بين انعدام المنطق وعجز القدرة| معضلة أمريكا في التعامل مع عمليات اليمن في البحر الأحمر
وما يسطرون – أحمد الكمالي – المساء برس|
طوال الأيام التي تلت إعلان اليمن حظر حركة سفن كيان الاحتلال الإسرائيلي في البحر الأحمر حتى يتوقف عدوانه الوحشي على قطاع غزة، وما ترتب عليه من تطور في الموقف استدعى توسيع دائرة الحظر لتشمل كل السفن المتجهة إلى الكيان في البحريين الأحمر والعربي، وما رافق ذلك من عمليات استيلاء واستهداف للسفن المخالفة لتعليمات القرار اليمني، تحاول أمريكا ومعها كيان الاحتلال وبريطانيا وفرنسا ومن يدور في فلكهم، تقديم ما يحدث في البحر الأحمر في سياق منفصل عما يدور في غزة، لكن محاولاتها حتى اللحظة تبوا بالفشل.
بالنسبة للإسرائيلي والأمريكي، فإن فصل سياق ما يجري في البحر الأحمر عما يدور في غزة، سيعود عليه بمجموعة من الفوائد أو النقاط، أبرزها: افشاله للهدف الأساسي الذي انطلق منه الموقف اليمني والمتمثل في استخدام الموقع الاستراتيجي البحري الذي تمتاز به البلد كورقة ضغط لإنهاء العدوان على الفلسطينيين في غزة ووقف مخطط تهجيرهم وتصفية القضية الفلسطينية.
أما الفائدة الثانية التي خُيل للأمريكي أنه ستكون مجدية تتمثل في تقديم يافطة أخرى للصراع تسمح لحلفائه أو أدواته في المنطقة الانخراط في اعمال عدائية ضد اليمن، فيما النقطة الأهم التي يرتجيها هو حشد العالم والدول الصناعية في أوربا وشرق أسيا بالذات، خلفه للضغط على صنعاء لتعطيل موقفها أو التدخل لتنفيذ اعمال عدائية ضدها إذا استدعى الأمر، وكذلك تهيئة أرضية سياسية مناسبة لسياساته العدائية التي سيتخذها ضد سلطة مكون “أنصار الله” مستقبلا، بكونهم
“مهددين للسلم والأمن الدولي والملاحة العالمية وهلم جرا”.
أما لماذا يحتاج الإسرائيلي والأمريكي لذلك ولماذا لا يكون الرد على اليمن بدون اللجوء إلى تلك الحيل، فذلك مرتبط بالموقف والغايات، فهما يدركان أنهما عاجزان سواء بشكل منفصل أو معا بعض على تعطيل الموقف اليمني أو فرملته عبر استخدام الوسائل الخشنة (الحرب)، لا طبيعة العدو ولا ظرف المعركة ولا قدراتهم تسمح في ذلك.
فهدف الأمريكي حاليا ليس اسقاط النظام أو السلطة في صنعاء “أنصار الله”، عوضا عن كون ذلك لم يتحقق خلال تسعة أعوام من العدوان الذي يعد أمريكيا في نهاية الأمر بشكل أو بأخر، انما الهدف حاليا يكمن في تهيئة الجو للإسرائيلي ليواصل ممارسة وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين دون أي ازعاج أو تشويش، اليمن لم يعد مزعج فقط بل موجع.
لنعد إلى أسباب فشل الأمريكي في فصل سياق ما يجري في البحر الأحمر عما يدور في غزة، وبالنظر للأمر من زاوية مبسطة جدا، فإن السبب الأبرز يتمثل في كون ما يحصل في البحر الأحمر منطلق ومرتبط في كل شيء بما يدور ويحدث في غزة!
لذا فإن العمليات اليمنية ما زالت متواصلة ولن تنتهي حتى وقف العدوان على غزة، فيما الدول العربية الموالية للأمريكي تجد حرجا كبيرا وليس بإمكانها مجاراته هذه المرة في ادانة الموقف اليمني الذي كان يجب عليها القيام به أو ما يوازيه، والواجب أخلاقيا وتاريخيا لا يسقط بالتقصير أو حتى بالنكوص واتخاذ مواقف مناقضة له تماما، فما يقوم به الكيان الصهيوني في غزة هو تهديد لوجود الأمة العربية بالكامل، والدول العربية جزء من هذه الأمة، ومهما طبع حكام بعض الدول وتأسرلوا إلا أن ثقل الواجب يظل يلاحقهم ويفقدهم شرعيتهم أمام شعوبهم، ويحد من خياراتهم.. ولا مصلحة أو طاقة لأحد منهم أن يجاري أمريكا بما تريد هذه المرة.
في السياق العالمي، يمكن اعتبار تصويت 153 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يطالب بوقف فوري إنساني للحرب في غزة، ردا كافيا على نداءات أمريكا تشكيل تحالف دولي لمواجهة تهديدات “الحوثيين للملاحة الدولية”.
القرار تكمن أهميته في كونه يعكس إرادة عالمية لكل الشعوب الإنسانية بمختلف الجنسيات والمعتقدات واللغات، فالبشرية اليوم تتأذى ما يدور من جرائم إبادة وتطهير عرقي للفلسطينيين في غزة، أولا لكونها جرائم تمثل فعلا شنيعا بحد ذاتها وثانيا لكونها تحدث ضد شعب كل جريمته أن يرفض احتلال أرضه التي لا يملك بديلا لها من قبل عصابات عنصرية مجمعة من كل جنسيات العالم وفيها خلاصة انحطاط العصور، هكذا ينظر الرأي العام العالمي لما يجري في فلسطين، وإدارة بايدن اليوم تواصل انحياز أمريكا ضد حقائق التاريخ وانحيازها لجرائم الإسرائيلي، حتى العزلة!
إذا كنت تعتقد أنني لم أقدم أي إضافة جديدة فدعني أوافقك الرأي في ذلك، لكن ذلك ليس مشكلتي ولا ذنبك، بقدر ماهي أزمة المنطق التي وجد الأمريكي نفسه محشورا فيها أمام التعامل مع الموقف اليمني تجاه العدوان على غزة، لكن هنالك عامل أخر مرتبط بهذه الجزئية يجب وضعه في الاعتبار، ويكمن في الخطاب المتعقل والخطوات المدروسة التي ترجم بها اليمني قراره السياسي إلى واقع في البحر الأحمر، حيث لم يعطي للأمريكي أي فرصة في تسجيل أخطاء ضده، وذلك برائي يعود إلى نبل ومصداقية الهدف والغاية والنضج السياسي الذي وصل إليه صانع القرار في صنعاء، وذلك ما سيجعل اليمن لاعبا إقليمي مهم في مشهد ومستقبل المنطقة حتى ولو لم يروق للكثير من القوى فيها ذلك.
ولكون ما يحصل في البحر الأحمر منطلق ومرتبط في كل شيء بما يدور ويحدث في غزة، فأمام الإسرائيلي والأميركي خيارات كلها مرة في حقيقة الأمر، إما وقف العدوان وينتهي التصعيد في البحر الأحمر، أو الاستمرار على ما يحمله ذلك من احتمالية تطور وتوسع الصراع ليس في البحر الأحمر فقط، بل على امتداد المنطقة كامل.
الكيان أحمق، الحكومة الأمريكية هي الأخرى ليس لديها ضمير يؤنبها، لكن لديها مصالح سيكون من المجازفة خساراتها في مقامرة مجهولة، الربح فيها مستحيل أما الخسارة ممكنة وواردة جدا جدا.