خطر احتلال الجزر اليمنية يعيد إلى الذاكرة قضية الألغام البحرية وصراع الحمدي مع إسرائيل في باب المندب
المساء برس – متابعات
تقرير/ عبدالله بن عامر
في سياق التقرير التالي تقرأون عن “دعوةُ الحمدي لمؤتمر تعز وتحدّي الطيران الصهيوني حظرَ التحليق وانتهاك السيادة اليمنية وقضيةُ الألغام البحرية والمحاولاتُ الأميركية لتدويل الجزر اليمنية، وعلاقة كل ذلك بما يحدث الآن في باب المندب”.
بدأ الشعورُ الرسمي اليمني بحجم الخطر الصهيوني على الجزر في البحر الأَحْمَر ومضيق باب المندب في فترة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي واليوم سارعت دولُ العدوان إلى احْتلَال جزر أرخبيل حنيش لأهميّة موقعها الاستراتيجي المطلّ على ممرات الملاحة.
كانت اليمنُ (الشطر الشمالي) تعيشُ مرحلةَ تحوُّل بدأت بحركة 13يونيو 1974م الذي قادت العقيد إبراهيم الحمدي إلى سُدّة السلطة ليبدأ حركة إصلاحيةً تصحيحية شملت أغلب المجالات.
وقد أَدَّى التواجُدُ العسكري الإسرائيلي جنوب البحر الأَحْمَر وما سبق حرب أكتوبر من محاولات لاحْتلَال جزر يمنية ومن تحَـرّكات لتدويل باب المندب إلى لفت انتباه النظام في صنعاء إلى ضرورة الوقوف أمام هذا الخطر المحدق باليمن وتحديداً جزره في البحر الأَحْمَر، لتبدأ وقتها ترتيباتٌ وإجراءات منها ما يتعلق بالجانب القانوني وأُخْـرَى دبلوماسية، إضَافَة إلى تحَـرّكات تهدف إلى تأكيد السيادة اليمنية على الجزر.
ورغم تواضع الإمكانيات وبساطة الإجراءات المتخذة إلا أنها كانت بدايةً مهمةً في طريق تأكيد الحق اليمني ومواجهة أيَّة أخطار قد تستهدف اليمن ببحره وبره وجوه.
ويؤكد خبراء يمنيون أن التشريعَ القانوني البحري تحديداً بدأ منتصف السبعينيات، فيما تشيرُ بعضُ المصادر إلى تشريع صدر عام 1968م يحدد الميَاه الإقليمية اليمنية ويضع تعريفاتٍ لكافة ما يتعلق بالشؤون البحرية.
وقد استدعت اليمن منتصفَ السبعينيات خبراءَ عرباً في القانون البحري قبل أن تتجه القيادة وقتها إلى التنسيق الدبلوماسي مع الدول العربية فيما يخص التهديدات الإسرائيلية المستمرة.
وكانت لقاءاتُ الرئيس الحمدي مع رئيس الشطر الجنوبي سالم رُبيّع علي ومع بقية القادة العرب تتناوَلُ قضية البحر الأَحْمَر، حيث كان يتم الاكتفاءُ بالإشارة لرفض تواجد أية قوات أجنبية في البحر الأَحْمَر وتحويلها إلى بُحَيرة للسلام.
وعلى ما يبدو أن السلطاتِ كانت تخشى من إقدام إسرائيل على احْتلَال جزر يمنية، الأمر الذي يضع اليمن أمام خيارِ المواجهة والتصادُم دفاعاً عن السيادة الوطنية، في الوقت الذي لا تمتلك فيه الدولة اليمنية أيّة مقومات للمواجهة العسكرية، خَاصَّةً فيما يتعلق بالقوات البحرية.
وقد شهدت تلك الفترة محاولاتٍ لتطوير الجيش والقوات المسلحة من خلال إزاحة القوى المشيخية في 27 إبريل 1975م، إلا أن التدخُّلات السعودية حالت دون تعزيز القدرة التسليحية للجيش في شمال الوطن وأعاقت الكثير من الجهود التي كانت ترمي إلى بناء الدولة.
