق نار على أحد المواطنين في شارع بغداد من قبل مسلحين كانا يستقلان دراجة نارية، وفيما قد تكون الحادثة هي مجرد ثأر شخصي بين المسلحين والمواطن أحمد الميموني إلا أنها تصبح حالة قتل خارج القانون وتشير فيما لو تكررت بوجود انفلات أمني في أكثر مناطق اليمن أماناً منذ 3 سنوات.
فحادثة مقتل الميموني في صنعاء على يد مسلحين فوق دراجة نارية لم تكن الأولى ففي يناير الماضي شهدت صنعاء أول حادثة اغتيال تطال شخصية سياسية منذ تولي أنصار الله زمام الأمور الأمنية في مناطق سيطرتهم شمال اليمن في 2015 حيث تعرض الدكتور راجي حميد الدين الأكاديمي بجامعة صنعاء لإطلاق نار بنفس الطريقة التي قتل بها المواطن الميموني اليوم وقد ألقت الأجهزة الأمنية القبض على القتلة في نفس اليوم وقد كشفت التحقيقات أن المنفذين يعملون لحساب جهات خارجية.

هذه الحوادث الثلاثة وحدوثها في أوقات متقاربة تشير إلى أن التحالف يعمل على تنفيذ مخطط تخريبي من الداخل في مناطق سيطرة أنصار الله وقوات صنعاء، فبعد أن فشل التحالف في تحقيق تقدم عسكري في كل من الساحل الغربي والبيضاء والجوف والحدود، وبعد أن فشل مرة أخرى في تحقيق انقسام حقيقي بين أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي العام وفشل في استثارة الشارع اليمني ضد أنصار الله محاولاً استغلال مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح أثناء هروبه من صنعاء إلى مأرب، يحاول التحالف اليوم تحقيق انفلات من الداخل باستخدام خلايا نائمة تختلف عن تلك الخلايا الإرهابية المعروفة بانتمائها لبعض التنظيمات السياسية الدينية الموالية حالياً للتحالف والمشاركة في سلطة هادي من خارج اليمن.
ومثل ما فشل التحالف في تحقيق هدفه عسكرياً ثم عبر إحداث انقسام سياسي بين حلفاء صنعاء، تقودنا مؤشرات التحركات الأمنية في صنعاء إلى أن محاولات التحالف لإحداث فوضى من الداخل وأعمال تخل بالأمن العام ستفشل أيضاً، فبمجرد إبلاغ الأجهزة الأمنية بمقتل المواطن الميموني انتشرت بشكل كبير وفي وقت قياسي وحدات أمنية متخصصة ونقاط تفتيش في أكثر من منطقة تقوم بعمليات تفتيش الدراجات النارية من جهة والبحث عن منفذي العملية من جهة ثانية.
وتبقى مسؤولية الحفاظ على الأمن العام هو مكسب يناله المواطن قبل الدولة لكونه المستفيد الأول من استتباب الأمن ولهذا فإن الأجهزة الأمنية دائماً ما تؤكد باستمرار أن تعاون المواطنين مع الأجهزة الأمنية وإبلاغها بأي حالة اشتباه في أي منطقة كانت وفي أي وقت هي مسؤولية اجتماعية ووطنية تهدف للحفاظ على الأمن العام وتبعد العاصمة والمحافظات المجاورة لها عن أي انفلات أمني كالذي تعيشه ليل نهار المحافظات الخاضعة لسيطرة قوات التحالف.

قد يعجبك ايضا