لعنة النفط.. نظرة تشريعية
د. عبدالغني جغمان – وما يسطرون – المساء برس|
كانت اليمن تندرج ضمن البلدان الغنية بموارد النفط والغاز والتي توصف في الأدبيات غالبا بأنها تعاني من «لعنة الموارد» أو «لعنة النفط.» فعلى الرغم من وفرة الموارد الطبيعية، تواجه اليمن تحديات اجتماعية واقتصادية وسياسية ومشاكل بين الحكومات المحلية المكونة لها. وهذه المشاكل تعيق بدورها الاستغلال الفعّال للموارد النفطية، وهو ما يمنع بالمحصلة النمو الاقتصادي العادل. في هذه المقال نصنف هذه التحديات، رغم الارتباط الوثيق بينها، إلى تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية من جهة، ومشاكل بين المحليات المختلفة في البلد الواحد، من جهة أخرى.
التحديات الاقتصادية تتمثل في اسواق لا يمكن التنبؤ بادائها والاثار الضريبية، و الفساد وسوء ادارة عوائد النفط والغاز وانعدام المساواة الاقتصادية بين المستفيدين من هذه الثروة غيرهم من السكان الذين لا يصلهم خير هذه الثروات .. وفي اليمن التي تعتمد على عائدات النفط بشكل رئيسي كانت اثار الفساد فيه مدمرة و بشكل كبير.
أدت هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، في اليمن، إلى انعدام الاستقرار السياسي. وسبب الإثراء الفاسد للنخب السياسية استياء السكان الذين لا يستفيدون من ثروة النفط والغاز. و لم يلمس اهالي المناطق المنتجة للنفط والغاز فوائد إنتاجها، مما سبب اظهار مواضيع الاقلمة ونزعات الانفصال، لا سيما و الثروات النفطية تتركز في محافظات بعينها و في مناطق معينة في البلاد.
ومن المناسب الاجابة على بعض الاسئلة التي نواجهها في اليمن قبل اي محاولة تسعى لتنظيم قطاع النفط والغاز . أولاً، لمن تعود ملكية موارد النفط والغاز؟ والأهم من ذلك، ما هي الحقوق والواجبات التي ترتبّها الملكية؟ ثانيا، من يمارس إدارة موارد النفط والغاز؟ ويشمل هذا السؤال صلاحيات التعاقد ،والتنقيب، والتطويرً، والتنقيب، والتكرير، والتنظيم، والاستيراد، والتصدير والنقل. ثالثا، ما هي وظيفة هيئة استكشاف وانتاج النفط و شركات النفط الوطنية المتعددة، والمؤسسة العامة للنفط والغاز وما دور وزارة النفط بالاساس .. ولماذا تعددت الشركات الوطنية (صافر، بترومسيلة، وايكوم، شرق سار، شركة النفط، شركة الغاز، شركة التكرير ….) ضمن الهيكل الإداري لوزارة النفط؟ رابعا، كيف يتم تحصيلً عائدات النفط والغاز وتوزيعها؟ ويشمل هذا السؤال قضية هل تم وضع آلياتً مساءلة ورقابة لمنع سوء الإدارة والفساد )وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟؟
وعلى الرغم من ارتباط هذه الأسئلة ببعضها، والتأثير المتعدي للقواعد القانونية والدستورية المصممة لمعالجة كل سؤال منها على قواعد الأسئلة الأخرى، إلا أن دراستها بشكل منفصل تساعد في عزل وتحديد القضايا المعقدة المرتبطة بكل سؤال. وبالتالي فإن مستويات التحليل المتعمق في هذا الخصوص يجب ان يركز على الملكية، والإدارة، وشركات النفط الوطنية، والعائدات؟.
العائدات
تشكل قضية العائدات، ربما أكثر القضايا الخلافية في قطاع النفط والغاز لكون ايرادات النفط والغاز تمثل 85% من الايرادات الرئيسية للحكومة. لذلك تعتبر من القضايا المهمة لواضعي الدستور. حيث يشكل غياب الوضوح والشفافية وضعف العدالة في أمور الإيرادات محددين مهمين لنشوء صراع على الموارد النفطية والغازية وهذا ما يحدث حاليا في شبوة ومارب.
مع انه قد تم عمل حلول آنية من خلال قرار سياسي متأثر بالمشاكل الراهنة، تمثل في منح المحافظات نسبة 20% من عائدات النفط في المحافظات المنتجة الا انها سببت في فساد سلبي اخر داخل اروقة المحافظات وسلطاتها المحلية ولم ينتفع المواطن باي شيئ.
