“تقرير” ما الذي تطلبه صنعاء من السعودية؟ وما هو عرضها الجديد؟
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
مؤخراً تسربت أنباء عن أن السعودية عرضت على صنعاء وقف القصف الجوي في بعض المناطق وليس في اليمن بالكامل، كانت تلك تسريبات صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قبل نحو أسبوع من الآن، بعد ذلك نشرت وكالة رويترز أمس نقلاً عن مصادر دبلوماسية إن السعودية فتحت خط اتصال مباشر مع رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط، هذا المجلس يعد بمثابة المجلس الرئاسي، أعلى سلطة سياسية في صنعاء، وكان ما كشفته الوكالة البريطانية متطابقاً مع ما سبقت بكشفه الصحيفة الأمريكية قبل أسبوع، غير أن الرياض وصنعاء لم تتوصلا إلى اتفاق بسبب رفض الأخيرة الرد السعودي المتمثل بوقف الغارات في مناطق معينة فقط، ولهذا شهدنا خلال السبعة الأيام الماضية تصريحات لقيادات سياسية من صنعاء تتحدث عن عدم القبول بأي حلول جزئية أو تهدئة جزئية من طرف السعودية وأن المطلوب هو وقف شامل وكامل للغارات على اليمن في جميع المحافظات.
الواضح أن السعودية تريد الخروج من المستنقع الذي غرقت فيه باليمن، ولكنها تريد التمسك – قدر المستطاع – بأن يكون هذا الخروج مشرفاً لها ولا يجعلها محرجة ولا مجروحة الهيبة أمام العالم نظراً لكونها خسرت الحرب في اليمن، لقد أخطأت السعودية – والسبب في ذلك تهوّر بن سلمان – حين رفعت سقف مطالبها المعلنة بداية الحرب منذ مارس 2015، وهي الآن تعتبر في ورطة إذ أن أي خروج لها من الحرب سيكون اعترافاً بهزيمتها أمام من ظلت تصفهم طوال هذه السنوات بأنهم “مجرد مليشيات ولا يشكلون إلا نسبة 5 بالمائة من سكان اليمن… الخ”.
عرض جديد للسعودية من صنعاء
لقد استطاع القيادي البارز في جماعة أنصار الله وعضو المكتب السياسي للجماعة محمد البخيتي أمس الجمعة حين تحدث لقناة الجزيرة أن يشخص بدقة الحالة السعودية التي هي فيها الآن والتي لم تستطع معها التعاطي مع مبادرة صنعاء الأخيرة والتي أقرت خلالها وقف الهجمات على السعودية بشكل كامل مقابل أن ترد الأخيرة بمبادرة مماثلة، ورغم أن السعودية تدرك جيداً أن صنعاء قدمت لها فرصة ذهبية وأيضاً على طبق من ذهب بمبادرتها الأخيرة، إلا أنها لا تعرف كيف تستغلها من دون أن تبدو منهزمة.
البخيتي قال إن السعودية مشكلتها هي في سقف أهدافها غير المعقولة التي وضعتها لنفسها بداية الحرب، وأشار إلى أن السعودية ستتمكن من التعاطي الإيجابي عملياً مع مبادرة صنعاء إذا ألغت أهدافها السابقة المتمثلة بالقضاء على “الحوثيين” واستعادة “الشرعية”.
بالأمس، يمكن اعتبار أن عضو المكتب السياسي لأنصار الله قدم رسالة مباشرة للسعودية تضمنت عرضاً جديداً من سلطة صنعاء، وهي أن بإمكان السعودية وقف غاراتها على اليمن دون أن تضظر للإعلان عن ذلك”، بمعنى أن الرياض يمكنها أن تنسحب من اليمن دون أن تعلن هذا الانسحاب رسمياً حتى لا تخدش ما تبقى لها من هيبة واحترام في المجتمع الدولي، وإذا كان النظام الحاكم في الرياض يتابع عبر دوائره الإعلامية والراصدة يتابع تصريحات قيادات الحوثيين ويرفع بها إلى أصحاب القرار في الرياض فإن رسالة البخيتي ستصل إليهم، غير أن السؤال هو: هل ستلتقط الرياض هذه الرسالة وتفهمها وتعمل على ضوئها أم لا، وقبل ذلك: هل الرياض مخولة باتخاذ قرار وقف الحرب في اليمن أم أن الأمر لا يزال مرتبطاً بالولايات المتحدة الأمريكية؟.
