قراءة من طرف واحد : خارطة ولد الشيخ تحت مجهر صنعاء

عقد (منتدى مقاربات) بمركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني لقاءه الأول، حيث خصص لمناقشة خارطة الطريق التي تقدم بها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد وإحاطته التي قدمها عن اليمن إلى مجلس الأمن الدولي، وقد جاء في ديباجة الخارطة أنها تتضمن “التراتبية والجدول الزمني للفترة الانتقالية، لاتفاقية شاملة تمثل النهج الجديد لحل الصراع في اليمن، وإكمال المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى الانتخابات خلال عام واحد”، ونصت الفقرة (1) من الخارطة على أن ” المبعوث سيتشاور مع الأطراف فوراً للتوصل إلى اتفاق مبدئي يتضمن ترتيبات أمنية وسياسية معا، وذلك لمنح الثقة لجميع الأطراف بأن الاتفاقية ستنفذ، وهذه الخطوات مجتمعة ستشكل اتفاقية كاملة وشاملة، والمواضيع الرئيسية التي يجب الاتفاق بشأنها خلال المشاورات تتضمن:

  • الانسحابات الضرورية من صنعاء، تعز، الحديدة، باعتبار أن صنعاء هي النقطة الحاسمة التي تمكن من تشكيل حكومة جديدة.
  • بعد مشاورات ستسمي الاتفاقية شخصا لتعيينه نائبا للرئيس، يجب أن يتمتع الشخص بدرجة عالية من القبول وأن يكون قادرا على التجاوب مع متطلبات الفترة القادمة.
  • اسم الشخص المتفق عليه الذي سيتم تعيينه رئيسا للوزراء.
  • الشروط والضمانات الداخلية والدولية للامتثال.

وقد شارك في هذا اللقاء نخبة من السياسيين والأكاديميين وعدد من الباحثين، والذين أثروا بمناقشاتهم وملاحظاتهم خارطة الطريق المشار إليها والإحاطة المقدمة لمجلس الأمن، نعرض فيما يلي ما طرح من قبل المشاركين في المنتدى من أراء وملاحظات

 

 المتحدث الرئيسي في اللقاء الأستاذ/ حسن زيد أمين عام حزب الحق:

من خلال العودة إلي الجذور التي أسست لحالة الحرب القائمة، وما سبقها من إرهاصات وخلافات أدت في مجملها إلى الصدام المباشر بين أطراف العملية السياسية في اليمن، نجد أن جوهر الإشكالية أو الأزمة يكمن في غياب الشراكة الحقيقية، ومحاولات إقصاء الآخر، وأن غياب التوافقية والشراكة سيكون هو العامل الأساس في فشل جميع مساعي الحل الممكنة والمقترحة، سواء منها ما هو داخلي، أو ما كان وافداً من الخارج، وبخصوص خارطة ولد الشيخ الأخيرة، فهناك جملة من المآخذ عليها، لعل من أهمها غياب عنصر التوازي بين الحل السياسي والحل الأمني، فعلي سبيل المثال أوردت الخارطة شرطاً لا يمكن أن يُقبل في كل الاحوال والمتمثل بضرورة انسحاب القوات اليمنية لمسافة (30) كم داخل الحدود اليمنية، واعتبار هذه المسافة منطقة منزوعة السلاح، بالإضافة إلى ما قُدم من نص مبهم في مسألة اختيار نائب للرئيس، حيث أوردت الخارطة جملة تنص على أن يكون نائب الرئيس “على قدر عالي من القبول” وهذا معناه أن هادي سيختار النائب، وعلى قاعدة (أن من له حق المنح له حق السحب (المنع)، وبالتالي تتضح هنا النوايا المبيتة للعرقلة والإعاقة، خصوصاً وأن تشكيل الحكومة سيكون خلال الـ 30 يوما التالية، وهي مدة كافية للتنصل من الاتفاقات والنكوص عنها.

كما أن هناك نقطة أخرى غاية في الأهمية، وهي أن الخارطة لم تحدد من هو (الطرف الثالث) الذي ستسلم إليه الأسلحة المتوسطة والثقيلة والصواريخ البالستية، والمرجح أن المقصود بالطرف الثالث، المملكة العربية السعودية ودول التحالف، عدا عن انسحاب الوحدات الأمنية المتواجدة في المدن، وخصوصاً في العاصمة صنعاء والحديدة وتعز، وهو ما يعني تجريد أنصار الله والمؤتمر الشعبي العام من قوتهم ومن الأوراق الدفاعية التي يمتلكونها.       

