هل قرأتم ما كتبه مراسل نيويورك تايمز عن مهمته في اليمن مؤخراً
وكالات – المساء برس| نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً لمراسل الصحيفة في القاهرة والذي تم ابتعاثه إلى اليمن لإجراء جولة صحفية استمرت أكثر من شهر اطلع فيها الصحفي على الوضع في المناطق التي تديرها حكومة صنعاء من الناحية الإنسانية وعن الأسباب التي أدت إلى عدم هزيمة المجتمع المحلي في مناطق سيطرة الحوثيين أمام الحرب الاقتصادية التي قادها التحالف ضده.
يقول التقرير الذي كتبه مراسل “نيويورك تايمز” ديكلان وولش، نقلا عن عامل الإغاثة الذي عمل في اليمن منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويدير الآن أطباء بلا حدود في مدينة المخاء، ثيري دوراند، قوله: “الناس يقولون إن اليمن في حالة فوضى، لكنه ليس كذلك.. لا تزال هناك هيكلية”.
وحسب ترجمة “عربي21″ للتقرير، يضيف دوراند”لا يمكنك اختصار الأمر في ثلاثة أسطر في صحيفتك، أو أن تصفه في ثلاث دقائق على التلفاز.. هذه البلد مهيكلة بحسب العائلة والقبيلة والعادات، وبالرغم من كل شيء لا تزال تلك الهياكل موجودة وقوية”.
وتستدرك “نيويورك تايمز” بأنه مع ذلك، فإن المجتمع اليمني خربته الحرب، فالغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية، بمساعدة القنابل الأمريكية، قتلت آلاف المدنيين، وحولت المزيد إلى نازحين، إلا أنه بالنسبة لمعظم اليمنيين فإن الحرب تدمر حياتهم بطريقة أهدأ وأكثر خبثاً.
ويفيد الكاتب بأن الغارات التي تستهدف الجسور والمصانع تقتل الوظائف، وتتسبب بانهيار العملة وارتفاع الأسعار، مجبرة العائلات على التوقف عن أكل اللحوم، ثم الخضار، ثم الاعتماد على المساعدات الدولية، وفي أسوأ الأحوال اللجوء إلى أكل أوراق الشجر المغلي، مشيرا إلى أن الناس لا يستطيعون الحصول على أشياء صغيرة، لكن ضرورية، مثل أجرة “تاكسي”.
ويقول وولش: “عندما سرنا في السيارة بعد مغادرة المستشفى الصغير في أسلم، حيث كانت تعالج أمل حسين، مررنا على زوجين معهما رضيع، يحاولان إيقاف سيارة، فتوقفنا وحملناهم معنا، وحشروا أنفسهم في المقعد بجانب السائق، الأب، خليل هادي، الذي تغطيه عباءة زوجته هناء، وهي تحمل ابنهما وجدان، البالغ من العمر 9 أشهر، وقد تم إخراجه من قسم سوء التغذية”.
وينوه التقرير إلى أن بيت هذه العائلة كان بالقرب من الحدود السعودية، وتعرض للقصف، ولذلك استأجروا غرفة بالقرب من أسلم، وحاول هادي كسب قوته بالعمل سائق دراجة نارية وفي الاحتطاب، إلا أن ذلك لم يكن كافيا، فحاولوا العودة إلى بيتهم، لكن الجنود الحوثيين قالوا لهم إن المنطقة لا تزال منطقة عسكرية، وتحول غذاؤهم إلى خبز وشاي، وزوجته حامل في شهرها الرابع بطفلهما الثاني.
وبحسب الصحيفة، فإن هادي لم يبحث عن مساعدات، حيث قال إن “الكثير مثلي يعانون.. أنا مستعد للقيام بأي شيء لكسب بعض النقود.. فالوضع صعب جدا”.
ويقول الكاتب: “على أحد التقاطعات في الشارع نزل الزوجان وشكرانا، ومشيا بعيدا، مددت يدي بجيبي ودعوتهما.. أخرجت أوراقا نقدية يمنية -قيمتها حوالي 15 دولارا- ووضعتها في يده، بدا هذا الأمر غير مجد .. فماذا عساها تشتري لهم؟ ربما تريحهم أياما”.
ويقول وولش: “يقوم الأطباء بأخذنا في جولة، وأحيانا ينتهي بنا الأمر نتصرف مثلهم -يفحصون الأطراف الأشبه بالعصي والجلد المترهل منفصلين بعواطفهم، ويسجلون في الجداول الأرقام حول العمر والوزن، ويستمعون للعائلات يروون مأساتهم بهدوء مذهل، ويناقشون احتمال الوفاة، ونهز رؤوسنا بحكمة ونسجل ملاحظاتنا ثم نستمر في الجولة”.
ويضيف الكاتب: “مع أننا نحاول أن نقلد الحجارة، إلا أننا لسنا حجارة، وكل يوم في اليمن يخبرني أحدهم شيئا فتخنقني العبرة، وعادة بسبب تفصيل مادي، مثل عدم توفر دولارات قليلة لنقل طفل مريض للمستشفى، يكتشف الشخص أن اليمن يموت فيها الناس لعدم توفر أجرة (تاكسي)، بالإضافة إلى أن تضاريس اليمن صعبة أيضا”.
ويواصل وولش قائلا إنه في الوقت الذي يموت فيه البعض في اليمن، إلا أن آخرين يستمرون في حياتهم، “عدنا يوما إلى فندقنا في حجة، وهي بلدة محاطة بالتلال الصخرية في محافظة تعرضت للغارات الجوية السعودية، وبينما كنت مستلقيا في فراشي أفزعني صوت انفجار، وضوءا ملأ السماء، ليس قنبلة ولكن ألعاب نارية”.
ويشير التقرير إلى أن معدلات الزواج في اليمن زادت منذ بدء الحرب، ولذلك ففي هذه البلدة التي يموت فيها الرضع من سوء التغذية في المستشفى، هناك آخرون يحتفلون ويرقصون طول الليل، مستدركا بأن الارتفاع في معدلات الزواج هو أيضا آلية بقاء.
وتبين الصحيفة أن اليمنيين من الطبقات جميعها ينحدرون نحو الفقر، ففي الوقت الذي كانت فيه الأم سابقا تشتري كيسا كبيرا من الأرز لتغذية عائلتها، فإنها لا تستطيع الآن سوى شراء كيس صغير، مشيرة إلى أن تزويج البنت يعود بالمال، فيصبح التزويج مصدرا للدخل للعائلة المحتاجة.
ويجد الكاتب أن ما يثير القلق هو أن معظم العرائس لم يبلغن الثامنة عشرة من العمر، فبحسب اليونيسيف فإن ثلثي الفتيات يزوجن تحت سن 18 عاما، بعد أن كانت هذه النسبة 50% قبل الحرب.
ويقول وولش: “قطعنا اليمن من ميناء الحديدة إلى الجبال التي يسيطر عليها الحوثيون، في رحلة طولها 900 ميل، ورأينا المعاناة التي تحطم القلب تتكشف على خلفية جبال جميلة وعادات متجذرة تعيش بالرغم من كل شيء”.
ويضيف الكاتب: “كل يوم، تزدحم مراكز البلدات بالرجال الذين يشترون القات، وتعد أسواق القات مكانا للتفاعل الاجتماعي، حيث يجتمع الرجال، بعضهم بنادقهم على أكتافهم، ويتبادلون الأخبار ويلتقون بالأصدقاء ويحضرون لجلسات تخزين القات، وحتى مع المجاعة فإن البعض يتردد في التقليل من هذه العادة”.