ما صحة تسريبات “وقف السعودية للغارات بشكل كامل”
تباعاً للتسريبات التي تكشفها وسائل الإعلام العالمية هنا وهناك بشأن التطورات الأخيرة بين اليمن والتحالف السعودي، قالت قناة الميادين اللبنانية إن مصادر أكدت لها أن “التحالف السعودي اوقف الغارات الجوية اليوم بشكل ملحوظ على الجبهات كافة”، ونقلت القناة عن مصادرها إنها تعتبر ذلك بدءاً لسريان “مفعول اتفاقية التهدئة مع السعودية بعد عمليات ارامكو ونصر من الله”.
كما نقلت القناة عن مصادرها إنه “سيتم تشكيل لجان من قبل الطرفين في الايام المقبلة والتأكد من النوايا السعودية”.
مصادر سياسية رفيعة في صنعاء قالت لـ”المساء برس” إن ما نشرته قناة الميادين لا تزال معلومات غير مؤكدة ولم يؤكد أي مسؤول يمني في صنعاء صحة تلك التسريبات حتى اللحظة، وأشارت إلى أن الموقف في صنعاء هو أن “الغارات السعودية الإماراتية على اليمن لم تتوقف لكنها انخفضت”، لافتة إلى أن “التحالف لو شن حتى غارة واحدة في كل أسبوع فإن ذلك غير مقبول بالنسبة لصنعاء وستظل تعتبر الحرب على اليمن مستمرة”.
حتى اللحظة لم تتوقف الغارات السعودية على اليمن، بدليل تصريحات المتحدث باسم الجيش اليمني التابع لحكومة صنعاء العميد يحيى سريع والذي قال أمس الجمعة إن “قوى العدوان تواصل تصعيدها”، وأن السعودية خلال 48 ساعة من تاريخ التصريح قامت بشن أربعة زحوفات مكثفة باتجاه مواقع قوات صنعاء في كل من عسير وجيزان ومديرية نهم القريبة من محافظة صنعاء وقامت بتغطية جوية بالطيران الأباتشي في الحدود وشنت 6 غارات بالمقاتلات التابعة للطيران الحربي في الحدود ونهم.
ذلك يعني أننا أمام 6 غارات جوية للتحالف خلال يومين، وهو ما يؤكد التصريحات التي وردت في تقرير وكالة رويترز من أنه لوحظ انخفاض كبير في الغارات الجوية السعودية على اليمن، لكن.. هل هذا ما تريده صنعاء من التحالف السعودي الإماراتي؟.
ما المطلوب من السعودية؟
وفقاً لمراقبين في صنعاء فإن قيادة السلطة السياسية لا تمانع في أن تخرج السعودية من هذه الحرب مع الاحتفاظ بماء وجهها؟، وأن صنعاء أيضاً مستعدة لمساعدة السعودية لتحقيق ذلك، وهذا التوجه من قبل صنعاء ينبع من دافع “أن السعودية تورطت في هذه الحرب بشكل إجباري” وذلك بالنظر إلى تبعية رأس النظام الملكي الحاكم في الرياض للسياسة الأمريكية بشكل مطلق ورهن القرار السعودي لدى البيت الأبيض، وأن صنعاء لا تنظر إلى السعودية كعدو وإنها أولاً وأخيراً جارة اليمن ودولة عربية إسلامية، وبالتالي ووفقاً لحسابات الجيوبوليتك بالنسبة لصنعاء فإن السعودية أمنها من أمن اليمن الإقليمي وتورطها في علاقات مشبوهة مع العدو الأول للعرب والمسلمين “إسرائيل” هو تهديد للأمن الإقليمي لليمن.
مجدداً يؤكد المراقبون إن صنعاء مستعدة لمساعدة السعودية لتحقيق خروج مشرف ويحفظ ماء الوجه من الحرب باليمن، ولهذا ذهب عضو المكتب السياسي لأنصار الله البخيتي للتصريح أمس الجمعة بقناة الجزيرة أن السعودية بإمكانها وقف الغارات الجوية على اليمن بشكل كامل دون أن تُعلن عن ذلك، هذا المطلب الرئيسي الأول.
