هل تتمكن مجموعة “بريكس” من إيجاد بديل للدولار؟
الكسندر نازروف – وما يسطرون|
يحتاج العالم أجمع بشكل ملح إلى إيجاد بديل للدولار، والجميع يتوقعون من مجموعة دول “بريكس” أن تكون أول من يحل هذه المشكلة.
تعد روسيا أكثر المهتمين بهذا الأمر، بسبب العقوبات الغربية. لذلك لم يكن من المستغرب أن يتقدم الخبراء الروس والسلطات المالية الروسية بدراسات معمقة في مناقشة هذه القضية. سأحاول هنا استعراض ما يمكن أن نطلق عليه، مع بعض التحفظات، الرؤية الروسية لهذه المسألة.
كما فهمت من مناقشة هذه القضية خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي المنعقد مؤخرا في فلاديفوستوك، فإنه من المبكر الحديث عن وجود أي خطة متفق عليها أو على الأقل وجود فهم واضح لمراحل وآليات إنشاء عملة مجموعة “بريكس” لدى السلطات الروسية نفسها.
ولا يسعنا اليوم إلا الحديث عن الإجماع على أن العملة الموحدة للدول الأعضاء في “بريكس” ليست واقعية بعد، حيث يتطلب ذلك التخلي عن بعض السيادة، وعن سنوات، إن لم يكن عقودا، من التكامل المبدئي السياسي والاقتصادي.
ويتلخص الهدف الواقعي في إنشاء وحدة حسابية تقليدية لا يتم تداولها دخل البلدان الأعضاء، وإنما تستخدم فقط في التسويات بين البلدان، ثم يتم تبادلها بعد ذلك بواسطة البنوك المركزية في البلدان الأعضاء بالعملة المحلية. من باب التوازي يمكننا تذكر “وحدة العملة الأوروبية” ECU European Currency Unit في الفترة من 1979-1998.
وقد تكون هذه العملة الافتراضية مرتبطة بسلة من عملات البلدان الأعضاء و/أو بسلة من السلع الأساسية، وربما تلك التي يمكن التحكم في أسعارها إلى حد كبير من قبل البلدان الأعضاء في المنظمة.
عند ربطها بالعملات، يمكن إدراج ما يسمى “ثعبان العملة” من أسعار الصرف المتفق عليها للدول المشاركة، كما كان الحال في أوروبا قبل طرح اليورو. ومع ذلك، فإن خيار ربط العملات، من وجهة نظري، ليس واقعيا تماما، لا سيما خلال الأزمة العالمية، عندما تقفز أسعار الصرف بنسبة عشرات في المئة.
إلا أن من العوائق الخطيرة أمام إنشاء عملة الحساب هي الحاجة إلى تحديد الأسعار بعملة الحساب والتحكم في أسعار السلع الأساسية، التي تسيطر عليها الهياكل المالية الغربية بشكل كامل حاليا. ولكي يتم ربط العملة بسلعة ما، يجب أن تكون أسعار السلع مستقرة، ويتم تحديدها من خلال عقود طويلة الأجل داخل المنظمة. ومن الضروري أيضا استبعاد تأثير المضاربين الدوليين، لذلك يتعين تحديد أسعار هذه السلع في البورصات داخل دول “بريكس”.
أضيف من جانبي أن دول “بريكس”، خاصة إذا استمرت المجموعة في التوسع، يمكنها بسهولة نسبيا السيطرة على أسعار القمح والنفط والفحم والأسمدة والمعادن النادرة وعدد من السلع الأخرى. هذا إذا ما كانت هناك رغبة في ذلك بطبيعة الحال.
في رأيي المتواضع، أنه من غير المناسب تحديد أسعار المواد الخام في بورصات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اللتين لم تعدا المستهلك أو المنتج الرئيسي للنفط وغيره من السلع. وفي إطار مجموعة “بريكس”، يمكن تحديد أسعار القمح في البورصات الروسية، على سبيل المثال، وأسعار النفط في البورصة السعودية.
وبسبب الصعوبات المذكورة، يرى الخبراء الروس أن النهج الأكثر واقعية هو ربط عملة “بريكس” بالذهب، بحيث يتعين حساب سعره متوسطا على مدى فترة معينة.
وستكون آلية التسوية مبنية على المقاصة، أي أنه يتم حساب ميزان المعاملات التجارية بين الدول مرة واحدة في السنة، وتسوية العجز عن طريق تحويل الذهب. وللقيام بذلك، من الضروري أن تشمل منطقة عملة التسوية الدول ذات التجارة المتبادلة والمتوازنة فيما بينها، ثم لن تتطلب الاختلالات الطفيفة، نهاية العام، كميات كبيرة من الذهب للتسويات النهائية. ووفقا للحسابات، لتحقيق التوازن التجاري، يجب أن تشمل هذه المنطقة أوراسيا وبعض من أكبر الدول الإفريقية.
