“مؤتمر حضرموت الجامع” بداية العد التنازلي لإعلان الانفصال

بعد الإعلان عن الموعد النهائي لانعقاد «مؤتمر حضرموت الجامع» في الـ22 من الشهر الجاري، إنطلق سباق التصريحات المحموم بشكل «ماراثوني» بين كبار الشخصيات السياسية والنخب الثقافية ورجال المال والأعمال الحضارم، بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، لتحديد مواقف صريحة من المؤتمر ومخرجاته، لا تخرج عن الحشد له أو مقاطعته والصد عنه. التصريحات التي جاء بعضها «تسويقاً» و«تطميناً» إلى فكرة المؤتمر الذي بدأت صورته تهتز لدى البعض، قابلتها في الجانب الآخر موجة من التصريحات «المشككة» في نجاح أول «كونفرس لمواطني الإقليم»، بقي «قيد الصناعة» منذ العام 1967م.

“بامعلم”

وكان آخر تلك التصريحات حديث مستشار قائد المنطقة العسكرية الثانية، العميد أحمد محمد بامعلم، الذي ادعى فيه حدوث «لقاء سري جمع قيادات بارزة في الحراك الجنوبي بمسؤول رفيع في التحالف العربي، تم خلاله منح الحراك الضوء الأخضر لإعلان الانفصال من حضرموت». وفي سياق تصريحه لوسائل الإعلام، تحدث بامعلم، الذي يُعدّ من أبرز قيادات الحراك الجنوبي في حضرموت، عن وجود «تحركات دبلوماسية في المنطقة بشأن ترتيب أوضاع الدولة الجنوبية القادمة الممتدة من المهرة شرقاً حتى باب المندب غرباً، والتي بدأت تدخل في المرحلة الإنتقالية التي تهيئ لإعلان الإستقلال التام عن اليمن».

وأضاف بامعلم أن «التحالف العربي لن يسمح لأحد باحتلال عدن بعد اليوم، فأعطانا الضوء الأخضر بالعمل لتهيئة الجنوب القادم في ما يخص إصلاح بنيته التحتية قبل إعلان التحرير والاستقلال عن اليمن، والاستفادة من كل المراحل التي مرت به، والاتعاظ من دروس الماضي». وفي ختام حديثه، دعا بامعلم «كافة أبناء حضرموت إلى الوقوف والاصطفاف مع مؤتمر حضرموت الجامع لإنجاحه، كي يتم الإنتقال إلى مرحلة ثانية من مراحل طي صفحة الماضي الأليم».

(بامعلم و«تسويق الوهم»)

وأثارت تصريحات بامعلم ردود فعل ساخرة على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أنها تندرج في سياق الخطابات «المهرجانية» التي لا تجيد سوى «بيع الوهم للناس»، والتسويق لمشاريعها «الشمولية البائدة»، التي من بينها مشروع «المؤتمر الحضرمي الجامع»، الذي لم يتم الكشف عن كُنْهِ «الرؤية السياسية» التي تتضمنها وثائقه وأدبياته، حتى الآن. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى تصريح سابق لبامعلم قبل أشهر، قال فيه إن قيادات الحراك كانت على علم مسبق بقرار «عاصفة الحزم»، في حين أن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ذاته، أكد، في مقابلة صحافية، أنه لم يكن على علم بها.

وفي هذا الصدد، يعتقد الأكاديمي، خالد بلخشر، أن «هناك من يوجه دفة المؤتمر الجامع بخبث، مستغلاً طيبة الناس وحماستهم. فالحذر من تسليم الدفة لغير الكيانات المدنية المتعددة. لا يوجد على الساحة الحضرمية (في السياق الراهن) من له الحق (فرداً أو جماعات) في أن يدعي أنه مرجعية لحضرموت، أياً كان نوعها قبلية، أو دينية، أو سياسية، فالمرجعيات لا يتم إسقاطها من الأعلى، ممن لا شرعية لهم، كما أنها (أي المرجعيات) تؤسس لديكتاتورية فئة ليست مؤهلة للقيادة. وكفانا ما عانيناه من ديكتاتوريات بمسميات مختلفة».

من جهته، يصف الإعلامي، أمجد صبيح، تصريحات بامعلم بـ«الوهمية». وفي منشور له على صفحته في «فيس بوك»، كتب صبيح أنهم «لا زالوا يبيعون الوهم للناس الغلابى. فنفس القيادي الحراكي كان يعلن في كل مهرجان ومليونية ومسيرة بأن النصر قاب قوسين أو أدنى، فما كانت تصريحاته غير وهم. إنهم لم يعقلوا بعد، فكيف ستعطيك الدول الخليجية الضوء الأخضر وأنت حتى الآن لم توحد مجلساً واحداً للحراك الجنوبي في مدينتك!”.

من جانبه، يستغرب الناشط، أبو محمد الهلالي، هذه التصريحات التي يراها متناقضة مع ما يجري في الواقع. وفي تعليق له على صفحته في «فيس بوك»، أشار إلى أن «ما نعرفه أن قوات وقيادات التحالف تعتبر الوحدة اليمنية وحدة مقدسة، كما تعتبر المساس بها إخلالاً بالمواثيق التي دخلت قوات التحالف من خلالها الحرب في اليمن، أي (خيانة عظمى). فكيف تغير موقفها بين عشية وضحاها كما يقول بامعلم… سبحان مغير الأحوال».