المطلب الرئيسي الثاني الذي تنتظره صنعاء من السعودية هو رفع الحصار على اليمن وفتح المطارات وعلى رأسها مطار صنعاء الدولي، وما لم يحدث ذلك فإن صنعاء لن تعترف بأي وقف سعودي للحرب على اليمن حتى وإن أعلنت السعودية وقفها الغارات الجوية بشكل كامل.
قواعد اشتباك تحاول واشنطن والرياض تغييرها
كرد على تسريبات قناة الميادين بشأن وقف السعودية غاراتها على اليمن بشكل كامل، قال محمد البخيتي، إن اللجوء السعودي إلى التسريبات عبر الإعلام بشأن وقف جزئي للقصف الجوي هو من وجهة نظر القيادة السياسية في صنعاء عبارة عن محاولات سعودية لتغيير قواعد الاشتباك.
وقال البخيتي في مقابلة تلفزيونية على القناة ذاتها “ننصح السعودية بعدم المراهنة على تغيير قواعد الاشتباك”، وهي إشارة إلى أن صنعاء لا تزال تقرأ في تفاعل السعودية مع مبادرة صنعاء بهذا الشكل أن الرياض لم تقرر حتى اللحظة الخروج من الحرب باليمن وإنما تريد فقط تحييد اليمن جانباً عن الصراع الإقليمي الدائر في المنطقة بين واشنطن وطهران، وربما تريد الرياض – بدفع من واشنطن – أن تحيّد أنصار الله وسلطة صنعاء عن أي مواجهة إقليمية قادمة، ولو بهدنة جزئية مؤقتة ريثما تنتهي واشنطن من صراعها مع إيران وبعد ذلك تستئنف واشنطن عبر الرياض الحرب ضد اليمن وضد أنصار الله وحلفائهم.
حالة “اللا سلم واللا حرب” في اليمن مرفوضة
الملاحظ والمؤكد أيضاً أن صنعاء استطاعت أن تقرأ بشكل ممتاز طبيعة التعاطي السعودي الأمريكي مع مبادرتها، ولعل ذلك ما يفسر تصريح البخيتي الأخير والذي قال “نقول للتحالف السعودي إن قواعد الاشتباك لن تتغير”، وهذه رسالة واضحة للرياض ومن خلفها واشنطن، مفادها أن اليمن جزء من الإقليم والمنطقة والإيقاف الجزئي والمؤقت للحرب في اليمن ريثما يتم التفرغ لتصفية الملف الإيراني ومن ثم التفرغ لليمن من جديد بعد عام أو عامين أو أكثر هو أمر من المستحيل أن تسمح صنعاء بحدوثه.
كانت رسائل أنصار الله واضحة ودقيقة جداً “لن نقبل بأي طرح من قبيل وقف السعودية جزئيا لغاراتها مقابل وقف كامل لاطلاق النار من قبلنا” و”لن نقبل بأن يكون هناك وقف إطلاق نار جزئي وهذا المنطق مرفوض وينبغي الوصول إلى سلام شامل”.
تريد السعودية – بدفع من واشنطن – أن تزيح اليمن جانباً بشكل مؤقت وإبقائه في المرحلة المقبلة في حالة “لا سلم ولا حرب” فإذا ما وجدت الرياض الفرصة – فيما بعد – لأن تستأنف الحرب على اليمن، فستفعل ذلك مستغلة فرضية أن الحرب في اليمن لم تتوقف وأن التحالف السعودي لم ينهي تدخله العسكري في اليمن وأن ما حدث فقط هو هدنة جزئية مؤقتة، وإذا لم تتمكن من استئناف الحرب على اليمن فعلى الأقل ستكون ضامنة أن التحالف السعودي العسكري لا يزال موجوداً في اليمن ولم ينسحب، وبالتالي إمكانية استئناف الحرب على اليمن في أي وقت ومتى ما حانت الفرصة، وبالتأكيد فإن هذه الفرصة متوقفة على ما ستؤول إليه الأمور سياسياً أو عسكرياً فيما يخص الصراع الأمريكي الإسرائيلي مع إيران، ولذلك وردت في تصريحات البخيتي أن “على السعودية أن تفهم أن اليمن لن يقبل بوضع تكون فيه البلاد في حالة اللا سلم واللا حرب”.