حول «ديموقراطية» إسرائيل
محمد سعيدي – وما يسطرون|
تروّج دولة الاحتلال الصهيوني، ومعها بعض وسائل الإعلام الغربية وبعض المثقفين في بلداننا، دعاية مفادها أن ما يسمّى «إسرائيل» هي الديموقراطية الوحيدة في المنطقة. ما يجري حالياً في فلسطين كاف لتفنيد هذه المزاعم، لكني اخترت أن أكتب عن الموضوع من زاوية مختلفة لأن بعض المتصهينين يخرجون علينا بقراءات تبعد التهمة عن النظام السياسي وتلصقها فقط بـ«حكومة يمينية متطرفة» أو بشخص نتنياهو الذي يتهرّب من مواجهة القضاء من خلال خوضه الحرب. وإن كانت بعض الأقوال من هذه الزاوية صحيحة، فلا يجب أن تحجب عنا طبيعة النظام السياسي الصهيوني الذي قام على مرجعية فكرية تؤسس للديكتاتورية في أقبح صورها. مما يعتمده أصحاب مقولة «الديموقراطية الوحيدة في بحر الدكتاتوريات» هي تقارير لمؤسسات منحازة مثل مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية التي تنشر سنوياً تقريراً عن مؤشر الديموقراطية حول العالم. في آخر تقاريرها، احتلت دولة الاحتلال المرتبة 29 من بين 167 بلداً سنة 2022، وهذا يصنّفها كـ«ديموقراطية غير مكتملة». وتحتل المرتبة الأخيرة كوريا الشمالية منذ 15 سنة. لا يتسع المجال هنا لمناقشة المعايير الشكلية المعتمدة كالمسلسل الانتخابي والتعددية والحريات الفردية، علماً أن الانحياز السياسي للمؤسسة يبدأ من اختيار هذه المعايير وسطحية تطبيقها، مما يجعل التضييق على المثلية الجنسية مثلاً يعصف بالترتيب الديموقراطي لبلد، بينما إبادة شعب كامل تكاد تكون عديمة الأثر.
[1] طرد الأصيل: «سأختار شعبي»!
الديموقراطية، على مختلف تعاريفها، تؤكد على محورية الشعب في النظام الديمقراطي باعتباره مصدر السلطة والشرعية. أكثر من هذا، فالديكتاتورية أيضاً تدعي أنها تستمد شرعيتها من الشعب وتقدّم له حداً أدنى من الرعاية تضمن بقاءه. فهو يزودها على الأقل بالعمال والجنود وجيش من العاطلين للحد من الزيادات في الأجور. على عكس هذا تماماً، ومنذ قيام دولة الاحتلال على أرض فلسطين، سعت دائماً إلى إبادة الشعب الفلسطيني وتهجير من ينجو من المجازر نحو المجهول. لذا، فإن كان ولا بد من تصنيفها، فيجب فعل ذلك على سلم الديكتاتوريات؛ هذا إن وجدنا لها نظيراً بين الدول القائمة في العالم لأنها فريدة زمانها في الوحشية.
دولة الاحتلال تجسد أبلغ الصور الشعرية التي جاءت في قصيدة الراحل محمود درويش «خطب الديكتاتور الموزونة»:
«سأختار شعبي
سأختاركم واحدا واحدا
سأختاركم من سلالة أمي ومن مذهبي…
وإن لم تريدوا بقائي، لا سمح الله
إن شئتم أن يزول البلد
أعدت إلى الشعب ما هب أو دب من سابق
الشعب
كى أملك الأكثرية. والأكثرية فوضى..
أترضى أخي الشعب!»
دولة الاحتلال طردت غالبية الشعب الفلسطيني وأسقطت عنها حقوق المواطنة وصادرت أرضها وباقي ممتلكاتها. و لتعمير الأرض أتت بشعوب جديدة تختار أفرادها واحداً واحداً بشرط أن تكون أمّه يهودية وأن يعرف بولائه لها كدولة يهودية، كما سنرى.
