الإعدام الجماعي بالسعودية.. أسبابه وأبعاده
وما يسطرون- إسحاق المساوى- المساء برس|
مهرجانات الإعدام الجماعي التي يقيمها النظام السعودي لمعارضيه هي إحدى تجليات الإرهاب الحقيقي الذي تمارسه أنظمة الاستبداد والطغيان إذ تستخدم القمع المفرط كوسيلة لترهيب المجتمعات وإخضاع الشعوب.
التنفيذ المهرجاني العلني يكشف أن غاية السلطات لا تقتصر على البطش بالمعارضين كإجراء عقابي مباشر ذي تأثير آني، بل تتعداها لاستغلال عقابها للضحايا في صنع حفلة رعب دموية موجهة نحو بقية المواطنين بغرض تعظيم تأثير الخوف في نفوسهم وجعل الضحايا عبرة لكل من يفكر بالتجرؤ على انتقاد سلطتها أو التساؤل عن شرعيتها والاعتراض على فساد أفعالها.
المشاهدة الواقعية للذبح الجماعي تؤدي إلى تعميم الصورة البشعة وتأبيدها في ذاكرة الشهود ما يعني تثبيت أو إطالة مشاعر الصدمة بعد رفع مستوى الفزع وتأثيره النفسي إلى مداه الأقصى، وحتى الأشخاص الذين لم يشاهدوا المنظر بأعينهم سيجدونه مرتسما بكل تفاصيله كصورة ذهنية مكتملة الرعب كلما جرى الحديث عنه بل وكلما خطر ببالهم شيء من حقوقهم المسلوبة.
الإعدام بقطع الرؤوس هو فعل يحرص نظام الحكم السعودي على ممارسته علنا في الساحات العامة، يترافق معه غالبا ممارسات تعليق جثث بعض الضحايا لساعات في أماكن مرتفعة كي يراها أكبر عدد من الناس.
همجية الأسلوب وفظاعة المصير الذي ينتهي إليه الضحايا كجثث ناقصة بلا رؤوس بعد تصفية كل دمائها على الأرض، مع توحش التنفيذ وبشاعة المنظر بما فيه من تحقير للضحية واستلاب لآدميتها إذ تذبح كالحيوانات… كل تلك الهمجية يستثمرها الحاكم المستبد لتكريس صورته في نفوس الجماهير كطاغية ساحق القوة والجبروت في مقابل معارضيه الذين ينكل بهم ويستبيح أجسادهم إذ يظهرهم منكسي الرؤوس أمام سيوف جلاديه دونما حول لهم ولا قوة ولا أمل سوى تمني ميتة سريعة لا يطول فيها عذاب قطع أعناقهم.
بهذا المشهد والدلالات الشعورية المضافة له مع تمثل الناس لمصير الضحايا وخشيتهم من ملاقاة نفس المصير، يسقطون في قناعة هشاشتهم وانعدام قيمتهم مستسلمين لشعور العبثية واللاجدوى إذ لا حصانة ولا فرصة للنجاة سوى بالخضوع العبودي للسفاح والتعلق بمحبته والاحتماء به من بطشه واستجداء رحمته من جبروته.
وهنا تكمن الغاية النهائية التي يجب منع الوصول إليها كونها تعني نجاح الطاغية في تحقيق ما يمكن وصفه بالاحتلال النفسي إذ يغرس صورته المفزعة داخل وجدان أفراد المجتمع لتحل محل كيانهم وصورة الذات التي انسحقت تحت مشاعر الخوف والعجز وانعدام القيمة مع تلاشي أي بادرة للتحدي وخنق كل أمل بالمقاومة والخلاص، وهذا ما سيأتي تفصيله بالحلقة الثانية من المقال.