“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (12)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

بين عون وزيد

دام الحكم المصري في الحجاز نحو ثلاثين سنة إذا لم ينسحب الجيش المصري من الحجاز إلا في عام 1840م. وكانت تلك الفترة ذلت أثر كبير في منصب الشرافة، فقد كان شريف مكة قبل ذلك يحكم الحجاز حكماً مطلقاً وتكاد سيادة الدولة العثمانية عليه تكون أمسية(1) أما بعد ذلك فقد أصبح الشريف يشاركه في الحكم والي تركي ومعه قوات نظامية تخضع لأمره. وقد بداً منذ ذلك الحين صراع بين الوالي والشريف يشتد تارة ويخف تارة أخرى فالوالي يدري أن يفرض سيادة الدولة في الحجاز، بينما الشريف يريد أن يستعيد مجد أجداده في الحكم المطلق. ومن الممكن القول إن الصراع بين الاشراف أنفسهم قد دخل فيه من جراء ذلك عامل جديداً من قبل، هو نفوذ الدولة وأمر السلطان. فبعد ما كان الصراع بين الأسر المتنافسة محصوراً في داخل الحجاز ويعتمد على القوة وحدها، أصبح الآن يدور بالإضافة إلى ذلك في أروقة إسطنبول حيث تحاول كل أسرة نيل الحظوة لدى السلطان وتشويه سمعة غريمتها لديه.

شهدت فترة الحكم المصري في الحجاز بداية الصراع المشهور بين أسرتين من الأشراف هما: أسرة ذوي زيد وأسرة ذوي عنون. وهو الصراع الذي استمر حتى عهد ما بعد الحرب العالمية الأولى وكان له أثر في تاريخ الأشراف القريب.

كان عبدالمطلب بن غالب هو زعيم ذوي زيد، وقد تولى الشرافة في عام 1827، ولكن عهد لم يدم طويلاً إذا كن ينافسه على الشرافة محمد بن عبد المعين زعيم ذوي عون، ويدعي ذوو زيد أن محمد بن عبدالمعين لم يكن شريفاً بل هو مجهول النسب كان يعمل خادماً عند الشريفة حزيمة أخت عبدالمطلب ولكن محمد علي باشا أراد أن يجعل منه نداً لعبد المطلب نكاية به ولكي يشق الاشرف ويضعهم.

وفي أوائل عام 1828م حدثت معركة شديدة في الطائف بين قوات عبد المطلب وقوات محمد بن عبد المعين، وقد ساعدت القوات المصرية محمداً، فانتصر على خصمه. فطلب عبد المطلب منه الأمان، وغادر الحجاز ذاهباً إلى إسطنبول.

استمرت شرافة محمد حتى عام 1851 عندما صدر أمر السلطان بعزله لسبب غير معروف، وقد عينت الدولة عبدالمطلب في الشرافة مكانه. وقد ذهب محمد إلى إسطنبول فعاش هو وأولاده في كتف السلطان مكرماً على نحو ما عاش خصمه عبدالمطلب من قبل.

لم تدم شرافة عبدالمطلب في هذه المرة سوى أربع سنوات تقريباً، ففي عام 1854حدث حادث أدى إلى عزله. وخلاصة الحادث أن الوالي التركي كامل باشا قد وصله أمر من السلطان بمنع بيع الرقيق علناً في الأسواق تنفيذاً لمعاهدة عقدت بين الدولة ا العثمانية وبريطانيا. وقد استدعى كامل باشا دلالي الرقيق وأبلغهم الأمر، ولم يكد ينتشر الخبر في مكة حتى هاج الناس وتنادوا بالجهاد، واجتمع طلبه العلم في بيت رئيس العلماء وطلبوا منه أن لا يرضخ لهذا الأمر الذي هو مخالف للشرف في نظرهم ن كما طلبوا منه أن يذهب معهم إلى دار القاضي ليمنع من صدور الأمر. فاستجاب رئيس العلماء لطلبهم وسار معهم متجهاً إلى دار القاضي، وانضم الجمهور إليهم في الطريق وهم ينادون بالثورة، واشتبكوا مع الحامية التركية في قتل عنيف امتد إلى المسجد الحرام، وسقط فيه عدة قتلى من الفريقين.

(1) سليمان موسى (الحركة العربية)-بيروت 1970-ص44.

قد يعجبك ايضا