اليمن والسعودية.. الاتفاق على “مفاوضات حاسمة”.. ماذا لو لم تنجح؟
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
غادر العاصمة اليمنية صنعاء وفد الوساطة العمانية المكلف من سلطان عمان للتوسط وحل الأزمة بين اليمن والسعودية، بعد أقل من 3 أيام منذ وصوله صنعاء حتى مغادرته إلى مسقط في زيارة هي الأقل مدة من بين كل زيارات الوفد العماني الوسيط منذ بدء عمل الوساطة.
وفد الوساطة العمانية، جاء – فيما يبدو – بطلب من الرياض التي سارعت للتعاطي بقلق لافت مع الإنذار الأخير الذي وجهه زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي، السبت قبل الماضي، حيث لم ينتهِ الأسبوع الماضي إلا وكان وفد الوساطة قد حط رحاله في مطار صنعاء الدولي الذي أعاد التحالف تشديد الحصار عليه وتقليص عدد الرحلات منه وإليه والمحددة إلى وجهة وحيدة هي الأردن.
أحاط التكتم الشديد زيارة الوفد العماني الوسيط الأخيرة، نظراً لحساسية الموقف وانعكاساً لحالة السخط التي وصلت إليها صنعاء جراء مماطلة التحالف وتهربه من أي خطوات تؤدي إلى توسيع الهدنة المتوقفة أساساً وبما يفضي إلى مزيد من خطوات بناء الثقة وتنفيذ الالتزامات من قبل السعودية والمتعلقة بالاستحقاقات الإنسانية لليمنيين وعلى رأسها ملف مطار صنعاء وملف المرتبات.
بمغادرة وفد الوساطة العمانية، أطلق عضو وفد صنعاء المفاوض، عبدالملك العجري أول تصريح رسمي عن صنعاء يكشف فيه ما تم التوصل إليه من اتفاق بين صنعاء ووفد الوساطة العمانية، حيث قال العجري في منشور على منصة تويتر “وصلنا بحمد الله إلى العاصمة العمانية مسقط بعد إنهاء زيارة تشاورية إلى صنعاء الهدف منها التشاور مع القيادة حول الخطوات القادمة والترتيب لجولة مفاوضات قادمة نسعى أن تكون حاسمة في وضع حد لمعاناة الشعب اليمني سيما لجهة الاستحقاقات الإنسانية لأن استمرارها هو استمرار للحرب بشكل آخر أكثر فتكاً وأشد وطئاً”.
واضح من تصريح العجري، بأن وفد الوساطة العمانية غادر صنعاء حاملاً معه موافقة من صنعاء على جولة مفاوضات قادمة شريطة أن تكون “مفاوضات حاسمة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما يعني أن عدم حسم السعودية قرارها بشأن بعض الملفات وبقاءها مرتهنة للموقف الأمريكي الذي يضغط عليها ويطالبها عدم تنفيذ أي من التزاماتها تجاه الاستحقاقات الإنسانية التي تطرحها صنعاء كشروط رئيسية للمضي نحو أي خطوات قادمة تفضي إلى عملية سلام شامل ودائم بين صنعاء والرياض، عدم حسم الرياض قرارها أثناء هذه المفاوضات الحاسمة يعني أن الحرب ستعود لكن بطريقة مختلفة جداً عما كانت عليه سابقاً بحسب ما يوضحه تصريح عضو وفد صنعاء المفاوض الذي جاء وغادر برفقة وفد الوساطة العماني بقوله “استمرار للحرب بشكل آخر أكثر فتكاً وأشد وطئاً”.
خلال الساعات الأخيرة قبيل مغادرة وفد الوساطة العمانية لصنعاء، كانت بعض التسريبات قد تناقلها نشطاء وسياسيون على مواقع التواصل الاجتماعي لم يتم التحقق من صحتها حتى الآن، وهي أنه لا جديد فيما حمله الوسيط العماني سوى أنه وعد صنعاء أن تكون جولة المفاوضات القادمة محددة بمهلة زمنية، وهو ما يعني أن الرياض في هذه الجولة المقبلة لن يكون بمقدورها المماطلة واللعب على الوقت والتسويف والمراوحة ذهاباً وإياباً وإعطاء الموافقات الشفهية من دون المضي للتنفيذ على أرض الواقع.
يرى الشارع اليمني والنخبة السياسية أن صنعاء بالغت في مراعاة الوساطة العمانية ومجاملتها رغم اعتبار قطاع واسع من اليمنيين أن الوسيط العماني أصبح يستخدم وساطته بما يخدم الطرف السعودي ومن معه فقط لا بما يحقق التوازن والحياد ودور الوسيط الذي يجب أن يبقى على مسافة واحدة من طرفي الصراع.
