أوكرانيا واليمن: 3 اتجاهات و4 فروقات جوهرية
وما يسطرون – المساء برس- علي ظافر|
الملاحظ أنَّ صنعاء تكتفي بمراقبة الأزمة الأوكرانية بحذر شديد، وإن كان البعض للوهلة الأولى رحَّب قبل انطلاق العمل العسكري بإعلان موسكو الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك.
شكَّلت العملية العسكرية الروسيَّة في أوكرانيا حدثاً مفصلياً توقَّف عنده العالم، وهيمن على أجندة الإعلام واهتمامات الرأي العام في دول العالم، بما فيها اليمن، رغم أنَّه تحت الحرب والحصار.
لا يمكننا التوقف بالتحليل عند هذا التحول من أبعاده الواسعة، ولكن سنحاول مقاربة الموضوع من منظور يمني بحت، ودراسة نقاط الاختلاف والتشابه بين الحالتين اليمنية والأوكرانية، وعرض وجهات النظر المختلفة من الأزمة المشتعلة في أوكرانيا.
الملاحظ أنَّ صنعاء تكتفي بمراقبة الأزمة الأوكرانية بحذر شديد، وإن كان البعض للوهلة الأولى رحَّب قبل انطلاق العمل العسكري بإعلان موسكو الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، ربما على قاعدة “عدو عدوك صديقك”، بمعنى أنَّ روسيا عدو تاريخي لأميركا، فمن المصلحة الوقوف معها وتأييد خطوتها، باعتبار أنها تمثل ضربة قوية للنظام الدولي القائم على الهيمنة الغربية التي ألحقت الضرر باليمن واليمنيين. وكانت الدول الغربية في صدارة الدول الداعمة والمؤيدة للعدوان على اليمن.
الاتجاه الثاني يرى أنّ زيلينسكي، مثل عبد ربه منصور هادي، دمية في يد الخارج، وأنه أخطأ حين طالب بضم أوكرانيا إلى حلف الناتو (مطلع 2021)، وبما يهدد روسيا، لكنه في المقابل يرى أيضاً أن العملية العسكرية الروسية لا تختلف عن العملية العسكرية للتحالف الأميركي السعودي على اليمن، وأنَّها عدوان على دولة مستقلة ذات سيادة، بهدف تقسيمها وإعادة تشكيل صيغة النظام السياسي فيها، وبالتالي يعتقد أصحاب هذا الاتجاه ألا مصلحة في الانحياز إلى الطرفين، باعتبار موسكو في موقف عدوان، وباعتبار أنَّ حكومة زيلينسكي في الخندق نفسه الذي تقف فيه واشنطن و”تل أبيب”، كما أن زيلينسكي نفسه يهودي، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، وكان قد دعم العدوان الإسرائيلي على غزة واليمن والعراق.
ثمة توجه ثالث يقارب الأزمة تاريخياً وسياسياً، بمعنى أنَّ هناك صراعاً تاريخياً روسياً غربياً ميدانه أوكرانيا هذه المرة، وأن العملية العسكرية الروسية جاءت بعد انسداد الأفق السياسي، وعدم تقديم ضمانات أمنية غربية بعدم تمدد الناتو، وتنصل كييف من اتفاق “مينسك”، في ظل مساعٍ أميركية غربية لضمّ أوكرانيا إلى الناتو والتوسع في الجيوبوليتيك الروسي بهدف تطويق روسيا، وأنَّ الغرب يسعى لتحقيق هذه الاستراتيجية بأساليب ووسائل متعددة، إما بعمل عسكري بالوكالة، كما حصل في جورجيا في العام 2008 بالاعتداء على أوسيتا، أو عمل سياسي، كما حصل في أوكرانيا في العام 2014، بإسقاط الرئيس الأسبق فيكتور يانوكوفيتش الذي كان حليفاً لروسيا، وإعادة صياغة نظام سياسي جديد موالٍ لها، أو من خلال دعم الثورات الملونة، كما حصل في بيلاروسيا في العام 2000، ومؤخراً في كازاخستان.
في المقابل، كانت روسيا تتدخل لإحباط هذه المشاريع الغربية، إما عسكرياً، كما حصل في أوسيتا وبيلاروسيا وكازاخستان، أو سياسياً، كما حصل في العام 2014 بضمّ شبه جزيرة القرم. وأحياناً، كانت تمزج بين العسكري والسياسي، كما هو حاصل اليوم في أوكرانيا، بمعنى أنَّ روسيا تاريخياً في موقع الدفاع عن أمنها ومصالحها في الدرجة الأولى، وعن حلفائها في الدرجة الثانية.