الممتلكات بدأ السطو عليها بالقوة من طرف العصابات الصهيونية المسلحة قبل إعلان دولة الاحتلال في 15 أيار 1948. وتفاقم الأمر بعد هذا الإعلان مع اندماج هذه العصابات في الجيش الصهيوني وشن عدوان واسع على الفلسطينيين في 1948-1949، إذ قدّر عدد من هجّر بأكثر من 700 ألف فلسطينى بعد استيلاء الجيش على أكثر من 500 قرية. أملاك هؤلاء، سواء كانت منازل أو أراضي أو أموال، صودرت بأوامر تحت قانون الطوارئ (مزيد من التفاصيل في الجرائد الرسمية لسنتي 1948 و1949). وبقيت الوضعية القانونية للأملاك معلقة حتى صدور قانون «أملاك الغائبين» في سنة 1950 الذي اعتبر في عداد «الغائبين» كل الناجين من المجازر الذين نزحوا إلى الضفة الغربية وغزة أو إلى بعض الدول العربية ولم يسمح لهم بالعودة.
هذا القانون، الذي نقل ملكية هؤلاء الفلسطينيين للدولة، ما زال سارياً في فلسطين المحتلة؛ وتوسع مجال تطبيقه سنة 2015 لمّا أصدرت المحكمة العليا قراراً يؤيد تطبيق «أملاك الغائبين» للسطو على أملاك الفلسطينيين الموجودين في الضفة الغربية وغزة إذا كانت هذه الأملاك بالقدس الشرقية. وكانت دولة الاحتلال تسمح لهم باستغلالها حتى بعد ضم القدس كاملة كعاصمة لها بقانون أساسي في 30-07-1980.
في الدول «الديموقراطية»، يمكن الطعن في دستورية مثل هذه القوانين، لكن مصيبة «الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» أعظم، فهي تعيش ليومنا هذا بدون دستور، وتعوض عن هذا النقص بقوانين أساسية تتميز بالانتقائية. وتمادياً في العدوان، أسقطت عن الفلسطينيين الجنسية أو المواطنة التي يمكن أن تسمح لهم بالتأثير على القوانين عبر المشاركة السياسية، وأن تسهّل عليهم التقاضي أمام محاكم البلد.
وبما أن الخيط الناظم لكل القوانين هو العنصرية لصالح القاعدة الديموغرافية المراد تشكيلها، ففي 14 تموز 1952، صدر «قانون المواطنة» ليكمل «قانون أملاك الغائبين» واستعمل كأداة لطرد الفلسطينيين خارج البلد. حسب هذا القانون، للحصول على المواطنة يجب إثبات الإقامة بدون انقطاع داخل «الخط الأخضر» من 14 أيار 1948 حتى تاريخ القانون. وهكذا، كل من هرب من الحرب قبل هدنة 1949، لم يعد بإمكانه العودة إلى بلده. ومن بقي خلال هذه الفترة هو من حصل على المواطنة (حوالي 140 ألفاً). فأصبح من نزح إلى الضفة الغربية لا يدخل باقي فلسطين المحتلة إلا بواسطة تصريح محدد الزمان والمكان يصدر عن الإدارة التابعة للحاكم العسكري. ومن نزح إلى غزة ليس بإمكانه التحرك إلا بواسطة تصريح مشابه يصدر عن الإدارة التابعة لوزارة داخلية الاحتلال.
ودائماً ظلت دولة الاحتلال تنظر إلى فلسطيني «الخط الأخضر» كمواطنين من الدرجة الثانية يجب التخلص منهم في أول فرصة. وهذا ما يفسر اقتراح وزير الشؤون الخارجية في شتنبر 2010 تبادلهم مع السلطة الفلسطينية مقابل أراضي. هل هناك «دولة ديموقراطية» تعرض مواطنيها في عملية تبادل مثل هذه! أي تسقط عنهم حقوق المواطنة وتطردهم إلى أراضي السلطة مقابل أن تنسحب من بعض المستوطنات، وربما حين تحين الفرصة تعيد احتلالها! قد يستغرب البعض لقرارها الإبقاء عليهم أصلاً، لكن يجب قراءة القرار على ضوء ظروف المرحلة حيث كانت تخوض حربها الوجودية الأولى 1948-1949. وقبل الهدنة، كانت الجيوش العربية، على علاتها، قريبة من تل أبيب وتكبد الصهاينة خسارة قاسية حيث سقط أكثر من 6 آلاف منهم قتلى؛ الجنود وحدهم حوالي 4 آلاف. إضافة إلى أن الدولة كانت تبحث عن اعتراف دولي، لهذا كانت مستعدة للالتزام في الحد الأدنى برغبة الدول الاستعمارية الكبرى التي ساعدتها في الحرب. فوعد بلفور (2-11-1917) مثلاً جاء فيه:
«…على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين».
