تطورات لم تكن لتحدث لولا امتلاك صنعاء قوة ضاربة تفرض بها شروطها
وما يسطرون – إبراهيم القانص – المساء برس|
تتخذ الحرب على اليمن مسارات جديدة فرضتها سلطات صنعاء، من خلال تحركات وإجراءات عملية على المستويين السياسي والعسكري، أثبتت فاعلية كبيرة وتطوراً أحدث فارقاً ملحوظاً في تعاطي جميع الشركاء في الحرب الدوليين والإقليميين مع مطالب صنعاء وشروطها،
سواء في ما يتعلق بالحرب بشكل عام أو ما يخص الهدنة المؤقتة والمساعي لتمديدها أكثر من الفترات السابقة، والأمر بالمجمل- كما يراه مراقبون- يمضي باتجاه ترجيح كفة صنعاء عسكرياً وسياسياً، ويؤكد أنها أصبحت تتمتع بقدر عالٍ من الإدراك والفطنة السياسية، أما الأداء الميداني في الجانب العسكري فقد أثبتت قواتها، على مدى السنوات الماضية، قدرات قتالية عالية رغم إمكاناتها البسيطة قياساً بما تمتلكه قوات التحالف من عتاد حربي- كمّاً ونوعاً- إضافة إلى أنها لا تزال تعمل بشكل مكثف ومتواصل على الارتقاء بقدراتها وتطوير عتادها الحربي، وهو ما تجلى في العروضات التي قدمتها ألويتها العسكرية ووحداتها الأمنية خلال الأيام الماضية، بما حملته من رسائل مهمة ليس أمام قوى التحالف سوى استيعابها، وهو ما بدأ يلوح فعلاً في أفق المفاوضات بشأن تمديد الهدنة لستة أشهر، قبل انتهاء التمديد الأخير الذي لم يتبقَ سوى أيام على انقضائه.
الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم يعد هناك أي شك في كونها القائد الرئيس للحرب على اليمن، تقود تحركاً سياسياً مكثفاً من أجل تمديد الهدنة الإنسانية التي ترعاها الأمم المتحدة، وصل حد الضغط على السعودية والإمارات باتجاه الالتزام بتنفيذ بنود الهدنة والتخلي عن أي اشتراطات قد تتسبب بعرقلة مساعي تمديدها لستة أشهر، الأمر الذي يعُدُّه مراقبون انكشافاً واضحاً لكون الدولتين الخليجيتين أعجز من أن تتخذا قراراً لا يوافق هوى الولايات المتحدة، فهما مجرد أداتين استخدمتهما قوى دولية لشن الحرب على اليمن، خدمةً لأهداف ومصالح سياسية واقتصادية وأطماع توسعية، في البلد الذي يملك أهم الممرات المائية على مستوى خطوط الملاحة البحرية الدولية، وتُعَدُّ أرضه محفزاً لا يقاوم لغرائز الأطماع والاستحواذ، لما تحمله في باطنها وظاهرها من الثروات النفطية والمعدنية والتنوع البيئي والجغرافي، وكذلك القيمة التاريخية لواحدة من أقدم الحضارات على وجه الأرض.
التحرك الأمريكي بشأن الهدنة الإنسانية في اليمن، والضغط الكبير على الرياض للالتزام بتنفيذها وإزالة أي عراقيل تعترضها، يرجعه مراقبون إلى خطوة جريئة اتخذتها سلطات صنعاء، بناءً على ثقتها المطلقة في شرعية موقفها، واستعدادها الدائم والمتنامي للانتصار لخيارها في مواجهة الحرب، حيث أبلغت الأمم المتحدة- الراعية للهدنة- تهديداً صريحاً وجاداً، أنها بصدد اتخاذ إجراء عسكري يتكفل بالرد على عرقلة وصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وأن البحر الأحمر والمنشآت النفطية السعودية والإماراتية ستكون ساحة ذلك الرد.
كان للتهديد الذي بعثت به سلطات صنعاء إلى الأمم المتحدة تأثيراً بالغاً، تكفل بتحريك المنظمة الأممية ومعها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الرياض، ليتم إطلاق اثنتي عشرة سفينة مشتقات نفطية كانت تحتجزها السعودية، ووصولها إلى ميناء الحديدة، ولا تزال الولايات المتحدة تكثف مساعيها لتمديد الهدنة، في إطار تهدئة عامة تسعى لتثبيتها في غالبية قضايا المنطقة العربية، ربما بسبب الظروف الصعبة التي تهدد أمنها القومي، خصوصاً في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية التي تسببت بقطع إمدادات الطاقة عن دول الغرب والقارة الأوروبية، وفي هذا السياق ألزمت الخارجية الأمريكية مندوبها إلى المنطقة، تيم ليندركينغ، بمهمة تمديد الهدنة في اليمن، وتوسيعها لتشمل صرف رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين، وزيادة الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء الدولي، الأمر الذي يراه مراقبون اقتراباً من إنجاز كبير ستحقق به صنعاء انتصاراً كبيراً يتمثل في رفع الحصار الاقتصادي.
في المقابل، سيكون انتصار صنعاء بإنهاء الحصار الاقتصادي، انتكاسة كبيرة بالنسبة للسعودية، كونها لجأت لفرضه كورقة أخيرة بعد الهزائم العسكرية المتوالية التي تلقتها على يد قوات صنعاء، إضافة إلى مخاوفها من أن تتخذه الولايات المتحدة فرصةً سانحة لفصل جديد من الابتزاز، الأمر الذي سيكلف الرياض وأبوظبي ثمناً باهظاً، خصوصاً بعد ظهور مؤشرات على تراجعهما اقتصادياً، واتساع رقعة السخط الاجتماعي على الحكام الذين يبددون ثروات شعوبهما في تمويل حروب ونزاعات لا طائل من ورائها سوى استعداء دول وشعوب المنطقة، وتحديداً الجارة اليمن التي أثبتت قدرتها على وضع الأمن القومي للسعودية والإمارات في مهب الانهيار.