الملاحظ على البند الحادي عشر من خارطة المبعوث الأممي، أن البند إنما يأتي في سياق محاصرة اليمن عموماً، وحركة أنصار الله خصوصاً، أما البند الثاني عشر والذى نص على “بمساعدة الأمم المتحدة ستبدأ حكومة الوحدة الجديدة، حواراً سياسياً لوضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الانتخابية الجديدة، ومسودة الدستور، وتطوير برنامج العدالة الانتقالية ….الخ” فإنه يفترض وفقا لذلك النص، أنه ليس هناك قوى سياسية أخرى، حيث ستلغي القوى السياسية، والتعددية السياسية، وتحصر بين صالح والحوثي، من جهة وهادي ومجموعة الرياض من جهة أخرى.

والخلاصة فإن هذه الخارطة لا تعدو عن كونها حزمة من الالتزامات التي ستثقل كاهل اليمنيين لصالح السعودية، ولا تمثل خارطة حل، بل فخ أُريد لليمنيين الإقرار به والتوقيع عليه، كحل لحالة الحرب القائمة، وكمخرج لحفظ ماء وجه المعتدين، بالإضافة إلى كونها مبادرة لا يمكن تنفيذها، لافتقادها للمعايير الموضوعية للتنفيذ، وافتقادها للضمانات الكافية، خصوصاً لناحية التزام هادي والأطراف العاملة معه بتنفيذها وامتلاكهم لحق القرار فيها.

   الدكتور/ سامي السياغي، أستاذ العلوم السياسية رئيس مركز الدراسات السياسية بجامعة صنعاء:

 القوى الوطنية قبلت التعاطي مع خارطة ولد الشيخ، واعتبرتها أرضية مناسبة يمكن البناء عليها انطلاقاً من إيمانها بضرورة السلام وحتميته، وبالتالي فإن دور الأمم المتحدة لا يتجاوز تدعيم وتسهيل التواصل بين الأطراف جميعها، من أجل الوصول إلى حالة السلام المنشود، وبحكم الدور المناط بالأمم المتحدة يفترض أن يكون مبعوثها ملتزماً بدوره الوظيفي القائم على الحياد، وهو ما لم يُلمس منه ومن مبادراته السابقة، بالرغم من أن هذه المبادرة من أفضل ما قدمه ولد الشيخ، إلا أنها لا تعدو كونها شروطاً إملائية مرفوضة ومحكوم عليها بالفشل .

 

الأستاذ طه الهمداني عضو اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام:

المبادرة التي تقدم بها ولد الشيخ جيدة، ويمكن البناء عليها، خصوصاً وأنها جاءت بالكثير من النقاط الأمنية التي ستمثل مخرجاً لحالة الاحتقان والصراع الذي تشهده اليمن، مع أهمية تشكيل لجنة استشارية تضم نخبة من الأمنيين لإيجاد رؤية وطنية حول الجانب السياسي والجانب الأمني لناحية الانسحابات والترتيبات الأمنية. المبعوث الأممي أثبت عدم حياديته وتحيزه للموقف السعودي، خصوصاً في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، حيث تبنى الخطاب السعودي في بعض المسائل كموضوع الاستهداف المزعوم لمكة المكرمة بالصواريخ اليمنية، كما أنه تحاشي الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة القاعة الكبرى، مكتفياً بالإشادة بدول التحالف لإنشاء لجنة تقصي حقائق مشتركة.

 

الشيخ حسين حازب عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام:

المعروف دوما أن هادي وفريقه يتنصلون عن الالتزامات والاتفاقات التي يعقدونها مع الأطراف السياسية الأخرى، أما بخصوص الخارطة التي تقدم بها ولد الشيخ، فأنا اعتبرها وثيقة استسلام مُهينة لا يمكن القبول بها، وهي استمرار لمسرحية هزيلة يلعب فيها السعودي دور المخرج، أما الإحاطة التي قدمها لمجلس الأمن فهي ايضاً تأتي في نفس السياق، ويمكن أن تشكل لنا كقوى سياسية وطنية مبرر ومدخل للمطالبة بتغيير ولد الشيخ، كما أننا بحاجة لإعادة النظر في تركيبة الوفد الوطني المفاوض، وإعادة هيكلته تجنباً لوصمه بالوفد الخاص بالحوثيين وصالح، ما يعني خلع صفة الوطنية عنه.