وقرار التقسيم 181 (29-11-1947) الصادر عن الأمم المتحدة جاء فيه:
«إن المواطنين الفلسطينيين المقيمين في فلسطين خارج مدينة القدس، والعرب واليهود المقيمين في فلسطين خارج مدينة القدس، وهم غير حائزين على الجنسية الفلسطينية يصبحون مواطنين في الدولة التي يقيمون فيها، ويتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية جميعها بمجرد الاعتراف باستقلال الدولة».
تجدر الإشارة إلى أن وعد بلفور وقرار التقسيم يضربان عرض الحائط حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير لأن الأنظمة التي كانت وراءهما منحت كل الدعم لكيان مستعمر بالوكالة ليدهس على حقوق الفلسطينيين التي جاءت مثل هامش على نصي القرارين.
إن الأوضاع زادت سوءاً ابتداء من 2008، بعد تعديل قانون المواطنة، حيث أصبح ممكناً سحب الجنسية من فلسطيني «الداخل» إذا «قام بعمل فيه شيء من خيانة الأمانة لدولة إسرائيل»! وهذا بند يمكن تأويله حسب الأهواء.
[2] اختيار الديموغرافيا من الخارج: «من سلالة أمي ومن مذهبي»
وفي مقابل طرد الفلسطينيين والسطو على ممتلكاتهم، منح حق أبدي لكل يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين والحصول على حقوق المواطنة لتشكيل «الأكثرية» بعد أن ظلوا أقلية حتى سنة 1948 في فلسطين (كان عددهم في سنة 1918 فقط 56 ألف يهودي). وفي ما يشبه تطابقاً مع كلام الدكتاتور العربي الذي صاغه «نيابة» عنه محمود درويش: «سأختاركم من سلالة أمي ومن مذهبي»، نصت قوانين الاحتلال على ما يلي:
«إن بلاد إسرائيل تكون مفتوحة للهجرة اليهودية ولجمع الشتات» (إعلان الدولة 1948)
قانون العودة (1950): نص في البند الأول على حق كل يهودي في الهجرة إلى فلسطين المحتلة، وفي البند الثاني شرط هذا الحق بعدم القيام بأي نشاط ضد «الشعب اليهودي».
وهذا القانون عرّف «اليهودي» في البند الرابع بكل شخص مولود لأم يهودية.
ومنع الكيان المشاركة السياسية على كل من ليس على مذهبه، سواء كان من هؤلاء اليهود الذين جلبهم أم من غيرهم. مثلاً، في القانون الأساسي/ الكنيست، جاء أنه لا يحق الترشح لمن ينكر «قيام دولة إسرائيل كدولة يهودية». وبالنتيجة، فكل حكومات الاحتلال لن تتشكل من غير المؤمنين بهذا المبدأ العنصري الذي يؤطر باقي القوانين.
[3] حق تقرير المصير لـ«الشعب اليهودي» وحده
في هذه القوانين، وغيرها، تتركز المرجعية الفكرية لنظام الفصل العنصري. ولوعي منظريه بأن هذا النظام يرمي قاعدة اجتماعية واسعة خارج المشاركة السياسية مما سيدفعها حتماً للتفكير في إسقاطه وإقامة نظام بديل، أغلقوا الدائرة بقانون آخر يمنع على غير اليهود حق تقرير المصير. وهذا يخول للكيان استعمال كل الوسائل لقمع أي تحرك يهدده من الداخل، بما في ذلك حرب الإبادة. فالقانون الأساسي (إسرائيل- الدولة القومية للشعب اليهودي، 2021)، نص على أن أرض «إسرائيل» هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي حيث يمارس حقه الطبيعي في تقرير المصير وأقصى باقي المواطنين من هذا الحق، إذ يؤكد على أن حق تقرير المصير هو حق خاص بـ«الشعب اليهودي» وحده. هل هناك «ديموقراطية» لها هذه الوقاحة أن تشرعن هذه العنصرية بهذا الشكل؛ علماً أن القوانين الأساسية تقوم مقام الدستور في غياب هذا الأخير. والأغرب من هذا هو إلغاء قرار الأمم المتحدة الذي يعتبر الحركة الصهيونبة شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري (قرار 3379 في 30-11-1975)، وذلك بقرار جديد (46/86 في 16-12-1991) في حين أنها لم تزد إلا تشدداً في عنصريتها وفي معارضة المبادئ الأولى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
«لكلّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر» (المادة 2).
