آن أوان تقاطع النيران
زاهر أبو حمدة – وما يسطرون|
أرسل الجنرال قاسم سليماني، قبل اغتياله، رسالة إلى قائد أركان كتائب القسام محمد الضيف: «إيران لن تترك فلسطين وحيدة، مهما تعاظمت الضغوط واستحكم الحصار». أمّا مَن خلَفه في قيادة «قوة القدس»، العميد إسماعيل قاآني، فأرسل رسالة إلى الضيف في أيار 2021، بعد معركة «سيف القدس»، يقول فيها: «هذه المعركة فتحت زمناً جديداً في الصراع مع العدو الغاصب، وكتبت فيه مقاومتكم بالدم والنار معادلة عزة مفادها أن العدو لا يمكنه أن يستفرد بالقدس، من دون أن يلقى رداً رادعاً من بأس المقاومة وقوتها التي راكمتها على مدى عقود من الزمن».
وسبق رسائل القيادة العسكرية الإيرانية، رسالة من الضيف إلى السيد حسن نصر الله، في كانون الثاني 2015، لتهنئتة بشهداء القنيطرة (محمد عيسى، جهاد عماد مغنية، عباس حجازي، محمد علي أبو الحسن، غازي ضاوي، علي إبراهيم، واللواء في حرس الثورة الإيرانية محمد علي الله دادي)، يؤكد فيها: «يجب أن توجّه كل البنادق إلى هذا العدو، ويكفي الأمة استنزافاً لطاقاتها ورهناً لإرادتها. إن إسرائيل مستمرة في غطرستها وإجرامها، ما بات لزاماً على كل قوى المقاومة في الأمة أن تدير معركتها المقبلة يداً واحدة وأن تتقاطع نيرانها فوق أرضنا المحتلة».
لم يعد توحيد الجبهات ضد الاحتلال شعاراً، بل أصبح استراتيجية واقعية يمكن أن تغيّر الخرائط وتصنع التاريخ. ما حصل في الأيام الماضية من إطلاق صواريخ من لبنان وغزة وسوريا واليمن والعراق، إن كان ضدّ المواقع الإسرائيلية أو القواعد الأميركية، يؤكد أن خطوات «حلف القدس» متناسقة ومنسجمة وتثبت أن استراتيجية «المعارك وسط الحروب» الإسرائيلية فشلت. ولأن هذا الحلف من يضع قواعد الاشتباك، كانت معادلة العصر وأطلقها السيد نصر الله: «القدس مقابل حرب إقليمية». وهو من أعلن سابقاً وضع خطة تحرير الجليل وحدّد مستقبل إسرائيل أنها ستزول، وعنده الأمل الكبير برؤية ذلك في حياته.
أمام ذلك، هناك تاريخ كبير من التنسيق بين حزب الله والمقاومة الفلسطينية بكل فصائلها، ولا سيما الإسلامية منها. وإن الحزب قدّم لذلك العديد من الشهداء والأسرى، حتى إن الراحل إبراهيم غوشة، وهو أحد مؤسسي «حماس»، يذكر في مذكراته «المئذنة الحمراء» أن «سبب اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي، هو طلب حماس من الحزب تصعيد العمليات على الحدود لتخفيف الضغط عن الفلسطينيين عقب مؤتمر مدريد، وهو ما وافق عليه الموسوي وصعّد بشكل كبير من العمليات». لكن حالياً، وسط معركة «طوفان الأقصى»، تعلو الأصوات الفلسطينية مطالبةً «حلف القدس» بالعمل أكثر واعتبارها معركة التحرير الكبرى، وهذا مردّه إلى التاريخ المقاوم المشترك والمصير الواحد، والأهم أنه ينبع من «العشم الكبير» والثقة العمياء.
إضافة إلى أن الغالبية تنادي بتصعيد المواجهة واعتبارها شاملة لأن ما حصل في السابع من أكتوبر رفع رصيد الأمل بتحرير البلاد من نهرها إلى بحرها. وهنا التوصيف الدقيق أنه إذا كانت المقاومة في غزة فعلت هذا، فماذا سيفعل حزب الله؟ صحيح أن هناك أصواتاً نشازاً تصطاد في دماء الشهداء لتسجيل نقاط في الوقت الضائع، لكن نبض الشارع صادق بلا مزايدات أو محاولات لبث الفتن كما يراها البعض. ولذلك ستجد المنادين بالدخول الكبير لـ«حلف المقاومة» لا يطلبونه من الجيوش والحكام والحكومات العربية، ومن ضمنها الفلسطينية، وإنما يريدونه ممن وعدهم بذلك ويثقون بأنه قادر على الفعل ولا يخشى الولايات المتحدة وأساطيلها وقواعدها.
لكن، هل يجب أن تكون هذه المعركة هي موقعة تقاطع النيران الكثيفة فوق فلسطين وفيها؟ الإجابة بلا تردد: نعم. لأن الاحتلال في أضعف حالاته، ويمكن توجيه الضربة القاضية له. أمّا الكلفة فربما تكون كبيرة، لكنها فرصة تاريخية لإزالة إسرائيل نهائياً ومعها الولايات المتحدة من منطقة غرب آسيا. ولعلّها المرة الأولى، نرى فيها تضامناً شعبياً عربياً وإسلامياً من كل المذاهب والأعراق لخوض الحرب، والأهم أن الحكومات المستسلمة ستجد نفسها محرجة، ويمكن لعروش أن تسقط جرّاء معركة شاملة كهذه مع إسناد دولي من الصين وروسيا ومن بقي من الأحرار في هذا الكوكب.
ويكفي إغلاق مضيقَي هرمز وباب المندب حتى يرتفع سعر برميل النفط، وحينها يصرخ الغرب ويجثم على ركبتيه ولا سيما أن الولايات المتحدة تخطط للانسحاب من الإقليم، وجو بايدن مقدم على انتخابات. ربما تلك أمنيات ليس لديها إمكانات لتنفيذها، لكنّ تاريخنا الإسلامي يشير لنا إلى أنه لولا معركة بدر، ذات العدد القليل من المؤمنين أمام كثرة المشركين، لما انتشرت الدعوة المحمدية في أصقاع الأرض.