المعطيات العسكرية الأخيرة ومؤشرات المرحلة المقبلة بالساحل الغربي
الحديدة – المساء برس| أن يدفع التحالف السعودي الإماراتي بـ15 ألف مسلح معظمهم من الجنوبيين إلى الحديدة بهدف تطويقها والاستيلاء على مينائها الاستراتيجي قبيل انعقاد المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية في أوروبا قبل نهاية نوفمبر الجاري وتكون هذه القوة الضخمة أمام أعداء قليلة من قوات صنعاء، وأن يمضي أسبوع على انطلاق العمليات العسكرية دون تحقيق التحالف أي تقدم ميداني يذكر مقارنة بحجم الخسائر البشرية التي تعلنها قوات الإنقاذ وتعترف بها وتؤكدها أسر وعوائل القتلى الجنوبيين، فذلك يعني أننا أمام معطيات عسكرية يجب إعادة النظر فيها وقراءتها بتمعن لمعرفة ما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية لكل طرف في قادم الأيام.
-
أولاً: القوة البشرية لكل طرف
وفق ما أعلنه التحالف فإن القوات التي جهزها للهجوم على الحديدة للمرة الرابعة أو الخامسة تبلغ 15 ألف مقاتل معظمهم من ألوية العمالقة الموالية للإمارات وقوامها بالكامل من الجنوبيين يليهم قوات من الجيش السوداني وفي الترتيب الثالث تأتي الجماعات المسلحة التي شكلها طارق صالح بعد هروبه من صنعاء.
وفي مقابل ذلك استطاعت قوات صنعاء حشد مقاتلين قبليين مساندين للقوات العسكرية الرسمية هذا الحشد بلغ بعد عيد الفطر الماضي قرابة الـ10 آلاف مقاتل متطوع وبالتأكيد فإن التهدئة التي حصلت في جبهة الساحل خلال الفترة الماضية دفعت بالمتطوعين القبليين إلى العودة إلى محافظاتهم وقراهم، ومع التصعيد الأخير للتحالف في الساحل، فمن الطبيعي أن تكون عودة هؤلاء المتطوعين إلى الساحل بطيئة نوعاً ما وهو ما يشير إلى أن العدد قد نقص، وتقديراً يمكن القول إن المقاتلين القبليين انخفضوا إلى النصف أي 5 آلاف مقاتل.
وحسب مصدر عسكري رفيع في وزارة الدفاع بصنعاء تحدث لـ”المساء برس” بالقول إن “التعزيزات المساندة لقوات الجيش من المتطوعين الشعبيين إلى الجبهات المشتعلة لا يتم إدخالهم إلى مناطق الاشتباك ولا حتى الخطوط الخلفية”، مضيفاً إن “هؤلاء المقاتلين يتم توزيعهم في آخر الصفوف وأحياناً كثيرة فإن المساحة الكبيرة الفاصلة بينهم وبين الخطوط الأمامية للجبهة كبيرة جداً لدرجة يصعب معها حتى سماع الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة”.
واستناداً إلى معلومات المصدر العسكري فإن القوة العسكرية لقوات صنعاء لا يمكن احتسابها مع المساندين الشعبيين في الخطوط الأخيرة، وفيما لم يكشف المصدر عن حجم قوات صنعاء المشتركة في عمليات الساحل الغربي لمواجهة زحف التحالف الذي تقوده الإمارات، رجحت مصادر مطلعة على الأوضاع الميدانية في الحديدة أن تكون قوات الإنقاذ أقل بكثي من قوات التحالف.