أمّا في الشطر الجنوبي فقد أَدَّى انضمَام جمهورية اليمن الديمقراطية للمعسكر الشرقي إلى منح الاتّحاد السوفياتي امتيازاتٍ أبرزها التواجد العسكري في جزيرة ميون وفي مناطق ساحلية قريبة من مضيق باب المندب وتشرف على خليج عدن.
لتصبح منطقة جنوب البحر الأَحْمَر وخليج عدن تحت هيمنة القوى الكبرى، حيث تتواجد فرنسا في قاعدة عسكرية بجيبوتي، وهناك تواجد شبه مستمر للبوارج الحربية الأميركية التابعة للأسطولِ السابع ناهيك عن الحضور الإسرائيلي المكثف جنوب غرب البحر الأَحْمَر بالشراكة مع دول غربية.
مؤتمر تعز:
بدعوة من صنعاء عقد في تعز لقاء ضم عدداً من رؤساءِ الدول المطلة على البحر الأَحْمَر، حيث استجابت بعضُ الدول للدعوة اليمنية وأُخْـرَى تحفّظت وكان من أبرز المشاركين (شطرا اليمن – الصومال – السودان) فيما غابت عن اللقاء كلٌّ من مصر والسعودية وأثيوبيا.
وقد خُصّصت القمة لمناقشة مستجدات الأوضاع في البحر الأَحْمَر، وتبنت الدعوة إلى تحييد البحر الأَحْمَر أَوْ بالأصح الإبقاء عليه خارج الصراعات بين القوى الكبرى ورفض تواجُد قوات أجنبية عليه والحفاظ على حركة الملاحة وجعله بحيرةً للسلم.
ورغم أن اللقاء لم يخرُجْ بما يستدعي غضبَ أية دولة في المنطقة أَوْ في العالم، إلا أن قراءة الأحداث بعد عقد اللقاء يؤكد ارتباطها باللقاء.
ورغم شُحّة المصادر في هذا الجانب إلا أن وقتَ انعقادِ المؤتمر والفترة اللاحقة له شهدت توتراً في العلاقة بين اليمن والسعودية انتهت بانقلاب 11 أكتوبر 1977م، ناهيك عن تكثيف الكيان الصهيوني لنشاطه ليصبح أكثر استفزازاً لليمن الشمالي الذي كان يسعى للمزيد من التحرّر من الوصاية والهيمنة السعودية، محاولاً ربط شبكة من العلاقات الدولية والعمل في ظل التناقُضات الإقليمية بما يخدُمُ التوجُّه نحو المزيد من البناء والتعمير، بل والشروع في خطوات كانت تمثّلُ خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوُزُها وعلى رأسها التقارب مع الشطر الجنوبي.
وأمامَ تعاظُم الشعور السعودي بأن إبراهيم الحمدي بدأ يخرُجُ عن المسار المحدد له ويتجاوز المسموح له سعودياً، سواءً فيما يتعلق بالسياسات الداخلية كتعزيز قوة الجيش ومحاربة القوَى الموالية للرياض أَوْ الخارجية كالتقارب مع عدن واتخاذ مواقفَ بعيدة عن توجيهات الرياض حينها كان النظام السعودي قد قرّر التخلُّص من الرجل والإطاحة به، حيث أوكلت المهمة لضباط مقرَّبين من الحمدي تولوا تنفيذ عملية الاغتيال بعد ظهر الثلاثاء 11من أكتوبر 1977م في عملية وُصفت بأنها من أقذرِ عمليات الاغتيال السياسي في التأريخ الحديث.
وكانت مصر قد دعت قبل شهر واحد من انعقاد مؤتمر تعز إلى لقاء تشاوري للدول المطلة على البحر الأَحْمَر في القاهرة أكد على ضرورة الحفاظ على البحر الأَحْمَر ورفض التواجد العسكري الأجنبي.
