حرب اليمن و”عُمان الذكية” حليف في عباءة وسيط

المساء برس – خاص – المحرر السياسي/ في إطار المساعي الإماراتية للمضي قدماً في تنفيذ مشروعها ومخططها في اليمن وتحديداً “جنوبه” والذي يتمثل بالسيطرة على السواحل اليمنية أو بمعنى آخر الإشراف على ممرات التجارة الدولية من ناحية والإبقاء على الموانئ اليمنية وعلى رأسها ميناء عدن ذو الأهمية الجيواستراتيجية لليمن، تحت الوصاية، فإنها – أي الإمارات – تسعى أيضاً إلى تقويض سلطنة عُمان، لتصبح الأخيرة بين فكي كماشة (الإمارات – النفوذ الإماراتي جنوب اليمن “غرب عمان”).

التآمر الإماراتي على تركة “قابوس”

قبل أعوام أدركت الإمارات أنه يتوجب عليها الالتفات نحو عُمان التي يعيش سلطانها “قابوس بن سعيد” آخر أيامه، وفيما لم ينجب سلطان عُمان أبناءً يرثون الحكم بعد وفاته، فستكون محاولة احتواء سلطنة عمان الثانية “الهيمنة عليها” صعبة بالنسبة للإمارات لهذا فقد سعت إلى إيجاد “لوبي” داخل السلطنة يعمل لخدمتها بهدف كسب ولاءات قبلية داخل السلطنة وجهازها الإداري تضمن من خلاله ولاء السلطنة لأبوظبي بعد رحيل “قابوس”، هذا إن لم تكن قد فكرت “الإمارات” في ضم عُمان إليها بحكم أطماعها التوسعية النفوذية في المنطقة.

وللتذكير فالمعلومات السابقة ليست تكهنات بل هي حقائق كُشفت في العام 2011م، ونتذكر حينها ما أعلنه التلفزيون العماني الرسمي لسلطنة عمان عن سقوط شبكة تجسس، قال بالحرف “تابعة لجهاز أمن الدولة التابع لدولة الإمارات العربية المتحدة تستهدف تقويض أمن البلاد”، وفيما بعد سربت السلطات العمانية أن الشبكة تابعة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد شخصياً.

ولهذا لا غرابة في أن ترفض عُمان المشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات لاحقاً في حربهما ضد اليمن، وتبقي نفسها طرفاً محايداً، وهذا هو السبب الحقيقي في موقفها الرافض للحرب على اليمن، وليس كما يعتقد البعض أن تحالفها مع إيران وعلاقاتها الجيدة بها حالت دون المشاركة.

“عدن” مثل “مسقط” والهدف الإماراتي واحد

في اليمن توجد عدن جنوباً وفيها أهم الموانئ اليمنية، هذا الميناء يقع على طريق التجارة الدولي وتمر من جواره ناقلات النفط العملاقة (21) ألف ناقلة وقطعة بحرية سنوياً، ولضرورة توقف هذه الناقلات للتزود بالوقود وإجراءات الصيانة الدورية وتغيير الزيت نظراً لطول المسافة من أوروبا إلى شرق آسيا والعكس، فإن ميناء عدن هو الأنسب والأسهل لاسترخاء هذه الناقلات.

جنوب الجزيرة العربية يوجد ميناءان هامان الأول “ميناء عدن” والثاني “ميناء راشد” في دبي، وبازدياد أهمية ميناء عدن تقل “وربما تنعدم” أهمية ميناء راشد وبقية الموانئ الخليجية، ومن هنا سعت الإمارات إلى إيجاد طريقة لإبقاء ميناء عدن خارج الخدمة حتى تتحول الناقلات بخياراتها إلى موانئ الإمارات “ميناء راشد وميناء جبل علي” وهما أهم ميناءان للإمارات، وحالياً هما من يتكفلان بتقديم الخدمات للناقلات العملاقة التي تمر عبر باب المندب متجهة إلى شرق آسيا وجنوبها والعكس.