وتعارض قوانين الكيان الصهيوني أيضاً ميثاق الأمم المتحدة:
«مقاصد الأمم المتحدة هي:
إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتعزيز السلم العام.
تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء» (المادة 1).
وفقط للمقارنة وليس دفاعاً عن أي نظام آخر، فشرعنة العنصرية لم تنص عليها حتى قوانين كوريا الشمالية التي تحتل المرتبة الأخيرة في ترتيب الديموقراطية المشار إليه أعلاه، دستور البلد ينص، في مادته 65، بشكل واضح، على المساواة بين المواطنين في الحياة الاجتماعية والسلطوية. ولم ترد هذه العنصرية في قوانين روسيا التي تحارب بدعوى دكتاتوريتها وخرقها لحقوق الانسان. على عكس ذلك، ينص دستورها على أن «جميع أشكال القيود المفروضة على الحقوق الأساسية على أساس اجتماعي أو عرقي أو قومي أو لغوي أو ديني محظورة» (المادة 19). وينص أيضاً في المادة 3 على أن «شعب الاتحاد الروسي متعدد القوميات هو صاحب السيادة ومصدر السلطة الوحيد في البلاد».
[4] ارجاع تفسير وتطبيق حقوق الإنسان لـ«نبوءات الأنبياء» لا المواثيق الدولية
وكما أشرت أعلاه، فهذا الكيان الذي يدّعي الديموقراطية لم يتمكن طيلة 75 سنة من صياغة دستور كان إعلان دولة الاحتلال وعد به في سنة 1948. واستعاض عنه بقوانين أساسية انتقائية تمكنه من السكوت عن مسائل دستورية مهمة، كلما تكلم فيها زادت فضائحه. مثلاً، في مجال حقوق الإنسان، أصدر ثلاثة قوانين أساسية تتناول بعض الجوانب وأهمل الباقي. ومنها «القانون الأساسي: كرامة الإنسان وحريته» و«القانون الأساسي: حرية العمل» وجاء في مبادئهما الأساسية:
«تستند الحقوق الأساسية للإنسان في إسرائيل إلى الاعتراف بقيمة الانسان وقدسية حياته باعتباره إنساناً حراً وتحترم بروح المبادئ الواردة في إعلان إقامة دولة إسرائيل».
هنا، القانون يعطي للمنظمات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية الجزء الأول من النص أعلاه للدعاية. ويعطي للجيش وباقي مؤسسات الاحتلال الجزء الأخير وهو المهم؛ إذ قيّد كل الحقوق بـ«روح المبادئ» في إعلان دولة الاحتلال لسنة 1948. هذا على عكس الدول التي تدّعي الديموقراطية، إذ تحيل قوانينها في هذا المجال إلى مرجعية معروفة للجميع وهي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. لكن الاحتلال اختار أن يحيل على مرجعية لا يعرفها إلا الحاخامات! ولمن يريد أن يعرف «روح المبادئ» من خلال الإعلان المذكور، أحيله إلى المقطع التالي من هذا الإعلان:
«تفتح دولة إسرائيل أبوابها من أجل الهجرة اليهودية ومن أجل جمع الشتات، تدأب على ترقية البلاد لصالح سكانها جميعاً وتكون مستندة إلى دعائم الحرية والعدل والسلام مستهدية بنبوءات أنبياء إسرائيل».
وهكذا تهرب القوانين من الإحالة على مرجعيات فكرية تنتمي إلى عصرنا، وتحيل على «نبوءات أنبياء» رحلوا منذ قرون ويحتكر فقط رجال دين رواية أقوالهم وتفسيرها. ولمّا نسمع حاخامات بمناسبة عدوان غزة الأخير، يدعون لاغتصاب النساء وقتل الأطفال والنساء وبقر بطونهن لاستخراج الأجنة، من دون أن يتعرضوا للمحاكمة، نفهم جيداً «روح المبادئ» التي تؤطر الحقوق الإنسانية في دولة الاحتلال. وتجب الإشارة هنا، أنه حتى قبل إقرار هذا القانون، كانت المحكمة العليا تعتمد إعلان دولة الاحتلال لسنة 1948 كمرجعية لتفسير القوانين.