“بقشان”

واعتبر مراقبون أن تصريحات بامعلم تأتي رداً على بيان مجموعة من كبار رجال المال والأعمال السعوديين (من أصل حضرمي)، الذين أعلنوا مؤخراً انسحابهم من المشاركة في المؤتمر لأسباب تتعلق بالتزاماتهم كمواطنين سعوديين بالسياسة الخارجية للمملكة، في إشارة ضمنية إلى عدم رضا الرياض و«التحالف» الذي تقوده في اليمن على ما يدور في أروقة «الجامع»، الذي يُتهم بإقصاء الكثيرين من رجالات السعودية في حضرموت، وهو ما أثار مخاوف المملكة من «انسلال» مخرجات المؤتمر من عباءتها العتيقة.

“تدخل سعودي”

وأثار البيان الصادر عن رجال المال والأعمال السعوديين (من أصل حضرمي)، والذي وقعه نيابة عنهم رجل الأعمال المعروف، المهندس عبد الله أحمد بقشان، ردود فعل غاضبة تجاه لغة الخطاب الذي اعتبر «تدخلاً سعودياً سافراً في شؤون حضرموت» التي تتعامل معها الرياض منذ عقود كحديقة خلفية لها. وفي هذا السياق، انتقد الإعلامي، محمد عمودي، «النرجسية» الواردة في خطاب أولئك التجار. وفي منشور له على صفحته في «فيسبوك»، قال العمودي إن «بقشان وأصحابه لديهم انفصام بالشخصية، ففي بداية البيان يقول إنه مواطن سعودي، ونهايته يقول خذوا هذه النقاط بعين الإعتبار وردوا لي خبر. إنها الحماقة التي دفعت بهم إلى السقوط والانهيار». وأضاف العمودي أن «بقشان خارج السرب، فمن يمثل حضرموت هم أبناؤها الذين يعيشون على ترابها، ولا دخل للمتجنسين في تحديد مستقبلنا. فهؤلاء سعوديون، والتدخل في شؤوننا يعتبر خيانة منا لأرضنا أن نجعل السعوديين يديرون حضرموت بالريموت كنترول، فمهما كانت أموالهم وأعمالهم… قولوا لهم يقطعوا المصروف. فعندما دخلت القاعدة لم يبقَ في المكلا إلا الحضارم الوطنيون البسطاء، فحتى أصحاب الإقامات هربوا».

بدوره، يرى الناشط، أبو هاشم الهاشمي، أن البيان الصادر عن رؤوس الأموال السعودية (الحضرمية) يُعدّ «تنصلاً من المشاركة في رسم ملامح مستقبل جديد لحضرموت». وفي منشور له على صفحته في «فيسبوك»، تابع يقول: «هم اعتذروا بحكم أنهم سعوديون أُدرجت أسماؤهم في كشوفات الهيئة التحضيرية العليا للمؤتمر واللجنة الإستشارية، لذا فقد أكدوا في بيانهم أنهم بمعزل عن الشأن السياسي الحضرمي، فقد تنصلوا من المسؤولية بعدم مشاركتهم في صناعة هذه اللحظة التاريخية، في الوقت الذي كانوا يتقدمون فيه الجلسة الإفتتاحية الأولى لمؤتمر الحوار الوطني في صنعاء الذي كان يمنياً فقط».

وفي السياق نفسه، علق الناشط، فيصل باتيس، على البيان الصادر من قبل رجال الأعمال بالقول: «هذا الذي كنا نعتقده دائماً، أن رؤوس الأموال (المتجنسة) لن تكون في قيادة أي حراك سياسي حضرمي، لأنها مرهونة برأي الدول التي تقيم فيها، لذا فإن مستقبل حضرموت وكيفية بناء دورها القادم هو مسؤولية من يعيش فيها». أما الناشط، عامر الدميني، فيعتقد أن «مؤتمر حضرموت الجامع في طريقه للتواري»، بسبب التدخل السعودي والأخطاء التي رافقت عملية التحضير له منذ البداية. وتابع، في تعليق له في صفحته على «فيس بوك»: «ها هي السعودية تتدخل عبر كبار تجار حضرموت كبقشان والعمودي وغيرهم الذين أعلنوا انسحابهم من المؤتمر، لأن السعودية بيدها مفتاح كل مشاكل اليمنيين في الوقت الراهن، سواء على المستوى المناطقي أو المشاريع الصغيرة والقضايا البينية التي تواجه الدولة في اليمن. لذا فإن موقف رجال الأعمال وانسحابهم سيضع القائمين على المؤتمر أمام حجمهم الطبيعي، وهي فرصة لتدارك السلبيات التي رافقت عملية الإعداد للمؤتمر».

وعلى خط مواز، يرى الناشط، جمال بن غانم، أن «سياسة التحالف العربي في اليمن غير واضحة، ولذا لا يمكن الحديث عن بناء مستقبل سياسي بدون التنسيق مع التحالف العربي». وحول إمكانية دعم «التحالف» «استقلال حضرموت»، يعتبر بن غانم أن «الأمور متعلقة بالتنسيق والاقناع والتطمين، ولعل التحالف العربي يقتنع يوماً ما بإقامة (دولة حضرمية)، وهذا يعود إلى قدرة الحضارم في بناء أنفسهم أولاً، وأخذ مصالح الدول المؤثرة في المنطقة بعين الإعتبار ثانياً».

العربي

قد يعجبك ايضا