ومثلما يشكل ميناء عدن هاجساً للإماراتيين ويهدد بدرجة أساسية “شركة موانئ دبي” في حال استعاد عافيته ونشاطه التجاري والخدماتي لناقلات النفط، تشكل أيضاً موانئ “عُمان” هي الأخرى هاجساً للإمارات لكونها في حال “لا يوجد ميناء يعمل في عدن” فموانئ “عُمان” أقرب لهذه الناقلات من “موانئ دبي”، ذلك لأن التوقف في أحد موانئ “عُمان” أسهل وأقل تكلفة من مشقة عبور مضيق هرمز للوصول إلى موان دبي للتوقف والتزود بالوقود والزيت وغيرها من الخدمات، وبالتالي فإن موانئ عُمان يجب أن لا تنافس موانئ الإمارات بأي حال من الأحوال وهذا ما تخشاه أبوظبي من مسقط وتسعى جاهدة لإيجاد طريقة تضمن من خلالها بقاء موانئ عُمان تحت الوصاية الإماراتية كما هو الحال مع ما تسعى لتحقيقه بالنسبة لموانئ اليمن.

عُمان.. حليف لصنعاء أم وسيط بين “المتحاربين”

تدرك سلطنة عمان ما تسعى إليه الإمارات بشأنها والخطر الذي يتهددها من أبوظبي ومحاولات توسع محمد بن زايد نحو اليمن وسواحله، وتدرك أيضاً أن هذا التوسع سيمر عبرها، إن لم يكن هذا التوسع يستهدف تطويقها كما يرى محللون.

وتفهم عُمان طبيعة التوازنات في المنطقة وتدرك جيداً العمق الجغرافي لليمن ولهذا لم تنجر كما فعلت السعودية والإمارات في الصراع، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية أثبتت المواقف العمانية أنها تتصرف بذكاء.. كيف؟ في الوقت الذي يعتقد فيه البعض أن عمان أرادت أن تنأى بنفسها عن مجريات الأحداث بين اليمن والخليج وتبقي نفسها كوسيط في حال تم اللجوء إلى تسوية سياسية – وهو ما سيحدث فعلاً – أثبتت الأحداث والوقائع أن عُمان فهمت اللعبة الإماراتية فقدمت نفسها كحليف لصنعاء بشكل غير مباشر بينما بقيت في نظر أبوظبي “وسيط”، والسؤال هنا لماذا التحالف مع القوى المسيطرة على صنعاء؟

أولاً: لأن عُمان تدرك العمق الجغرافي والجيوسياسي لليمن وذات دراية بطبيعة الإنسان اليمني الذي لا يقبل أن يخضع لأي طرف وبالتالي فقد أدركت أن المعركة مع اليمن معركة خاسرة.

ثانياً: في صنعاء يحكم حليفان رئيسيان “المؤتمر وأنصار الله” وهنا تدرك عُمان أن أنصار الله تحديداً لا يمكن أن يسلموا لما تسعى لتحقيقه أبوظبي في اليمن ومياهها الإقليمية وبالمثل، عُمان التي لا يمكن أن تقبل في أن تبقى مرتهنة سياسياً واقتصادياً لأبوظبي وبالتالي فإن التحالف مع صنعاء يحول دون تحقيق أبوظبي مخططاتها التوسعية في المنطقة.

ثالثاً: ما يثبت أيضاً أن الدور العماني هو التحالف مع قوى صنعاء أكثر من دورها وسيط في الأزمة هو إدراك عمان أن بقاء اليمن موحداً من ناحية وقوياً من ناحية ثانية يصب في مصلحتها، حيث وليس من مصلحة عمان أن تضعف اليمن وتصفح فريسة سهلة للإمارات وفي حالة كانت اليمن ضعيفة فإن النتيجة في النهاية ستكون “سقوط جنوب اليمن بيد الإمارات” – وليس بالضرورة أن يكون هذا السقوط عسكرياً 100% – وهذا يعني إطباق الخناق على عمان وهو ما تنبهت له السلطنة باكراً.

قد يعجبك ايضا