“إسرائيلُ” تنتهكُ السيادة اليمنية:
بعد سنوات من تسجيل أول احْتلَال إسرائيلي لجزر يمنية قبل حرب أكتوبر 1973م عانت اليمنُ من اعْتدَاءات إسرائيلية مستمرة شهدها عاما 1977م و1978م والمتمثلة في انتهاكِ الأجواء اليمنية، حيث رُصدت طلعاتٌ جوية لطيران حربي إسرائيلي فوق الميَاه الإقليمية اليمنية بل والسواحل الغربية.
الاعْتدَاءات الإسرائيلية دفعت اليمن إلى تقديم شكاوى احتجَاجية للأمم المتحدة.
وقد ألقت الاعْتدَاءاتُ الإسرائيلية بظلالها على تحَـرُّكات السلطات في صنعاء بالحرص على إبلاغ الدول العربية بتطوُّرات الموقف، وكانت نتائجُ لقاءات الرئيس أحمد الغشمي وخلفه الرئيس علي عبدالله صالح مع قادة الدول العربية تتطرق إلى مستجدات الوضع بجنوب البحر الأَحْمَر.
وتفيد مصادر التأريخية أن اليمنَ قررت حظر التحليق الجوي للطيران الحربي فوق باب المندب وذلك في العام 1976م، وقد أثيرت قضية تحليق الطائرات المدنية والحربية فوق مضيق باب المندَب ضمن نقاشات طويلة للعديد من الدول، حيث كان الجانب اليمني يُصِرُّ على حقه في منع تحليق الطيران الحربي منطقة باب المندب، وكذلك مرور السفن الحربية والعاملة بالطاقة النووية واشترطتِ اليمن أن يكون مرور تلك السفن بإذن مسبق من السلطات اليمنية.
وقاد ساد الخلافُ بين الدول حول تعريف مرور السفن في المضايق منها باب المندب، وكانت اليمن تؤيد الرأي المتمسك بأن يكون مرورُ السفن مروراً عابراً، أي أن تجتاز السفينة منطقة المضيق دون توقف فيما كانت الدولُ الكبرى تطرق أن يكونَ المرورُ مروراً حراً، وهو ما يعطي للسفن حق التوقف في منطقة المضيق.
ألغامٌ بحريةٌ في الممرات الدولية:
إزدادت أهميّة البحر الأَحْمَر أثناء الحرب العراقية الإيرانية، حيث اتجهت دول الخليج ومنها العراق والسعودية إلى تصدير نفطها من خلال مد أنابيب إلى سواحل البحر الأَحْمَر.
وقد يكون الهدفُ من وراء زرع إلغام بحرية في الممرات الدولية التشكيك في قدرة اليمن، وذلك في توفير الحماية والخدمات التسهيلية والإرشادية ومهام الإنقاذِ للسفن المارة، وقد يؤدي تعزيز ذلك إلى إيجاد المبررات للتواجُد العسكري الأجنبي في الجزر اليمنية، سيما تلك الجزر المشرفة على الممرات، فقد كانت حجج بعض الدول والقوى الكبرى لاستمرار تواجدها العسكري في منطقة جنوب البحر الأَحْمَر هو إدارة الفنارات الإرشادية في الجزر اليمنية وتسهيل حركة الملاحة وحمايتها.
احْتلَالُ جُزُر حنيش
أدى انهيارُ الاتّحاد السوفياتي 1991م وما ترافق مع ذلك الحدث من متغيرات دولية كحرب الخليج الثانية إلى تشكُّل نظام عالمي جديد أَوْ ما يسمى بالقطب الواحد، حيث أصبحت واشنطن هي القوى العظمى في العالم ومعها الدولُ الغربية الحليفة كبريطانيا وبالتأكيد إسرائيل.
وقد تمكنت اليمن بصعوبة من تجاوز أزمة حرب صيف 1994م لتخرج من تلك الحرب منهكه اقْتصَادياً وعسكرياً مع استمرار حالة الانقسام السياسي وتفشّي الفساد المالي والإداري وغياب الإرادة الحقيقية للإصلاح والتطوير والنهضة الشاملة.