ينبغي كذلك إنشاء آليات للإقراض والتسوية المشابهة لنادي باريس ضمن نظام الدولار، وإنشاء وكالات خاصة بالتصنيف والتأمين. وبمرور الوقت، يجدر الانتقال من الدعم بالذهب إلى الدعم بسندات أكبر الدول المشاركة، وهو ما يتطلب تطوير سوق الديون والاستقرار المالي لدول “بريكس”.
وفي المنتدى، وردا على كل هذه الوفرة من الأفكار، رد الممثل الصيني بوضوح أن بلاده لا تملك الآن لا القدرة ولا الرغبة في خلق بديل للدولار. وتلك قضية العقود المقبلة، وربما لعدة أجيال. فأولا، نحن بحاجة إلى إنشاء بنية تحتية للنقل (مرتبطة بالصين)، وبحاجة إلى التطوير وتقريب الثقافات من بعضها البعض وتحقيق توحيد سياسي معين.
لا أعتقد أن الصينيين من السذاجة بحيث لا يأخذون في الاعتبار احتمال نشوب صراع عسكري مفاجئ مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فصل بلادهم قسرا عن النظام النقدي الأمريكي/العالمي (كما حدث مع روسيا).
أعتقد أولا أن الصين تظهر للولايات المتحدة تواضعا زائفا من أجل تأخير الصراع العسكري، وترغب في أن تنتقل إليها الهيمنة العالمية دون قتال، نتيجة للنمو السلس الذي يحققه اختراق الصين الاقتصادي في البلدان الأخرى. من جانبي، أود الإشارة إلى أن هذا لن يحدث.
وثانيا، فإن الصين تهتم بأن يمنح اليوان مكانة عملة التجارة العالمية والعملة الاحتياطية، دون عملات مشتركة مع أي أحد آخر.
في كلتا الحالتين، لا يبدو أن الصين حريصة على فرض مواجهة مع الولايات المتحدة، لكنها قد تجد نفسها في موقف ستالين خلال الحرب العالمية الثانية، حينما أمر القوات السوفيتية، يوم هجوم هتلر على الاتحاد السوفيتي عام 1941، بـ “عدم الرد على أي استفزازات”، في محاولة لتأخير الحرب، وهو ما تسبب إلى حد كبير في خسائر ضخمة للقوات السوفيتية وتراجعها في الأشهر الأولى من الحرب. على الأرجح ستنشب المواجهة الصينية الأمريكية بين أطراف غير مستعدة بنفس الكيفية التي اندلع به الصدام الأمريكي الروسي في أوكرانيا.
هناك عامل آخر: من أصل 305 تريليون دولار من الديون العالمية، هناك 75 تريليون دولار من الديون الخارجية، جزء كبير منها مقوم بالدولار. كذلك، ووفقا للمنتدى الاقتصادي العالمي، هناك 65 تريليون دولار من ديون “الظل” في العالم، وهي أيضا مقومة بالدولار. ولسداد هذا الدين، سيحتاج المدين إلى الدولارات، أي أن طلب المدينين على الدولار سيستمر لفترة طويلة، ما لم يتم إعلان الإفلاس والتخلف عن سداد هذا الدين.
النتيجة التي توصلت إليها من كل ما قيل هو أن التحول المنظم من نظام نقدي عالمي إلى آخر هو أمر مستبعد للغاية في الوقت الحالي. وروسيا وحدها هي المهتمة بإيجاد بديل للدولار إلى الحد الذي يجعلها قادرة على اتخاذ خطوات عملية لتحقيق هذا الهدف، ولكن هذا واحده ليس كافيا لظهور بديل كامل للدولار.
لكن عدم وجود بديل للدولار لن يمنع انهياره. سيحدث استبدال للدولار، ولكن بطريقة غير منظمة وطارئة، من خلال انهيار هرم الديون العالمي، وانهيار النظام النقدي المعاصر. ما سيتبع ذلك حتما سيكون فترة من الفوضى والتعافي التدريجي الطويل للتجارة العالمية استنادا إلى عدة مناطق عملات، تهيمن عليها أقوى العملات الإقليمية، والتي من المرجح أن تكون مرتبطة بالذهب.
وكما يقولون: الأقدار تقود من يأتي راغبا، وتجرّ من لا يأتي راغبا.