“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (8)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

الطائفية في الحجاز

إن النزاع الصفوي العثماني الذي حدث في العراق منذ القرن العاشر الهجري كان له أثره في الحجاز. ففي موسم الحج من عام 1042هـ ورد إلى مكة أمر من السلطان العثماني في إسطنبول بمنع العجم من الحج والزيارة، وقد نودي بهذا الأمر في أسواق مكة لتبليغ العجم بذلك وهم يبلغ العجم بذلك وهم يبلغونه إخوانهم إذا عادوا إلى بلادهم.(1)

كان يتولى شرافة مكة في ذلك الحين رجل أسمه زيد بن محسن، وقد أعلن هذا الرجل تحوله من المذهب الزيدي إلى المذهب الحنفي – وهو المذهب الذي كانت الدولة العثمانية تعتنقه. يقول صاحب كتاب “تاريخ مكة” عن هذا الرجل ما نصه ” كان يعتقد اعتقاد أهل بيته من الزيدية، ثم باينهم ورجع إلى معتقد أهل السنة، وتمذهب بمذهب الإمام أبي حنيفة. وكف أهل بيته عن كثير مما كانوا ينالون من أهل السنة ومنعهم من إظهار معتقداتهم”(2).

وانتشرت بين سكان مكة في ذلك الحين إشاعة مفادها أن الشيعة لا يتم حجهم في مذهبهم إلا إذا لوثوا الكعبة بالنجاسة. وقد صدق الكثير من الناس بهذه الإشاعة كما هي عادة الناس عند استفحال التعصب الطائفي لديهم. وفي شوال 1088هـ – وهو يوافق 4كانون الأول 1677م- وقعت فتنة طائفية في مكة من جراء تلك الإشاعة. ننقل فيما يلي وصفاً لتلك الحادثة كما رواها رجل من أهل مكة شاهدها بنفسه، حيث قال ما نصة:

“وفي سنة ثمان وثمانين وألف يوم الخميس ثامن شوال منها وقع حادث غريب، وكارثة عجيبة، هو أنه وقع في ليلته أن لوت الحجر الأسود وباب الكعبة وملى الجمعة وأستار البيت الشريف بشيء يشبه العذرة في النتن والخبث، فصار كل من يريد تقبيل الحجر يتلوث وجهه ويداه ففزعت الناس من ذلك، وضجت الأتراك واجتمعت، وغُسل الحجر والباب والأستار بالماء، وبقي الأتراك الحجاج والمجاورون في أمر عظيم. وكان إذا ذلك رجل من فضلاء الأروام يلقب درس عام، فكان يرى جماعة من الأرفاض بالمسجد الحرام، وينظر صلاتهم وسجودهم وحركاتهم عند البيت والمقام، فيتحرق لذلك وتأوه. فلما وقع هذا الواقع قال: ليس هذا إلا فعل هؤلاء الأرفاض اللثام، الذين يلازمون المسجد الحرام. وكان حينئذٍ مع قضاء الملك العلام ن السيد محمد مؤمن الرضوي قاعداً خلف المقام ن يتلو كتاب الله ذي الجلال والإكرام، فأتوا إليه، وأخذت الختمة من يديه، وضُرب علي رأسه، وسُحب حتى أخرج من باب المسجد المعروف بباب الزيادة فُطرح خارج الباب ن وضُرب بالحجارة والكسارات حتى زهق وما. وفي حال مسكهم إياه من المسجد كلمهم فيه شخص شريف من السادة الرفاعية يُسمى السيد شمس الدين، فعدوا عليه وألحقوه به، فضُرب حتى مات وجُر. ثم أصابوا آخر فضربوه وأخرجوه وقتلوه ن وعلى من قبله طرحوه. ثم فعلوا ذلك برابع، ثم بخامس. ولقد رأيتهم مطروحين، وبقي بعضهم على بعض، الأتي والذاهب بوسعهم السب والركل. وقد رأيت ذلك الشيء وتأملته فاذا هو ليس من القاذورات، وإنما هو من أنواع الخضروات ن عجين بعدس ممخخ وأدهان معفنات ن فصار ريحه ريح النجاسات. وكان هذا الفعل عند مغيب القمر من تلك الليلة ليلة الخميس ثامن الشهر المذكور، ولم يُعلم الفاعل لذلك. وغلب على بعض الظنون أن ذلك جُعل عمداً وسيلة إلى قتل أولئك. والله أعلم بالسرائر، وهو متولي الباطن والظاهر”.(3)

ومما يلفت النظر أن حادثة أخرى تشبه هذه الحادثة وقعت في عام 1143هـ، خلاصتها أن قافلة من حجاج الشيعة وصلت إلى مكة متأخرة عن موسم الحج، فأقام الشيعة في مكة بغية أداء الحج في الموسم القادم. وعند هذا انطلقت في مكة إشاعة بين العامة مفادها أن الشيعة وضعوا نجاسة في الكعبة وثار الجمهور، كما ثار العسكر معهم، وذهبوا جميعاً إلى القاضي، ولكن القاضي هرب منهم خوفاً من فتنتهم. فتوجهوا إلى المفتي وأخرجوه من بيته كما أخرجوا معه عدداً من الفقهاء، وذهبوا بهم إلى وزير الشريف وتمكنوا أن ينتزعوا من الوزير أمراً بإبعاد الشيعة عن مكة، ثم خرجوا إلى الأسواق ينادون بطرد الشيعة من مكة ونهب بيوتهم.

كان شريف مكة يومذاك اسمه محمد بن عبدالله، ولم يكن راضياً عمّا وقع. فذهب الجمهور في اليوم التالي إلى القاضي يطلبون منه التوسط لدى الشريف للتصديق على قرار الوزير بطرد الشيعة. فامتنع الشريف عن تصديق القرار أول الأمر، ثم اضطر أخيراً إلى مجاراة الجمهور درءاً للفتنة العامة. فخرج الشيعة من مكة، حيث ذهب بعضهم إلى الطائف، والبعض الآخر إلى جدة. وعندما هدأت الفتنة تمكن الشريف من القبض على دعاتها، ثم أرسل إلى الشيعة يطلب منهم العودة إلى مكة فعادوا(4).

ومن الجدير بالذكر في هذا الصدد أن تهمة تلويث الكعبة بالنجاسة أثيرت مرة أخرى حديثاً في عام 1942 حيث اتهم بها رجل إيراني اسمه “سيد أبو طالب اليزدي”، وقد صدر الحكم عليه بالإعدام، ونفذ الحكم فيه على مشهد من الناس بين الصفا والمروة. وأحدث إعدامه ضجة كبرى في إيران، وقيل إن الملك عبدالعزيز بن سعود دفع تعويضاً لعائلة الرجل قدره مائة ألف ريال.

المراجع:
(1) أحمد السباعي (المصدر السابق )-ص257.
(2) المصدر السابق-ص258
(3) عبدالملك العصامي (المصدر السابق)-ج4،ص529.
(4) أحمد السباعي (المصدر السابق) – ص296.

قد يعجبك ايضا