وبينما كانت صنعاءُ تحاولُ لملمة بعض تداعيات الحرب دون وجود استراتيجية شاملة لتحقيق الشراكة وجمع مختلف الفرقاء حول مشروع وطني جامع بما يعمل على تقوية تماسك الجبهة الداخلية وحلحلة آثار دوامات العنف والصراع، كانت المؤامرات لا تزال تحيطُ بالبلد من كُلّ حدب وصوب سيما مع اضطراب العلاقة مع دول الجوار كالمملكة السعودية على ضوء الموقف اليمني من حرب الخليج الثانية وكذلك بروز قضية الحدود من جديد والتحديات السياسية التي تعصف بالمنطقة برمتها وكان أبرزها الانقسام العربي والتدخل الأجنبي سياسياً وعسكرياً.
وبما أن الدولة اليمنية لم تدرك بعد أنها دولة بحرية بامتياز ظلت مرهونة لصراعات الساسة وما ينتج عنها من تحديات اقْتصَادية ومعيشية وأوضاع عامة فلم يكن لديها أية استراتيجية واضحة لتطوير القوات البحرية أَوْ على الأقل استغلال الموقع الحيوي واستثمار الثروة البحرية الهائلة في البحرين العربي والأَحْمَر، الأمرُ الذي سيؤدي إلى القضاء تماماً على البطالة وتقوية الاقْتصَاد ورفع مستوى معيشة المواطنين وتحسين أداء الدولة بأجهزتها المختلفة.
ناهيك من أن السلطات اليمنية لم تكن تدرك بعدُ مخاطرَ التواجد الأجنبي في البحر الأَحْمَر ولم تستوعب بعد تداعيات النفوذ الإسرائيلي في المجال الحيوي لليمن وتحديداً في بلدان شرق أفريقيا.
ولهذا كان احْتلَالُ جزيرة حنيش مفاجئاً وصادماً للسلطة وللنخبة السياسية وللرأي العام أكدت الشواهد أن مدى الاهتمَام بالجزر اليمنية رغم أهميتها لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب.
وتُخفي أزمةُ جزيرة حنيش تفاصيلَ مهمةً، من أبرزها أن الجانب اليمني تلقى تهديداتٍ من قبل الجانب الإرتيري، وذلك في لقاءات عُقدت بين الطرفَين قبل احْتلَال الجزيرة، حيث حاولت اليمن احتواء الخلافات بالطرق السلمية فابتعثت وزير الخارجية عبدالكريم الإرياني ووفداً مرافقاً له إلى أسمرة، مُبدياً استعدَاده لاحتواء الخلافات حول الحدود البحرية أَوْ إتباع طرق التحكيم الدولي.
وبحسب ما يذكره كتابُ “جزيرة حنيش وأبعاد العدوان الإرتيري” فإن السفير اليمني في أسمرة وصف اللقاءات مع الجانب الإرتيري بالقول: كنا نصدم عندما نلتقي بالجانب الإرتيري في لجنة المفاوضات فهم لا يملكون حديثاً عن الأزمة ولا عن وسائل حلها وإنما يملكون لغةَ التهديد المبطن ولغة الرفض للحوار وكانوا متسرعين جداً يختصرون الاجْتمَاعات إلى خمس أَوْ عشر دقائق.
ومن حديث السفير اليمني يتأكد للجميع أن دولةَ إرتيريا لم تكن إلا أداة بيد القوى الأجنبية وتحديداً إسرائيل، وهو ما سيتأكَّدُ للجميع لاحقاً.
وما يمكن إضافته هنا أن الدولة اليمنية بعد الوحدة أثارت مخاوفَ الدول المجاورة، وعلى رأسها السعودية التي كانت تخشى من وجود دولة قوية في اليمنِ وبناء جيش متماسك واستكشاف الثروة النفطية، وما زاد من تخوف الرياض مجموعة من الدراسَات والكتابات لخبراءَ من جنسيات مختلفة تحدثوا عن اسْتعَادَة اليمن لحضوره في المنطقة، وأشادوا من التجربة الديمقراطية التي تعتبر هي الأولى في الجَزيرة العربية، وقد أَدَّى توتر العلاقة مع السعودية عقب حرب الخليج الثانية وأثناء وبعد أزمة حرب صيف 1994م إلى حدوث مناوشات في الحدود وصلت حد المواجهات العسكرية المحتدمة وتهديد السعودية لليمن باستخدام القوة العسكرية لمنع أية استكشافات نفطية في مناطق تقول السعودية إنها حدودية ومتنازَعٌ عليها رغم أنها داخل الأراضي اليمنية.