في الواقع، تفتقر اليمن بشكل جذري الى آليات مناسبة لضمان الشفافية والرقابة على العمليات المالية في قطاع النفط والغاز. ويمكن تأسيس، على سبيل المثال، هيئات رقابية (هيئات رقابة مستقلة على النفط مثلاً)، وتحديد إجراءات التدقيق المحاسبي الخارجي وإعداد البيانات والمعاملات المالية (وقواعد الحوكمة ومبادئها مثل الشفافية والافصاح العلني عن أنماط معينة من الوثائق. وفي المحصلة، تساعد جميع هذه الآليات السلطتين التشريعية والتنفيذية في ممارسة مسؤولياتهما الرقابية على قطاع النفط والغاز.
لهذا ينبغي على الحكومة دستورياً أن تقرر مدى مركزية تحصيل وتخصيص عائدات النفط والغاز. وهذا، في جزء كبير منه، قرار سياسي. ويمكن أن يتأثر بناء هيكليات إدارة العائدات باعتبارات مثل التقاليد ،والكفاءة وطبيعة العلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية. في اليمن تتدفق العائدات بشكل رئيسي إلى الحكومة المركزية، وهذا هو الحال خصوصا إذا كانت الحكومات المحلية تفتقر إلى البنية التحتية المالية لمعالجة تدفقات كبيرة من العائدات النًفطية. ولكن على الحكومة تطبيق معايير الحوكمة وزيادة الشفافية وتأسيس آليات رقابة فاعلة لدرء الاختلاف والنزاعات الاقتصادية والتي تؤدي الى صراعات سياسية.
الادارة
إن وضع قواعد ومبادئ تشريعية تنظيمية لادارة وتنظيم موارد النفط والغاز للدولة، يساعد الحكومة والدولة على التغلب على التحديات السابقة، بشئ من التفصيل يمكن الاشارة الى أنه عند مناقشة ادارة الثروات النفطية والغازية يجب تناول بعدين رئيسيين: هيكل الادارة ونظام التعاقد
هنا يجب تطوير هيكل معين للادارة يمنح سلطة الادارة لمستويات محددة في الحكومة ومن ثم حسب ادبيات مختلفة يتم منح صلاحيات الانشطة الادارية المحددة بالدستور باربع طرق مختلفة:
- حصريا للحكومة المركزية (وهذا هو المعمول به في اليمن)
- حصريا لحكومات الاقاليم
- صلاحيات مشتركة بين الحكومة المركزية وحكومات الاقاليم
- صلاحيات منفصلة بين الحكومة المركزية وحكومات الاقاليم
تعتبر الهياكل الادارية ناجحة عموماً اذا حددت بوضوح لا لبس فيه الصلاحيات الممنوحة لجميع الكيانات (مثل أنشطة الادارة العليا المتمثلة بهيئة استشكاف النفط ووزارة النفط المعنيتان بالتنظيم والتعاقدات، والانشطة الصناعية الممثلة بشركات الاستكشاف والانتاج والتكرير والتسويق). ولدرء اي نزاعات يجب وضع آليات تنسيق واضحة من شأنها ان تساعد في تسوية الخلافات والتوترات السياسية التي قد تحدث مستقبلا.
في اليمن، تم ادراج سلطة الادارة في الدستور من خلال المادة (17) والتي اوضحت بإن عقد الامتيازات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة لا يتم إلا بقانون. وهذا يمثل هيكل الادارة الواحدة، والحكومة المركزية هي وحدها ذات الصلاحية في إدارة صناعة النفط والغاز.
اما في حال توزيع الادارة بنظام الاجتزاء او التشاركي فقد ينتج عنه صراعات غير مقصودة بين مستيوات الحكومة والمحليات بسبب تقاطع المسئوليات واذا كان لا بد منه فيجب ان تكون العملية منظمة ضمن اطار تنظيمي واضح يحدد الكيانات وصلاحياتها، بشكل يمنع اي صراعات عميقة مؤثرة في النسيج العام للدولة.
فيما يخص نظام التعاقد، الى جانب الهيكل الاداري، فإنة يجب فصل سلطة الادارة عن ملكية الموارد لما لها من اثار مهمة على نظام التعاقد. فهو يسمح بمشاركة المستثمر الاجنبي والقطاع الخاص في قطاع النفظ والغاز بصفة إدارية.. دون ملكية هذه الشركات الاجنبية والخاصة لموارد النفط والغاز التي تشارك في إداراتها.