المصدر المحلي بالحديدة الذي تحدث لـ”المساء برس” أشار إلى أن قوات التحالف ورغم الدعم العسكري التسليحي المتطور إلا أنه “لا يمكن اعتبارهم جيشاً نظامياً على عكس قوات الحوثيين التي يبدوا أنها مدربة تدريباً عسكرياً قوياً وقتالهم في المعارك يؤكد أنهم يقاتلون باستراتيجية جيش نظامي متكامل ولهذا فإنه ورغم أعدادهم القليلة إلا أن قتالهم الفعّال يمكنهم من تحقيق نتائج إيجابية لصالحهم بأقل الخسائر البشرية وأحياناً بدون خسائر”.
-
التقنيات في العتاد العسكري
بالتأكيد لا وجه للمقارنة بين التسليح الذي يمتلكه التحالف والتسليح الذي تمتلكه قوات حكومة الإنقاذ، وعلى رأس التفوق في العتاد العسكري للتحالف امتلاكه للأجواء والطيران الحربي بكافة أنواعه “المقاتلات الحربية وطائرات الأباتشي وطائرات الرصد الجوي بدون طيار”.
إضافة إلى ذلك يمتلك التحالف إمكانية التحرك بالآليات العسكرية في المناطق المفتوحة وفي خطوط الاشتباك الأمامية يتم تقديم المدرعات الأمريكية من نوع “أوشكوش” المضادة للألغام حسب مواصفاتها المنشورة في الموقع الرسمي، ولا يقاتل المسلحون الجنوبيون بشكل فردي أو بدون مدرعات عسكرية، في مقابل ذلك فإن من يقاتلون في الخطوط الأمامية من قوات الإنقاذ لا يمتلكون آليات عسكرية وكل فرد منهم يواجه بسلاحه المتوسط والخفيف المدرعة العسكرية الإماراتية ومن بداخلها.
أكبر ما يمكن أن تقاتل به قوات الإنقاذ من أسلحة هي المعدلات المحمولة على الأطقم مختلفة العيارات والصواريخ الكتف الحرارية وقذائف (RBG) والبنادق الكلاشنكوف، بينما نجد أن مسلحي الطرف الآخر يمتلكون – إضافة إلى ما سبق ذكره من أسلحة متوسطة – المدرعات العسكرية التي تحميهم من بنادق ومعدلات قوات الإنقاذ والتغطية الجوية بالطيران ورغم وذلك يستطيع فرد فرد واحد من قوات صنعاء وقف تقدم 3 مدرعات عسكرية بمن فيها وتدميرها في الميدان أو إجبارها على التراجع واللافت أن ذلك يحدث حتى وإن كان للطيران الأباتشي والرصد الجوي مشاركة قوية في الميدان.
-
العقيدة القتالية
تدرك القوات الإماراتية أن إقحامها للجنوبيين للقتال في الساحل الغربي لن يكون له أي جدوى عسكرية ولن تحقق أي تقدم والسبب في ذلك هو السمعة السيئة للإمارات جنوب اليمن والتي عززت من قناعة الشارع الجنوبي أن الإمارات تستخدمهم فقط لتحقيق أهدافها، ذلك أولاً، وثانياً لعدم وجود عقيدة قتالية تحفز المقاتلين الجنوبيين للقتال في مناطق غير مناطقهم فهم لا يقاتلون دفاعاً عن بلادهم من غزاة أجانب ولا يقاتلون دفاعاً عن مدنهم الجنوبية من مقاتلين محليين ولكنهم من مناطق أخرى ولا يقاتلون ضمن صراع قبلي بين قبيلة وأخرى، إنما يقاتلون بدافع الحصور على المال من الإماراتيين الذين يتعمدون تدمير الوضع الاقتصادي لمعظم الجنوبيين من أجل دفعهم للقتال مقابل حصولهم على المال.
لكن ذلك لا يمثل عقيدة قتالية كافية لضمان قبول الجنوبيين القتال ضد قوات صنعاء في الساحل الغربي أو الحدود الشمالية لليمن.