الأستاذ الدكتور/ أحمد عبد الملك حميد الدين المستشار القانوني للمجلس السياسي الأعلى:

 بداية من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة اعتماد خطاب الدولة، عند تناول أي من القضايا الهامة، والابتعاد عن الخطاب الفئوي وضرورة توحيد الخطاب الإعلامي الرسمي، وضرورة التركيز على الجوانب الاقتصادية في تعاملنا مع الأمم المتحدة، وربط الجوانب الاقتصادية مع أي تسوية محتملة، كما يجب الاشارة الي نقطة من الاهمية بمكان وهي ضرورة التخاطب مع الغرب بالقانون فهو الوسيلة الاكثر امكانية لديهم لتفسير الخطوات التي نسعى اليها.

يلاحظ في الخارطة أنه عندما ذكرت جريمة الصالة الكبرى وضعتها في إطار الاتهام، ولم تحكم أنها جريمة قابلة للتحقيق، وعمدت الخارطة إلى تبرير موقف السعودية بالقول بأنها ستحقق فيها، وأنها مخالفة للتقاليد والأعراف اليمنية، وكأنها قضية أخلاقية بينما هي مخالفة للقانون الدولي والقوانين الإنسانية، وهي في الحقيقة جريمة حرب، بينما في بير باشا جزم وحكم فيها بقوله (قصف عنيف) وقال إنها وقعت في مكان سيطرة الحوثيين ولم يطالب فيها بتحقيق وفي ذلك انحياز ومخالفة لطبيعة مهمته كوسيط وجعل من نفسه قاضياً.

ادعى ولد الشيخ في خارطته إلى أنه قد دعى الأطراف إلى الالتزام بوقف الأعمال القتالية بينما هو لم يدع ُإلى وقف الحرب بل هي الجهات الدولية كالرباعية ومجلس الأمن والأمريكيين، ولد الشيخ تعدى مهمته وارتكب خيانة عظمى لعمله ثم حمل الطرفين مسؤولية عدم الالتزام وفي ذلك تضليل مخالف لوظيفته.

تبنيه للاتهام السعودي الكاذب باستهداف مكة “المكرمة” وإصداره حكماً سعودياً، ولو قال منطقة مكة لكان ذلك مقبولاً بالاعتبار الجغرافي، حيث أن مكة تضم الطائف وجدة ومكة. كما أنه استخدم لفظة (تمس مشاعر ما يزيد عن مليار ونصف) وهذه تعتبر جريمة تحريض يترتب عليها مسؤولية جنائية، وفيها إثارة للنعرات وهو ما يخالف طبيعة مهمته كوسيط يقرب وجهات النظر.

تبنيه للموقف الإماراتي من قضية ضرب السفينة الإماراتية والتي قال إنه تم استهدافها وهي تبحر في مضيق باب المندب، وفي القانون الدولي يعتبر المرور البريء في المياه الإقليمية للسفن التجارية فقط، أما السفن الحربية فيجيز القانون الدولي اعتراضها ولو كانت في المياه الدولية طبقاً لمبدأ سيادة الدول، إذا خشيت أن تضرب وتحدد لها مجال بالأميال بحسب مدى السلاح الذي تحمله وتحدد تلك الأميال جواً وبحراً.  فهو وصف وصفاً قانونياً وفيه تحامل، وحكم وهو وسيطٌ بأنه مرور بريء، وقرنها بمزاعم استهداف السفن الأمريكية مع أن الأمريكيين اعترفوا بوجود خطأ في الرادار وفي ذلك تضليل وخروج عن المسؤولية القانونية وتحميل صنعاء المسؤولية عن ذلك.

فيما يتعلق بالجنوب تعامل معهم بمدح يوحي بالشرعية مستخدماً ألفاظاً مثل إن الإرهاب يضرب مؤسسات الدولة، وأن هذه الدولة قامت بواجبها” فهو يقرر أن لديهم دولة ومؤسسات، بينما يتحدث عن الشمال بقوله “سلطات محلية وميليشيات” وفي هذا انحياز وخروج عن الحياد ويعتبر وصفه وصفاً قانونياً، بأن الذي في الجنوب دولة والذي في الشمال عصابة وهي مخالفة للقانون ويترتب على ذلك أن جميع أعمالها مشروعة ضد مخالفيها بينما نحن إذا اعترضنا على الإرهاب فنحن في نظرهم ميليشيات.