كُلّ ذلك أَدَّى إلى ظهور آراء لدى النظام السياسي في صنعاء وطيف من المتابعين والمهتمين تؤكد ضلوعَ النظام السعودي في قضية احْتلَال جزر حنيش؛ وذلك بهدف الضغط على نظام صالح لتقديم تنازُلات كبيرة فيما يتعلق بملف الحدود، وكذلك إرباك المشهد العام في اليمن حتى لا تلتفتَ الدولة اليمنية إلى إعادة بناء القوات المسلحة.
تفاصيلُ الاحْتلَال:
تفاجَأ الجميعُ بقيام قطع بحرية عسكرية إرتيرية بالهُجوم على الحامية العسكرية اليمنية في جزيرة حنيش مساء الجمعة 15ديسمبر كانون الأول 1995م، ما أَدَّى إلى استشهادِ 3 جنود واحْتلَال الجزيرة من قبل إرتيريا.
وقد سبق الاحْتلَال بأيام محاولاتٌ من قبل زوارق بحرية إرتيرية في التعرض للحامية اليمنية ومطالبتها سُرعة مغادرة الجزيرة ووجّهت إنذاراً للحامية اليمنية في 11نوفمبر 1995م والمواطنين بمغادرة الجزيرة وإيقاف عمل إحدى الشركات، إلا أن الجانب اليمني لم يعر تلك الأحداث أي اهتمَام واكتفى بالتواصل دبلوماسياً مع السلطات الإرتيرية التي كانت مشغولةً وقتها بتوطيد علاقتها مع الكيان الصهيوني وجلب الشركات الأميركية للتنقيب على النفط في البحر الأَحْمَر بما فيها جزر حنيش اليمنية، كما توضح الخرائط المنشورة قبل الاحْتلَال.
إتخذت اليمن خطواتٍ دبلوماسيةً للتعامل مع الاحْتلَال الإرتيري، حيث كثفت من التواصل مع العواصم العربية وحشدت لإدانة العدوان على الجزيرة وبالفعل صدرت بياناتٌ عن الجامعة العربية وأُخْـرَى عن دول إعلان دمشق، إضَافَة إلى إدانات من دول عربية وإسلامية، الأمر الذي دفع عدة دول للتوسط، حيث استقبلت صنعاء رئيسَ الوزراء الأثيوبي زيناوي الذي حمل وساطةً أثيوبية لحل الخلاف، غير أن الوساطة الأثيوبية لم تكن تتضمن أية إدانة للعدوان الإرتيري ولم تعترف بحق اليمن في الجزيرة، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين طالبت اليمن بالانسحاب من جزر أُخْـرَى ضمن الأرخبيل بالتزامن مع انسحاب إرتيريا من حنيش، وهو ما يعني في نهاية المطاف إفساح المجال للتدخل الأجنبي أَوْ وضع قوات دولية في الجزر حتى انتهاء النزاع.
كانت الوساطة الأثيوبية تندرج ضمن مُخَطّط نزع السيادة اليمنية على الجزر المهمة والاستراتيجية في البحر الأَحْمَر، وهو ما تنبهت له اليمن وقتها، إذ تعاطت مع المبادرة بذكاء، فلم تقبلها أَوْ ترفضها، غير أنها تركت لفاعلين إقليميين آخرين التدخل، فكانت الوساطة المصرية والتي تزامنت مع تدخل فرنسي لحل الخلاف بين البلدين.
