كيف أعادت صنعاء صياغة التوازنات في المنطقة؟
حلمي الكمالي – وما يسطرون – المساء برس|
صمود صنعاء في وجه الحرب الكونية التي شنتها قوى التحالف السعودي الإماراتي على اليمن، للعام التاسع على التوالي، لم يشكل انتكاسة للمخطط الأمريكي في اليمن وحسب، بل ضربة مدوية أفشلت مشاريع التخريب والتقسيم الاستعمارية الغربية، التي هدفت لتركيع ما تبقى من دول وشعوب خارج العباءة الأمريكية الصهيونية في عموم المنطقة، في وقت أعادت المعادلات الإستراتيجية التي فرضتها قوات صنعاء، صياغة التوازنات السياسية والعسكرية في الإقليم، وهو ما يعكس المستجدات الطارئة والتحالفات الجديدة التي تشهدها المنطقة والإقليم، خلال الآونة الأخيرة.
إذا ما تمعنا في المعطيات القائمة في الملف اليمني، سنجد أن صمود صنعاء، قد تجاوز عتبة أجندات قوى التحالف وفصائلها في الداخل اليمني، وأحتوى “انتفاشتها الكاذبة”، منذ الطلقة الأولى للرد اليمني داخل العمقين السعودي الإماراتي. ولعل زيارة الوفد السعودي الأخيرة إلى صنعاء، ولقاء الرئيس مهدي المشاط وقيادات المجلس السياسي وأنصار الله، دليل واضح لخضوع قوى التحالف؛ ما يعني أن صنعاء قد بدأت عملياً تنفيذ مرحلة طي صفحة التحالف إلى الأبد، في حين لم يتبقى في المشهد سوى بعض التفاصيل لإعلان ذلك رسمياً.
من المعروف والواضح أن الحرب العدوانية على الشعب اليمني، هي حرب أمريكية بريطانية غربية بدرجة رئيسية، وما كان التحالف السعودي الذي أعلن انطلاق عملياته العسكرية من واشنطن، إلا غطاءاً للتحركات الأمريكية الغربية في اليمن، وهو ما يكشف الإمدادات العسكرية الغربية المستمرة لدول التحالف والتي تجاوزت قيمتها 375 مليار دولار بحسب إحصائيات رسمية، إلى جانب الظهور العسكري الأمريكي البريطاني المباشر في السواحل والجزر اليمنية.
الأمريكي الذي أراد من خلال الحرب على اليمن، تمرير أجنداته وعلى رأسها السيطرة على البلد البكر في ثرواته ومقدراته، وإحكام قبضته على طرق الملاحة البحرية الإستراتيجية التي تتمتع بها اليمن، من البحر الأحمر مروراً بمضيق باب المندب إلى البحر الأحمر وجزيرة سقطرى في المحيط الهندي؛ لضمان وجوده في المنطقة، ومواجهة الحضور الصيني الروسي الجديد الذي يهدد الأطماع الأمريكية فيها، والأهم من ذلك القضاء على النظام الثوري الجديد في صنعاء، والذي أطاح بأذرع الهيمنة الصهيو_أمريكية في اليمن، للمرة الأولى منذ عقود.
فشل الولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق أجنداتها في اليمن، مثّل انتكاسة حقيقية للمخطط الأمريكي الشامل الذي أراد تغيير وجه المنطقة بالكامل وتطويعها تحت مشروع الوصاية والهيمنة، ولاحقاً للوجود الأمريكي والغربي في عموم المنطقة، بعد تمكن صنعاء من فضح هذا المخطط أمام العامة، والإطاحة به، عقب نجاح قواتها المسلحة في نسف أحدث التقانة العسكرية الغربية برمتها، ووصول طائراتها وصواريخها البالستية إلى عمق المسرح العسكري الأمريكي في السعودية والإمارات، وضرب مواقعها الحيوية بسهولة متناهية.
بالتالي، فإن تداعيات الفشل الذريع للتحالف في اليمن، قد ارتدت عكسياً على الملعب الأمريكي الصهيوني في المنطقة، وهو ما يفسر تفكك التحالفات الأمريكية مؤخراً، وظهور تحالفات جديدة خارج العباءة الأمريكية، وهذا ما يمكن مشاهدته من الهرولة السعودية إلى الحضن الإيراني، ومساعي دول الخليج لإعادة العلاقات مع سوريا، إلى جانب الكثير من التسويات الطارئة في المنطقة العربية.
علاوة على ذلك، يمكن التأكيد أن الصمود اليمني، قد ساهم بشكل مباشر في تعزيز موقف دول محور المقاومة، ووحدة الساحات في مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي. كما ساهم الحضور اليمني الكبير في دعم القضية الفلسطينية، في إفشال مشروع التطبيع وصفقة القرن. بالتالي فإنه من الطبيعي أن نؤكد بأن تأثيرات الصمود اليمني، قد جعلت الجميع يفر من الحضن الأمريكي، واللحاق بسفينة النجاة في نطاق العالم الجديد الذي يتشكل، تحت تأثير البنادق الوطنية في المنطقة والعالم، وبينها بندقية صنعاء، التي قطعت رأس المشروع الأمريكي الغربي الجديد في المنطقة.