لم تكتف هذه القوانين بهذا، بل أضافت أن الغاية منها هي «إرساء قيم دولة إسرائيل بقانون أساسي كدولة يهودية ديموقراطية»! وهذا وحده فضيحة. فقانون حقوق الإنسان يناقض في مبادئه الأساسية هذه الحقوق القائمة على عدم التمييز بين الناس على أساس الدين من بين أسس أخرى. وكذلك يجمع في تناقض بين يهودية الدولة وديموقراطيتها، اللهم إلّا إذا كان للحاخامات تفسير آخر يسير وفق الهوى والمصلحة السياسية!
بعض المثقفين يحاولون التوفيق بين المتناقضات بالقول بأن الكيان دولة ديموقراطية بين اليهود ودولة يهودية مع الغير. والحقيقة كما أراها غير ذلك حتى مع اليهود. كيف يمكن لدولة أن تكون ديموقراطية ومبادئها الأساسية لا تحترم المساواة بين الرجل والمرأة، علماً أنه باسم هذا المبدأ تشنّ الإمبريالية الغربية حملات شيطنة على أنظمة أخرى وتحاصرها. فقانون الهجرة مثلاً يعطي حقوق المواطنة لكل إنسان في العالم أمّه يهودية ولم يتراجع عن دينه، بينما يحرم هذه الحقوق عمن أبوه يهودي وأمه ليست كذلك. وأيضاً، يفرق هذا القانون حتى بين الأخوين من أم يهودية؛ إذا غيَّر أحدهم دينه تسقط عنه المواطنة. هل هناك نظام ديموقراطي ويحترم حقوق الإنسان يسقط حقوق المواطنة إذا تخلى إنسان عن دينه! وهذا النقاش لا يجب أن يتوقف عند حدود الأفراد، فهو أداة لغربلة اليهود واستبعاد قاعدة اجتماعية من حقوق المواطنة وبالتالي حقوق المشاركة السياسية التي من الممكن أن تشكل معارضة حقيقية للنظام السياسي الصهيوني، لأنه عادة من يخرق التقاليد اليهودية بالزواج من غير اليهودية يتميز بنوع من الانفتاح على الآخر. وحسب منظري الصهيونية، فهو غير مأمون في عنصريته هو وأولاده.
إنّ ما أشرت إليه أعلاه يشكّل جزءاً من القضايا المهمة التي يجب النظر فيها قبل الدعاية لـ«ديموقراطية» العصابات الصهيونية. إذا كانت الديكتاتوريات تعتقل قيادة المعارضة الحقيقية وقد تغتال بعضهم أو تنفيه، فإن الكيان الصهيوني يفعل كل هذا ويزيد عليه بشن حروب التهجير القسري والإبادة في حق الشعب الفلسطيني الذي يشكل البيئة الاجتماعية الطبيعية لمقاومة نظام الفصل العنصري ولإرساء مبادئ الديموقراطية. إنّ الكيان الصهيوني، أولاً وأخيراً، نظام استعماري بالوكالة، ولأنه أكثر تطرفاً من غيره في الديكتاتورية، فهو لم يقبل حتى بديموقراطية شكلية مع السكان الأصليين، بل جردهم من كل الحقوق حتى حق الإقامة والسفر داخل بلده. وإضافة إلى هذا، جلب قاعدته الاجتماعية من الخارج واختارها بناء على المذهب والولاء. ولم يبق للفلسطينيين سوى «حق التعاون الأمني» مع جيش الاحتلال قبل اتفاقات أوسلو وبعدها كما جاء في المنشور الصادر عن ديفيد بن غوريون، وزير الأمن السابق، في 3-9-1948 (الجريدة الرسمية- العدد 19):
«…
2. يسري قانون دولة إسرائيل على المساحة المحتلة
3. على أهالي المساحة المحتلة المحافظة على السلم العام وجهاز اقتصادياتها ومساعدة جيش الهاغنا لإسرائيل في كل ما يطلب.
من يخالف أي أمر من أوامري يحاكم أمام محكمة عسكرية…».