فيما يتعلق بالأوضاع الصحية، بعد ذكره لأسفه وألمه لما وصلت إليه في اليمن، إلا أنه قام بتحميل صنعاء مسؤولية ذلك، باعتبارها عاجزة عن تأمين الرعاية الصحية، وكأن المجتمع الدولي يقدم المساعدات، وأن العائق هو فقط السلطة المحلية، وهذا تضليل وصرف للمسؤولية عن التحالف المتسبب بالحصار وقصف المستشفيات والمراكز الصحية، وبنفس الطريقة تعامل مع ذكره لإعادة استئناف الطيران المدني حيث حمًل سلطة صنعاء المسؤولية لعدم تأمينهم للعاملين في المجال الإنساني الذين عجزوا عن أداء مهماتهم وهذا بخلاف الواقع.

في قضية الرواتب أيضاً ذكر أن السبب في تلك الأزمة هو نقل البنك المركزي، وحمل الحوثيين وصالح المسؤولية بتشكيلهم المجلس السياسي الأعلى وقيامهم بتشكيل حكومة (وهذا كذب وتهرب من المسؤولية وتبرئة للمجرم) وكأنه يقرر لهم حق نقل البنك وهو من اختصاص البرلمان الذي يصدر قانوناً بذلك، فنقله باطلٌ لغياب الاختصاص الذي هو من حق مجلس النواب.

في مبادرته ذكر المرجعيات كلها مثل قرار 2216 والمبادرة الخليجية وغيرها، ولم يذكر المرجعية الأهم وهي القانون الداخلي (الدستور)، ومعلوم أن الدستور هو من يعطي الاتفاقيات قيمة وإذا لم تحصل على تصديق القانون الداخلي فلا قيمة لها، وأن القانون الدولي لابد أن يراعى في قواعده أن تكون موافقة للدستور الداخلي وما لم تراع الدستور فهي باطلة وعدم ذكر المبعوث للدستور يعد خروج عنه ومخالفٌ له.

المبعوث في مجمل أعماله وتصرفاته يحمل السلطات في صنعاء المسؤولية كاملة، ولم يذكر السعودية كطرف في العدوان بل أظهرها كوسيط بقوله:(استئناف المشاورات مع الأطراف اليمنية! والكرة الآن في ملعب اليمنيين وغيرها) وهذه مخالفة أيضاً للقانون.

والذي أراه وأنصح به هو ضرورة تعزيز وفدنا الوطني المفاوض بمستشارين قانونيين، فخطاب المجتمع الدولي وقرارات مجلس الأمن والاتفاقيات والمعاهدات لها طابع قانوني، حتى الحرب التي شنت علينا حاولوا تغليفها وإضفاء الطابع القانوني عليها.

 

الأستاذ/ عبد السلام المحطوري رئيس دائرة الدراسات والبحوث بمركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني نائب رئيس تحرير مجلة “مقاربات سياسية”:

 الخارطة المقدمة من ولد الشيخ أشبه ما تكون بوثيقة استسلام، أملى فيها الطرف المعتدي (السعودي الأمريكي) شروط وبنود الاستسلام وعبر المبعوث الأممي، الخارطة يكتنفها الغموض وعدم الوضوح في كثير من بنودها، ومن ذلك ما يتعلق بـ (الطرف الثالث) الذي ستُسلم إليه الأسلحة والصواريخ، والذي أشارت إليه الخارطة دون أن تسميه، والقبول بنص غامض كهذا فيه تعدٍ واضح وإهانة لليمن، حيث أن ذلك قد يفسر لاحقا إذا ما بقي هذا النص أن أسلحة اليمن وصواريخه ستسلم للسعودية وأمريكا، وما يعنيه ذلك من تجريد اليمن من السلاح وهذ غير مقبول بالمطلق وأي طرف سيتسلم السلاح لابد أن يكون طرف محلي يتوافق عليه اليمنيون. أيضا من جوانب الغموض الخطيرة أن الخارطة تحدثت عن التزامات الحكومة القادمة تجاه الجماعات الإرهابية ودون أن تذكر الخارطة هذه الجماعات وتسميها، وذلك يعني مستقبلا احتمال إدراج أنصار الله أو المؤتمر على سبيل المثال كجماعات إرهابية كما تم مع حزب الله، وبالتالي ينبغي التنبه لمثل هذا الأمر والذي قد يستخدم مستقبلا لضرب اليمن واليمنيين وإشعال فتيل الأزمات الداخلية. الخارطة وللأسف تعاملت مع الحالة اليمنية كحالة صراع داخلي بين أطراف محلية، ودون ذكر للعدوان الخارجي الذي تشنه السعودية وحلفاؤها، والحاجة لتسوية الصراع القائم مع السعودية باتفاقية مستقلة ذات طابع دولي، حيث اكتفت الخارطة بذكر التزامات اليمن المستقبلية تجاه السعودية دون أن ترتب الخارطة على السعودية وهي الطرف المعتدي أي التزامات بسبب عدوانها، وفي مقدمة ذلك التعويضات وإعادة الإعمار التي أحالتها الخارطة على مؤتمرات دولية سيُدعى لها المانحين، وهذه واحدة من أخطر الأمور التي تضمنتها الخارطة، إذ يفترض بالمعتدي والذي دمر اليمن أن يقر بعدوانه وأن يتحمل كافة الأضرار من تعويضات وإعادة إعمار، وعلى المفاوض اليمني أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار وألا يقبل بمؤتمرات مانحين لأن المانح ليس ملزما بالوفاء بتعهداته، ولدينا تجربة سيئة مع المانحين، وما لم يلزم الطرف المعتدي بتحمل تبعات عدوانه والقيام بدفع التعويضات وتحمل كلفة الإعمار فإن اليمن ستظل تنزف وتعاني من تبعات ما ألحقه العدوان من دمار وخراب وجراحات لن تندمل.

 

الأستاذ/ عبد الملك العجري رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني عضو المجلس السياسي لأنصار الله:

إن طبيعة الأزمة أو حالة الحرب القائمة هي أزمة مركبة ومتعددة الأطراف والمستويات، سواء في بعدها المحلي أو الإقليمي أو الدولي، فالقضية اليمنية لها أوجه عدة، فهي مشكلة يمنية – يمنية من جهة، ومن جهة أخرى هي مشكلة يمنية – سعودية، كما هي أيضاً مشكلة تجاذب جيو سياسي حاد، يأخذ البعد الإقليمي الجانب الأكبر فيها والحاكم للأزمة، والمتحكم فيها، والمبادرة ماهي إلا تجسيد للرؤية السعودية الأمريكية، وهو ما تحدث به الوزير كيري في سياق حديثة عن أولوية أمن السعودية، وبالتالي فإن البعد الإقليمي والدولي هو الطاغي و الموجه الخفي لبنود المبادرة، بما فيها تلك التي تبدو وكأنها محلية خالصة، فمثلاً إبقاء الشرعية لهادي يرتبط بإضفاء الشرعية للعدوان السعودي والتدخل في الشأن اليمني، في حين أن مغادرة هادي للمشهد السياسي تمثل أبسط مقومات نجاح التسوية السياسية، السعودية والدول المتحالفة معها شنت الحرب لأهداف تخصها وفي نفس الوقت ترفض أن تكون طرفاً في المفاوضات، وتريد تمرير مطالبها عبر الطرف اليمني المتحالف معها، ومن ثم جاءت المبادرة هجيناً بالخلط بينما هو محلي وما هو إقليمي، وبينما هو التزام يؤخذ من القوى السياسية، وما هو التزام يؤخذ من الدول، حتي وإن ادرجت ضمن نفس المبادرة، لكن ماله علاقة بالبعد الاقليمي والدولي يكون التزام متبادل بين الحكومات.

ويتجلى البعد الإقليمي والدولي في أمور مثل الحدود، منظومة الصواريخ، الممرات المائية، محاولة السيطرة والتحكم في الاستراتيجية الأمنية والعسكرية لليمن، كل هذه الأمور ليست ذات علاقة بالصراع اليمني – اليمني، بل بمخاوف وأجندات سعودية أمريكية، وهي بطبيعتها أمور سيادية تخص العلاقات بين الدول، ولا يمكن أن تكون التزام بين طرفي صراع محليين. لا مشكلة أن يكون للسعودية مخاوف، ولا أن يكون لها مطالب تحارب وتفاوض من أجلها، ولكن المفترض أن تفصل المبادرة بينما هو مشكله يمنية – يمنية، وبينما هو مشكلة يمنية – سعودية، وبينما هو التزام يؤخذ على الأطراف المحلية، وبينما هو التزام يؤخذ على الدول.

