التناقضات في سياسات الحرية والديمقراطية في أمريكا ودول الغرب: رؤية نقدية

وما يسطرون – محمد بن عامر – المساء برس|

منذ أن أصبحت أمريكا وبعض الدول الغربية دولاً عظمى، بدأت في تبني مبادئ وقواعد وقوانين ترسم بها حدود العلاقات الدولية والقوى العالمية، وهيئات ومؤسسات تتحكم بمفاصل الحياة البشرية من نواحٍ متنوعة مثل الاقتصاد، الاجتماع، العسكرية، القضائية، والسياسية. بذلك، باتت تصور نفسها رائدة للسلام والحرية والديمقراطية، وأيقونة للإنسانية ونصيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك حق التعبير والمعتقد، وحقوق الطفل والمرأة.

فهل حقًا تتبنى أمريكا ودول الغرب هذه المبادئ وتمثلها بجدارة؟ أم أن هناك تناقضات وازدواجية في التعامل مع هذه القضايا؟

قدسية مقام النبوة والرسالة تُستهدف أمريكيًا – صهيونيًا – غربيًا.. حرقٌ للقرآن واستهزاءٌ بالنبي الأكرم.. إساءاتٌ لا تكاد تنتهي من ثلاثي الكفر العنصري في سلسلة شرسة من الهجمات على الإسلام والمسلمين يُستفز بها مشاعر ملايين المسلمين حول العالم.

في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية وفلسطين المحتلة صهيونيًا، تتكرر الإساءة للمقدسات الإسلامية بأشكال متعددة، فلا يقتصر الأمر على الانتقاص من الإسلام ذاته، أو حرق القرآن الكريم وتمزيقه، أو الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، بل تطال الإساءاتُ بعضَ شعائر المسلمين، كالحجاب والصيام، في عنصرية مقيتة.

تتعدد مصادر الإساءة وتتنوع، في تناغم مقصود يُظهره التتابع في الهجمات من جهات متعددة، دول ومنظمات وأفراد. فمرة تأتيك من فرنسا ومرة من السويد أو الدنمارك. من جانبها، الشخصيات الإعلامية المأجورة والأقلام المهاجرة التي حرصت دول ثلاثي الكفر على العناية بها، تسلط سهامها السامة على الإسلام وأهله، في سبيل الثروة والشهرة، الذين فتنت قلوبهم عن دينهم، أو أولئك الذين فتنوا بالردة، فافتتنوا بالإساءة للإسلام وأهله، فيظلون يتصيدون الزلات، ويستغلون حماسة بعض المسلمين لإثارة الفتن والتأجيج.

وهكذا تتوالى الإساءات في استفزاز مقصود للمسلمين في كل مكان. ولا يكاد يمر شهر إلا وتظهر دول ثلاثي الكفر وجهها القبيح، لتخرج لنا مسؤول منها، رئيس أو بابا أو وزير، بتصريحات مستفزة، تُحرض صراحة على الإسلام، وتُحرض على كراهية أهله، وتُحملهم مسؤولية الإرهاب التي ابتدعته بنفسها وابتكرت له أساليب وممارسات بجميع أشكالها ومظاهرها!

في فرنسا، التي تحتفل بأعيادها المسيحية وتسمي شوارعها بأسماء قديساتها، دون أن يتعارض ذلك مع علمانية الدولة المزعومة، حرمت الطالبات المسلمات من حق التعليم، لأنهن يرتدين الحجاب! وفي ألمانيا، كرمت المستشارة أنجيلا ميركل الرسام المسيء للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، كيرت فيسترغارد، بجائزة حرية الصحافة!

وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة من أين نبدأ وأين ننتهي؟ الواقع هناك حكاية موت وسفك دماء ودمار وتهجير وجوع وألم، لا يسلم من يد الآلة الصهيونية الغاشمة، بشراً أو حجارة، مساجد أو مدارس، حدائق أو مقدسات، وفي الوقت ذاته نجد الكيان النازي يصور نفسه على إنه الضحية! ويا للمفارقة! فإسرائيل، التي أضحت المحتل الغاشم، تزعم أنها الضحية التي عانت من الظلم والاضطهاد، وهي الآن نصيرة المظلومين والمضطهدين! إنها لمفارقة مضحكة مبكية من أن نرى الظالم يتباكى، وأن نشهد تشويهًا للحقائق بهذا الشكل الفاضح.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر مختلف قليلاً، فالعلاقة هناك أشد تعقيدا، فالدعم الأمريكي لكيان الاحتلال الإسرائيلي لا حدود له، والمسيحية الصهيونية هناك قوية ونافذة، والرئيس الأمريكي جو بايدن، لا يفتأ يُكرر في أكثر من مناسبة تعهده بالدفاع عن الكيان، بل ويُرسل رسائل واضحة بأنه يدافع عنه قبل أي شيء آخر. وبالفعل تُرسل فيه الإدارة الأمريكية الآلاف من القوات الأمريكية للحفاظ على أمن كيان الاحتلال، وتدعمه بكل ما يلزم لمواصلة حربه الضارية على غزة، وتطلب من الكونغرس مليارات الدولارات لصالح الصهاينة، في حزمة مساعدات عسكرية هي الأكبر في تاريخ البشرية!

هذا الدعم الأمريكي الغربي المطلق هو سبب في وضع وصِفَ بالأكثر من كارثي في قطاع غزة، وتضامنًا مع الشعب الفلسطيني المضطهد، الشعوب الأوروبية خرجت عن بكرة أبيها، منددة بما يحصل في القطاع من جرائم ضد الإنسانية، مُطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي، لكنها قوبلت بالقمع والسجن، في تناغم واضح مع كيان الاحتلال، الذي يواجه متظاهريه من المستوطنين الذين يحتجون ضد سياسة حكومة نتنياهو ويطالبون بعقد صفقة للأسرى بالقمع والرصاص!

وبالمثل واجهت تظاهرات الطلاب في الجامعات الأمريكية، والتي لم تطالب إلا بوقف إطلاق النار على الأبرياء، عمليات قمع شديدة، ليؤكد لنا أن حرية التعبير في أمريكا لا تتجاوز ما يتوافق مع سياستها وتنسجم مع أجندة اللوبي الصهيوني المتنفذ في واشنطن.

ولا يمكن فهم هذا القمع الأمريكي للاحتجاجات منفصلاً عن النفوذ الطاغي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، والذي بات يحكم قبضته على مقاليد الحكم هناك، ويتحكم في صنع القرار الأمريكي، لا سيما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات مع إسرائيل. وفقاً لخبراء في الشأن الأمريكي، فإن لللوبي الصهيوني تأثيراً كبيراً على صانعي القرار في واشنطن لكونه ينشط منذ عقود مستهدفًا تشكيل الوعي الأمريكي والجماعات الضاغطة لتوجيه السياسة الأمريكية بما يخدم المصالح الصهيونية، ومن أبرز أنشطته التأثير على الرأي العام الأمريكي من خلال تشويه الحقائق وتصوير الكيان كضحية وسط جيران معاديين، وتحريض الأمريكيين على تأييد العدوان المدمر على غزة.

إن استمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة يعكس فشل المجتمع الدولي والأمم المتحدة في حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة في المنطقة، إذ تبرز الأحداث الحالية كيف تتناقض مع مواقف الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة مع القيم التي تدعي الوقوف من أجلها في تجاهل مستمر لمعاناة الفلسطينيين وعدم اتخاذ إجراءات فعالة تجاه حرب الإبادة الجماعية التي تمارس بحقهم لأكثر من ستة شهور مما يوضح كيف أن غزة فضحت زيف شعارات أمريكا والغرب عن حقوق المرأة وحقوق الطفل، وها هي تفضح اليوم شعار الحرية والديمقراطية التي طالما ادّعت الولايات المتحدة التمسك به. وما يبدو جليًا هو أن الحرية في أمريكا ودول الغرب تقتصر فقط على إطلاق العنان للرذائل والفواحش، أما الدعوة لوقف سفك الدماء والدفاع عن البشرية فهي جريمة لا تغتفر !!

 

 

قد يعجبك ايضا