هنا، لا بد من أن نلحظ الفروقات الجوهرية بين الحالة اليمنية والحالة الأوكرانية على النحو التالي:
الحالة اليمنية
– في الحالة اليمنية، هناك مخاوف مصطنعة ومبررات واهية لشنّ العدوان على اليمن، بحجة “إعادة الشرعية”، و”مواجهة النفوذ الإيراني”، و”إعادة اليمن إلى الحضن العربي”، و”الحفاظ على الأمن القومي العربي”، وغيرها من الشعارات التي تبيَّن خلال السنوات الماضية أنها كاذبة ولا أصل لها، وألا وجود لنفوذ إيراني، وأنَّ دول العدوان تخدم مصالح أميركا وبريطانيا و”إسرائيل”، وتتحالف معها علناً. وقد تحدَّث مسؤولون صهاينة عن تقاطع مصالح إسرائيلية – سعودية – إماراتية في العدوان على اليمن.
– رفع شعار “إعادة الشرعية” كهدف معلن، مع شرعيتهم المزعومة تحت الإقامة الجبرية في السعودية، ولكن عبد ربه منصور هادي لم يعد رئيساً شرعياً لعدة أمور، أولها أنه تم تنصيبه بموجب المبادرة الخليجية التي تمت هندستها أميركياً، والتي عدّها غالبية اليمنيين مؤامرة وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية اليمنية، ومؤامرة لمصادرة مطالب ثوار 2011، إذ أعادت تشكيل النظام بأدواته القديمة، وأعادت تقسيم الكعكة على شركاء النظام السابق، وعزلت القوى الثورية الأخرى، وفي مقدمتهم “أنصار الله” والحراك الجنوبي، والثاني أنه تم تنصيب هادي وفق إرادة سعودية أميركية لخدمة مصالحهما، في “انتخابات” شكلية هزيلة بمرشّح وحيد وغير مقبول لدى كل اليمنيين، وأولهم “أنصار الله” والحراك الجنوبي، والأمر الثالث هو غياب “رئيس الجمهورية” عن اليمن لمدة 8 سنوات، ما يسقط شرعيته بموجب الدستور. وبموجب الدستور أيضاً، تسقط شرعيته بحكم أنّه استجلب عدواناً أجنبياً على اليمن دولةً وشعباً؛ عدواناً دمّر اليمن، وقتل اليمنيين، وأتى على الأخضر واليابس.
– الهدف الملموس غير المعلن في الحالة اليمنية هو سيطرة دول تحالف العدوان على القرار السياسي ومنابع النفط وطرق التجارة البحرية والموانئ الاستراتيجية وقضم أراضٍ يمنية جديدة.
– الموقف الروسي في اليمن يختلف عن الموقف في سوريا، بمعنى أنَّ موسكو مرَّرت القرار الدولي 2216، وسمحت لخصوم صنعاء بطباعة عملة غير قانونية، ومن دون غطاء، وهي مرتبطة بميليشيات مناوئة لصنعاء، وتؤثر مصالحها مع الخليج في الموقف السياسي الرافض للعدوان والحصار، وإن كانت قد دعت في كثير من الأوقات إلى تغليب الحل السياسي، وحملت مؤخراً رؤية صنعاء لمعالجة الملف الإنساني، لكن هذا غير كافٍ.
الحالة أو الأزمة في أوكرانيا
– في الحالة الأوكرانية، هناك صراع تاريخي ومحاولات غربية حثيثة لضم أوكرانيا إلى الناتو، وتهديد غربي جدي وملموس بالعين المجردة في المجال الحيوي الروسي، فيما ترى موسكو أنَّها معنية بمواجهة هذا الخطر.
– فولوديمير زيلينسكي الإسرائيلي الهوية، تم تنصيبه رئيساً لأوكرانيا في إثر إعادة تشكيل صيغة النظام السياسي الحاكم في أوكرانيا بأيادٍ أميركية غربية، بمعنى أنه يخدم المصالح الأميركية الغربية، ولا يمثل مصالح أوكرانيا والشعب الأوكراني، بدليل أنه كان يستطيع البقاء على الحياد، بدلاً من المطالبة بالانضمام إلى الناتو، والتنصّل من اتفاقيات “مينسك”، والاعتداء على الدونباس الناطقة باللغة الروسية، ولكنه كان يريد أن يوصل الناتو إلى الحدود الغربية لموسكو.
– الهدف الروسي المعلن هو منع تمدد الناتو، ومواجهة خطر السلاح النووي الأوكراني، وتشكيل حكومة ممثلة لجميع الأوكرانيين. أما غير المعلن، فهو إسقاط زيلينسكي وإعادة صياغة نظام سياسي جديد موالٍ لموسكو أو على الأقل غير موالٍ للغرب.
– العملية العسكرية الروسية لن تطول كثيراً، مثل العدوان الأميركي السعودي على اليمن.
الخلاصة التي أثبتتها الأزمة الأوكرانية أنَّ واشنطن ليست حليفاً جيداً لأصدقائها، وأنها تقاتل بهم ولا تقاتل عنهم، والأحداث التاريخية كثيرة، من فيتنام إلى أفغانستان، وصولاً إلى أوكرانيا، وهو ما يجب أن يستوعبه عملاء أميركا في اليمن والمنطقة والعالم.
الميادين نت