حتى اللحظة لا يزال من غير المعروف عمّا إذا كان الاتفاق على جولة مفاوضات حاسمة هو مقترح قدمه الوفد العماني وقبلته صنعاء أم أن الرياض هي من طرحت هذا المفترح وطلبت من الوسيط العماني أن يحمله إلى صنعاء، وفي كلا الحالتين فإن الكرة مرة أخرى تعود من جديد للملعب السعودي والوقت يمضي أمام السعودية، والواضح أن صنعاء وضعت مدداً زمنية – بناءً على ما جاء يحمله الوفد العماني -، هذه المدد الزمنية هي لانتظار الرد السعودي إن كان هناك لا يزال من نقاط تنتظر صنعاء رد الرياض بشأنها بالقبول أو الرفض، ومدة زمنية أخرى للترتيبات الاستباقية لجولة التفاوض، ومدة زمنية ثالثة لفترة جولة المفاوضات الحاسمة فلم يعد في قاموس قيادة صنعاء مفاوضات بفترة زمنية مفتوحة.
السعودية في مأزق كبير
أرادت السعودية لنفسها أن تكون في واجهة المعتدين على اليمن، واليوم تجني ثمار ما اقترفته يداها، فالرياض محشورة بين مطالبات صنعاء بتنفيذ الاستحقاقات الإنسانية، وبين الضغوط الأمريكية القوية التي تحاصرها وتمنعها من تنفيذ هذه الاستحقاقات بغية عدم تمكين صنعاء من تحقيق انتصار ساحق مثل انتزاع استحقاق صرف المرتبات، سيضاف إلى سلسلة الانتصارات السابقة العسكرية والسياسية والأمنية والاستقلالية.
أمام الموقف الصعب الذي تواجهه السعودية اليوم لن يكون أمامها سوى خيارين فقط لهما تبعات سلبية، غير أن الفارق بينهما أن التبعات السلبية لأحد الخيارين ستكون لحظية ومؤقتة فيما تبعات الخيار الآخر ستكون طويلة الأمد وباهظة الثمن، هذان الخياران هما: أولاً: بما أن التصعيد في الخطاب والتهديد الذي صدر من صنعاء تجاه الرياض يأتي في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات السعودية الإيرانية تطوراً إيجابياً فإن ذلك يثبت للرياض أكثر بأن طهران لا تستطيع أن تفرض أي تأثير على صنعاء وأن الأخيرة هي صاحبة قرارها، والحقيقة أن السعودية اليوم في قناعة تامة بأن صنعاء ليست طهران، ورغم ذلك ستعود الرياض لطرق أبواب طهران من جديد كمحاولة أخيرة باعتبار أن طهران وصنعاء أصدقاء وأن طهران يمكن أن تطلب من صنعاء التهدئة حالياً وأن صنعاء وتحت ضغط الإحراج من طهران ستقبل بهذا الطلب، وهذا الخيار سينتهي إما برفض طهران التوسط لأنها لا تريد أن تضع نفسها في موقف محرج بعد أن يُرفض طلبها من صنعاء، أو برفض صنعاء وساطة طهران وطلبها وفي كلا الحالتين فإن هذا الخيار لن يجدي نفعاً على الإطلاق، وفي النهاية سنكون أمام رفض سعودي واضح لمطالب صنعاء المتمثلة بتنفيذ الاستحقاقات الإنسانية التي سبق ووافقت عليها الرياض ثم تراجعت عنها على وقع ضغوط واشنطن، وسنصل في نهاية المطاف إلى عودة الحرب من جديد بعد رفض الرياض تنفيذ الاستحقاقات لكن عودة الحرب في هذه المرة لن تكون كما في السابق وعلى السعودية أن تستعد لسنوات عجاف لا تنهي فقط رؤية 2030 إلى الأبد بل قد تنهي وإلى الأبد وجود آل سلمان على سدة الحكم في السعودية.
ثانياً: أن تتجاهل الرياض كلياً أي ضغوط أمريكية والمضي قدماً نحو تنفيذ الاستحقاقات الإنسانية وما يليها من خطوات تفضي لوقف الحرب نهائياً وعودة السلام بين صنعاء والرياض وتنفيذ كل المطالب على أرض الواقع والعمل بكل الإمكانات على رفع اليمن من تحت الفصل السابع بنفس الطريقة التي كانت فيها الرياض سبباً في ذلك حتى وإن اضطرها الأمر إلى التهديد بقطع مساهمتها المالية لمنظمة الأمم المتحدة إذا لم يتم رفع اليمن من الفصل السابع كما سبق وفعلت حين كانت تستخدم هذا التهديد مع كل تقرير أو تصنيف أممي يدين الرياض وانتهاكاتها الإنسانية في اليمن.
وأمام هذا الخيار فستكون الرياض أمام مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وهي نتيجة طبيعية ويجب على السعودية أن تدفع الثمن لقاء تجاهلها إملاءات واشنطن، ولكن على الأقل النتائج والتداعيات السلبية التي ستلاقيها الرياض لقاء توجهها نحو هذا الخيار لا تزال أقل بكثير جداً من تلك التي ستلاقيها إذا ما رفضت المضي في السلام مع صنعاء واختارت مسار استمرار الحرب والتي وصفها وزير خارجية صنعاء حسين العزي قبل عدة أيام أنها “ستكون حرباً جنونية” بكل ما تعنيه الكلمة، فيما تداعيات تجاهل واشنطن لن تعدو عن تعرض الرياض لبعض العقوبات البسيطة التي يمكن للرياض امتصاصها بسهولة خصوصاً.