وحسب قيادي جنوبي بارز كان يقاتل مع الإمارات في الساحل الغربي قبل انسحابه من القتال استجابة لدعوة زعامات قبلية في منطقة الصبيحة بلحج، كشف لـ”المساء برس” إن القوات الإماراتية تخضع المسلحين الذين تستخدمهم في معاركها حيث تخصص معظم فترة الـ30 يوماً قبل إرسالهم للمعركة لإخضاعهم لسماع محاضرات دينية متشددة تحضرهم على القتال ضد الحوثيين بوصفهم “كفار ومجوسيين”.
ويضيف المصدر الذي طلب عدم كشف هويته إن المقاتلين الجنوبيين يتم تعبئتهم بأفكار مغلوطة عن الحوثيين “وعلى سبيل المثال يتم تحريض الجنوبيين بأن الحوثيين ليسوا مسلمين وأنهم لا يعترفون بالقرآن الكريم ولديهم قرآن آخر وأنهم يسبون صحابة رسول الله ولا يصلون كما نصلي وأنهم ينكرون الاعتراف بالنبي ويزعمون بأن الإمام علي هو النبي وليس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم”.
وكشف المصدر أن هذه المحاضرات الدينية يتم تكثيفها للمقاتلين الذين يتم إرسالهم إلى قاعدة عصب الإماراتية بأرتيريا بينما التدريب العسكري لا يتم إلا على كيفية استخدام الأسلحة الخفيفة كالبنادق العادية وبهذا يتم تحفيز هؤلاء المقاتلين للقتال والاندفاع إلى الخطوط الأمامية للجبهة دون معرفة المنطقة أو التدريب الكافي وهو ما يوقعهم فريسة سهلة لقوات الطرف الآخر التي تقاتل بعقيدة الدفاع عن الأرض والعرض الذي يمكن أن يستباح كما حدث مثلاً في الخوخة وعدن”.
ويؤكد المصدر أن “الإمارات تستعين بمشائخ سلفيين سعوديين متشددين من التيار الوهابي وتدفع لهم مبالغ كبيرة لتحفيز المقاتلين الجنوبيين للقتال ضد الحوثيين ولتكثيف المحاضرات الدينية التي تغرس في نفوسهم روح الانتقام من الحوثيين وبلا رحمة”، مضيفاً إن ما حدث مؤخراً في الساحل الغربي عبر تدمير أقدم مساجد المدينة الأثرية على الساحل والبالغ عمره أكثر من 1200 عام بحجة أنه كفر وشرك ويجب التخلص منه، يؤكد أن من تستخدمهم الإمارات للقتال في الساحل “أصبحوا من الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تعتبر أن كل ما تجده أمامها في المعركة يجب قتله وأن النساء في أي منطقة يتم السيطرة عليها هن عبارة عن سبايا وغنائم حرب يجوز الاستمتاع بها – اغتصابها – لأنها أصبحت مملوكة لهذا المقاتل حسب معتقدهم الذي يتم تعبئتهم به”.
-
النتيجة
من المؤكد أن السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها – إن تحققت للتحالف – فستكون مكلفة جداً، وبعد أن تنتهي دفعة الـ15 ألف مقاتل ويتم تحضير دفعة أخرى تقدم نفس الخسائر البشرية وحينما تكون قد حققت تقدماً تكون قواتها قد استنفدت ما لديها من أفراد وحينها تكون قوات صنعاء قد اكتملت من تخريج دفعات عسكرية جديدة ودربتها وهيأتها لقيادة معركة استعادة ما سيطر عليه التحالف الذي سيكون حينها قد خسر كل قواته ولم يعد لديه ما يكفي للتصدي لأي زحف عسكري من قوات صنعاء، وحينها تعلن صنعاء استعادة الحديدة ومينائها بين ليلة وضحاها، وعادت الأمور كما كانت عليه في السابق مع فارق بسيط هو أن قوات صنعاء خسرت فرداً واحداً فقط أمام خسارة الإمارات لـ15 فرداً جنوبياً رخيص الثمن.