واشنطن وتل أبيب:
رفضت الولايات المتحدة الأميركية إدانة العدوان الإرتيري على الجزر اليمنية، وتطور الموقف الأميركي من البرود واللامبالاة في التطرق للقضية إلى مطالبة اليمن ضمنياً بالانسحاب من جزيرة زقر حتى يتم حل الخلاف مع إرتيريا, كُلّ ذلك قبل أن تؤيد واشنطن وعن طريق المتحدث باسم خارجيتها نهاية يناير1996م المبادرة الفرنسية.
أما الموقف الإسرائيلي فلم يصدر عن تل أبيب أي موقف، غير أن التحَـرُّكات العسكرية ليس الإسرائيلية فحسب، بل والأميركية في منطقة جنوب البحر الأَحْمَر، تشير إلى تورُّط إسرائيلي بل وأميركي، فقد تحدثت الصحف اليمنية في إبريل 1996م عن مناوراتٍ عسكرية أميركية إرتيرية، الأمر الذي دفع السفارة الأميركية بصنعاء إلى نفْيِ تلك الأنباء.
يُذكَرُ أن الرئيسَ الإرتيري سياسي أفورقي قام بزيارة إلى إسرائيل عقب احْتلَالِ الجزيرة، ومن نتائجِ تلك الزيارة عقدُ صفقة شراء أسلحة من الكيان الصهيوني وتزويد الجيش الإرتيري بمروحيات وقطع عسكرية مختلفة، إضَافَة إلى تدريب ما لا يقل عن 4 آلاف جندي.
وبدأت وسائل إعلام عربية ومراكز دراسات بتسليط الضوء على العلاقة بين النظام الإرتيري وإسرائيل، ما يؤكد تورط إسرائيل في احْتلَال الجزيرة اليمنية، وقد قوبلت تلك التناولات بنفي أسمرة.
وقبل احْتلَال الجزيرة بأسابيعَ قامت بعثةٌ تابعة للجامعة العربية مكونة من خبراء مصريين بزيارة منطقة جنوب البحر الأَحْمَر، حيث عادت إلى القاهرة بتقرير يحذّر من مخاطر التحَـرّكات الإسرائيلية في تلك المنطقة، غير أن القاهرة لم تعلن ذلك، حيث حرصت على أن تكون وسيطاً بين اليمن وإرتيريا، وهو ما دفعها إلى تحاشي التطرُّق أَوْ إعلان تورط إسرائيل في القضية.
غير أن القاهرة وعبر مصدر دبلوماسي أدلى بتصريحات صحافية نشرتها الوسط تتحدّث عن التواجد العسكري الصهيوني جنوب البحر الأَحْمَر واصفاً إياها بمحاولة إيجاد موطئ قدم لها في المدخل الجنوبي للبحر الأَحْمَر وتحديداً في جزيرة دهلك لمراقبة حركة الملاحة.
ويشير التقريرُ الصادرُ عن اللجنة التابعة للجامعة العربية في نوفمبر 1995م إلى وجود اتّصَالات إسرائيلية إرتيرية حول جزيرة حنيش اليمنية؛ بهدف إنشاء محطة مراقبة لاسلكية في جزيرة حنيش الكبرى؛ وذلك لمراقبة حركة السفن في الممرات الدولية القريبة من مضيق باب المندب.
يُذكر أن الاهتمَامَ الأميركي بإرتيريا تضاعَفَ عقب اسْتقلَالها من أثيوبيا، حيث قام نائبُ رئيس القيادة المركزية للبحرية الأميركية الأدميرال دغولاس دي كانز بمعية عشرة من كبار الضباط في البحرية الأميركية، وذلك بزيارة ميناء مصوَع والقيام بجولة في المنشآت بالجزر الإرتيرية وأبرزها في جزيرة دهلك حسب صحيفة إرتيريا الحكومية في أغسطس من العام 1993م.