أما إحاطة ولد الشيخ لمجلس الأمن فتعد أسوأ الإحاطات التي قُدمت للمجلس على الإطلاق، ولكن بالنظر إلى شخصية ولد الشيخ فإن مجرد مساواته بين الأطراف تعد تطوراً لافتاً، لولا أنه أفسده بموضوع استهداف مكة، وتبنيه للخطاب التحريضي السعودي، أما الردود التي تبنتها الدول في الجلسة فكان أبرز ما فيها هو التخلي عن الشرعية المزعومة لهادي بشكل علني، فمندوبة أمريكا طالبت بوقف كامل للعمليات الحربية براً وبحراً وجواً وأشارت إلى أن المبادرة إطار للحل وليست مقترحاً يقبل كله أو يرفض كله، أما المندوب البريطاني فكان أكثر شجاعة ووضوحا حيث أشار لضرورة مغادرة هادي.

ساوت الإحاطة بين موقفنا وموقف مجموعة الرياض من المبادرة وهي مساواة قد لا تكون بريئة، لكن من الأشياء التي تؤخذ علينا أن البيانات الصادرة عن الوفد الوطني عادة لا توصل الرسالة بوضوح، كونها في الغالب مطولات يغيب الجوهري منها في التفاصيل، بالإضافة الي ما تلعبه الترجمة من إضفاء شيء من الغموض في سياق عرض التفاصيل، يبعد الفكرة عن الهدف، يشار هنا إلى أن هناك تحول في المجتمع الدولي وإن كان تحولا ًبسيطاً إلا أنه تحول يجب تشجيعه والعمل على استغلاله والبناء عليه، كما هو الحاصل في التحول ناحية تجاوز القرار 2216.     

 

خاتمة

لا شك أن اليمن يواجه تحديات عديدة، خلقتها حالة العدوان التي فرضت تبعاتها علي  الواقع الانساني، بصورة مخيفة، وخطيرة، الأمر الذي  يتطلب من أبنائه الوقوف بصدق وإخلاص من منطلق مصلحة الوطن، والترفع عن المصالح الذاتية والحزبية، وعدم الانجرار وراء الأجندات و المطامع الاقليمية والدولية، ومساعيها للنيل من وحدة الوطن والإنسان، وتكثيف الجهود الرسمية و الشعبية لخلق حالة من التعاون والتكافل، ومن حسن الحظ أن حكمة اليمانيين تتجلى عند اشتداد أزماتهم، فنحن اليمنيون أحوج ما نكون للحكمة في أيامنا هذه، والاتفاق والتوافق حول نقاط مشتركة، وإيجاد أرضية يُبنى عليها أسس وطنية متينة مُعتمدة علي الشراكة الكاملة والابتعاد عن تخوين الآخر واقصائه، وهو ما لن يتأتى بدون الجلوس إلى طاولة حوار يسبقها نوايا صادقة بإخراج اليمن إلى بر الأمان بعيداً عن وصاية أي طرف إقليمي أو دولي، مع تبنٍ لجميع أطراف العمل السياسي لخطاب الدولة، والابتعاد عن تبني خطاب فئوي وجهوي، كما يجب التنبه أيضاً إلى عدم تكرار الأخطاء فيما يتعلق بالتحالفات بين النخب التقليدية وبعضها بما ينتج في الأخير حالة من تبادل المواقع والمصالح، مع تجاهل لحقوق المواطنين الأساسية.

إن استمرار حالة الانقسام والتشظي التي تعاني منها اليمن، كفيل باستمرار حالة التدخل الاقليمي في الشأن اليمني، واستناد القوي الإقليمية إلى دعم القوي الدولية الفاعلة والباحثة عن مصالحها بشكل أكثر فجاجة، خصوصاً في ظل سيطرة كاملة من قبل هذه القوي الدولية على المشهد الدولي ومؤسسات العمل الأممي.

 

الكاتب:ماجد حسين سراج

مسؤول الدراسات السياسية والاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والاستشارية اليمني

قد يعجبك ايضا