الملكية
وهنا نؤكد، إن «المالك» الدستوري لموارد النفط والغاز قد لا يكون المستفيد الرئيسي من عائداتهما، أو المدير الأساسي لهذه الموارد بالفعل. كما أن فصل الملكية عن الإدارة والعائدات يسمح للدستور بضمان الملكية الوطنية للموارد الطبيعية، وفي الوقت نفسه يسمح بازدهار سوق مفتوحة ،وإمكانية الوصول إليها من قبل المصالح الخاصة. من حيث الجوهر، لا ينبغي أن تهدد سوق النفط المصالح السيادية.
لهذا نجد ان الدستور اليمني افرد مواد بعينها موضحا الحق في ملكية الثروات الطبيعية في المادة (7) التي تنص على ان الثروات الطبيعية بجـميع مشتقاتها ومصادر الطاقة الموجودة في باطن الأرض أو فوقها أو في المياه الإقليمية أو الامتداد القاري والمنطقة الاقتصادية الخـالصة ملك الدولة، وهي التـي تكفل استغلالها للمصلحة العامة.
وعند التمعن نجد ان هذه المفاهيم لا تزال تواجه عده إشكاليات منها: ١ -مدى تنظيم النصوص الدستورية لانواع الثروات الطبيعية وتفصيلها؟ ٢ -مدى المعالجة الدستورية للسلطة المختصة دستوريا بإدارة هذا الحق بوصفها الجهة التي تنوب عن الشعب في استغلال الثروات لمصلحته وكذلك القيود الخاصة بالاستغلال وحقوق الامتياز. ٣ -مدى وضوح النصوص الدستورية المنظمة لبعض أنواع الثروات الطبيعية وقابليتها للتأويل والتفسير غير الصحيح والمبهم حول الاسلوب الامثل لتقاسم الثروات. ٤ -المشكلة العملية: وتكمن في مدى امكانية تطبيق النصوص الدستورية المنظمة لهذا الحق على أرض الواقع، بسبب العوامل السياسية والفنية وغيرها ؟ فضلا عن ذلك عدم وجود التشريعات القانونية المناسبة التي تضع النصوص الدستورية موضع التطبيق العملي.
وهنا نقول أن فصل الملكية عن الإدارة والعائدات يقلصّ النزاعات السياسية على الملكية. ورغم أن الحكومة المركزًية، والحكومات المحلية، وشركات النفط الوطنية، والشركات الخاصة والجمهور العام قد لا يتفقون على من يملك موارد النفط والغاز، فإن بالإمكان وضع نظام منفصل للإدارة والعائدات يسمح لواحد أو أكثر من أصحاب المصلحة هؤلاء بتطوير موارد النفط والغاز والاستفادة منها
كما ان الفصل بين الملكية، والإدارة والعائدات يمكّن مالك الموارد النفطية والغازية من أن يتخلى عن سلطة الإدارة وحقوقه في العائدات لمؤسسات أخرى دون التخلي عن الملكية. وهذا يمكّن الحكومات التي تملك موارد النفط والغاز دستوريا من التعاقد مع كيانات أخرى لاستغلال، وتطوير، وحيازة، واستخدام موارد النفط والغاز. هذه العقود، المعدّة وفق تصورات عامة، يمكن ان تتخذ أشكال اتفاقيات إيجار، أو تراخيص، أو أذونات، أو عقود امتياز أو اتفاقيات تقاسم إنتاج. مع ضرورة التركيز على أن العقود لا توجب بأي شكل من الأشكال بالضرورة نقل ملكية موارد النفط والغاز من الحكومة إلى الشركات الخاصة، أو إلى مستويات أو فروع أخرى في الحكومة، أو لكيانات غير حكومية.
وهنا نخلص الى ان الدستور لن يستطيع تجاوز أو منع جميع تحديات لعنة الموارد، لكنه يمكن أن يؤسس آليات من شأنها أن تحد من آثارها. يمكن للدستور، على سبيل المثال، أن يحدد بوضوح لا يشوبه الغموض كيفية تقاسم السلطة على إدارة موارد النفط والغاز بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، وأن يضع آليات لتحقيق التوازن في التنمية بين الأقاليم من خلال عدالة تقاسم العائدات، وأن يقلص مخاطر عدم الاستقرار السياسي عبر توفير آليات لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
*خبير جيولوجي