وقام الرئيسُ الإرتيري بزيارتَين لواشنطن في عام 1994م، وقبل احْتلَال جزيرة حنيش وتحديداً في 27/ 5/ 1995م قامت القيادةُ المَركزية للبحرية الأميركية باستضافة أفورقي على حاملة الطائرات تيودوروزفلت، حسب المستقلة اللندنية، فيما ذكرت مجلة وول ستريت الأميركية أن واشنطن وقّعت اتّفَاقاً مع أسمرة بعد زيارة أفورقي يقضي بتركيب رادار حديث يقوم بتغطية المنطقة بأكملها حتى إيران.
وحول العلاقة مع إسرائيل كان الرئيس الإرتيري قد قام بزيارتين إلى الكيان الصهيوني عام 1993م، منها زيارة لتلقي العلاج، حيث التقى خلالها برئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين الذي تعهّد بدوره بتقديم الدعم لإرتيريا الذي ستشكّل نموذجاً في المنطقة، إذ تتعلم كُلّ ما يمكنها من إسرائيل.
وكانت الحكومةُ الإسرائيلية قد أكدت على أنها تعلّقُ أهميّة كبرى على علاقتها مع إرتيريا ذات الموقع الاستراتيجي الذي يضمنُ اتّصَالات إسرائيل البحرية والجوية مع كُلٍّ من أفريقيا والشرق الأقصى، كما نشرت ذلك الثورة اليمنية 8 فبراير 1996م.
وكان العميدُ بحري هنري لابروس قد تحدث عن مصلحة إسرائيل في السيطرة على حنيش الاستراتيجية، وذلك في مقال نشرته مجلة الدفاع الوطني بالقول: إن إسرائيل ومن الناحية العملية أقامت سياسة الحضور في البحر الأَحْمَر قبل كُلّ شيء على علاقات جيدة مع أثيوبيا، القوة الوحيدة غير الإسلامية في البحر الأَحْمَر، ومع إرتيريا من بعدُ؛ كون إرتيريا بلداً صديقاً ويحتل موقعاً استراتيجياً من الدرجة الأولى، وَيشكل فيه المسيحيون 50%، حسب ما نقلته صحيفة يمن تايمز 25 ديسمبر 1995م.
تضامُنُ دول عربية مع اليمن:
عقب احْتلَال الجزيرة صدر بلاغٌ عن الحكومة اليمنية، واستدعي السفير الإرتيري في صنعاء وتم إبلاغه احتجَاجَ الحكومة على العدوان الإرتيري وتحميل إرتيريا كافة التبعات والعواقب.
وقد ساد الاعْتقَاد بأن إسرائيل وراء العمل الإرتيري؛ بهدف توسيع نفوذها في البحر الأَحْمَر وإخضاع مدخله الجنوبي لسيطرتها؛ ولذلك طالبت سورية ومصر بخَاصَّة اتخاذ إجراءات لدعم الموقف اليمني حسب الباحث الغربي توماس كوتسينوفسكي.
وتشير دراسات وبحوث إلى أن تضامن بعض الدول مع اليمن جاء نتيجة وقوف إسرائيل وراء احْتلَال حنيش.
العدوانُ والمسارعةُ إلى احْتلَال أرخبيل حنيش:
سارعت دولُ العدوان السعودي الأميركي إلى التواجد العسكري في الجزر اليمنية، وعلى رأس تلك الجزر أرخبيل حنيش؛ لما لجزر الأرخبيل من أهميّة استراتيجية كبيرة في الإشراف على ممرات الملاحة الدولية ومنها جزيرة زقر.
حيث تتواجد في هذه الجزر قواتٌ من جنسيات مختلفة في وقت تحدثت فيه أنباء عن تورُّط أتباع الرياض في السماح للقوات الأجنبية في التواجد بجزر يمنية مختلفة منها ما تم تداولُه إعلامياً كالتواجد الإماراتي في سقطرى والذي يأتي بالتنسيق مع الجانب الأميركي، والأمر ذاته في جزيرة ميون الذي تحاولُ السعودية وضعها تحت سيطرتها فيما التواجد بجزر البحر الأَحْمَر وخَاصَّة أرخبيل حنيش لقوات إماراتية ويمنية موالية للعدوان والمهم هنا أن إدارة تلك الجزر قد أوكلت لدول العدوان.
صدى المسيرة