مؤشرات خطيرة جداً تضمنتها إحاطة لوكوك لمجلس الأمن يوم أمس عن اليمن
نيويورك – المساء برس| حصل “المساء برس” على نسخة مترجمة من إحاطة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك، في جلسة مجلس الأمن الدولي يوم أمس التي انعقدت بشأن الوضع في اليمن.
وتكشف الكلمة أن الوضع الإنساني في اليمن بات خطيراً جداً أكثر من أي وقت مضى، حيث حذر لوكوك هذه المرة المجتمع الدولي مما يحدث في اليمن، مستخدماً مصطلحات وتحذيرات شديدة اللهجة وأطلع مجلس الأمن على معلومات وأرقام ومؤشرات لم يسبق أن طرحها وفصلها بهذا الشكل، مما يشير إلى أن الوضع هذه المرة مختلف تماماً عن التحذيرات السابقة.
وفيما يلي يسرد “المساء برس” كلمة مارك لوكوك كما وردت.
في 21سبتمبر حذرتكم من أننا خسرنا المعركة ضد المجاعة في اليمن.
ومنذ ذلك الوقت أصبح الوضع أسوأ من قبل.
ولهذا السبب، وكما هو مطلوب في قرار مجلس الأمن ،2417الذي اعتمدتموه في مايو من هذا العام، فقد أصدرنا المذكرة
البيضاء التي تم توزيعها في أواخر الأسبوع الماضي. وتماشيا مع التزاماتنا بموجب قراركم، فإن إحاطتي اليوم تركز على خطر
المجاعة.
سيدي الرئيس
أصبحت المجاعات نادرة جدا في عصرنا الحديث. بعد ان كانت سابقا منتشرة في كل مكان. وكانت شائعة نسبيا في جميع أنحاء
العالم لأكثر من % 99من تاريخ البشرية. وهذا يحسب بشكل مذهل للتقدم في عصرنا هذا الذي تم فيه الإعلان عن مجاعتين فقط
خلال العشرين سنة الماضية. حيث أودت مجاعة بحياة ربع مليون شخص صومالي في عام 2011م. والمجاعة المحلية في العام
الماضي التي آذت عشرات الآلاف من السكان في جنوب السودان. وهذا الإنجاز المحقق مؤخرا يجعل ما نواجهه الآن في اليمن
أمرا مروعا للغاية.
يتم الإعلان عادة عن المجاعة عند تجاوز الخطوط الطارئة المحددة لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد والوفيات جميعها
في آن واحد. هذه الخطوط الثلاثة هي:
أ. أسرة واحدة من كل خمس أسر تواجه نقصا شديدا في الغذاء.
ب. أكثر من %30بين الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية (هزال).
ت. وفات شخصين على الأقل من كل 10,000شخص يوميا.
وقد أكدت التقييمات التي أُجريت قبل عام من الآن أن 107مديريات من أصل 333مديرية في اليمن تواجه خطر المجاعة بسبب
تجاوز خطين طارئين من خطوط تحديد المجاعة آنفة الذكر أو اقتراب التجاوز في هذه المديريات. ويجري حاليا القيام بتقييم آخر
في كل أنحاء البلد ومن المتوقع ظهور نتائج التقييم في منتصف شهر نوفمبر.
وكان من الصعب تحديد الوضع بشأن الخط الثالث، والمتعلق بعدد الوفيات الناجمة عن الجوع أو الامراض المتعلقة بالجوع.
وفي حين يصعب جمع البيانات المتعلقة بالوفيات وتثليثها، يشير العاملون في مجال الصحة إلى العدد المتزايد من الوفيات
المرتبطة بالعوامل المرتبطة بالتغذية.
نحن نعلم أيضا أن العديد من الوفيات خفية. تعمل فقط نصف المرافق الصحية – والكثير من اليمنيين فقراء جدا للوصول إلى
المراكز التي ما زالت مفتوحة. عدم القدرة على الوصول إلى الرعاية تؤدى الى وفاة السكان في منازلهم غالبا. عدد قليل جدا من
الأسر يبلغ عن هذه الوفيات. وكثير من الوفيات غير مسجلة.
وفي نهاية العام الماضي، قدرت وكالة إغاثة أن 130طفلا دون سن الخامسة يموتون يوميا بسبب الجوع الشديد والمرض. ما
يقرب من 50,000طفل سنويا.
وبينما ننتظر نتائج التقييمات الجارية، فإننا نعلم فعليا أن عاما آخرا من الحروب والأزمة الاقتصادية دفع الملايين من اليمنيين
نحو المجاعة.
لذا، لكي أكون واضحا، فإن تقييمي – نصيحتي لك – هو أن هناك الآن خطرا واضحا وحاضرا من مجاعة كبيرة وشيكه ستجتاح
اليمن: أكبر بكثير من أي شيء واجهه أي مهنيين يعملون في هذا المجال خلال حياتهم العملية.
سيفكر بعض الناس – حتى بعض منكم – ليقولوا: “انتظروا دقيقة واحدة، ألم يخبرونا بذلك من قبل ولم يحدث شيء؟”.
هذا صحيح. لقد حذرنا من المجاعة في اليمن في بداية العام الماضي، كجزء من دعوة الأمين العام للعمل التي أشارت أيضا إلى
الخطر في الصومال وجنوب السودان وشمال شرق نيجيريا. ساعدت الاستجابة – وهي زيادة هائلة في جهود الإغاثة المنسقة
للأمم المتحدة – في تخفيف أسوأ تأثير للأزمة.
لقد وجهت تحذيرا مماثلا عندما أطلعتكم في 8نوفمبر من العام الماضي على الأثر المحتمل للحصار الاقتصادي الذي فرضه
التحالف للتو بعد الهجمات الصاروخية من الرياض على اليمن. تم رفع الحصار واستؤنفت الواردات من المواد الغذائية والوقود
والأدوية عبر موانئ البحر الأحمر.
ما أخبركم به اليوم هو أن الوضع الآن أخطر بكثير من أي من هاتين المناسبتين السابقتين.
لماذا هذا؟
أولا بسبب العدد الهائل من الأشخاص المعرضين للخطر. في الإحاطة الذي قمت به لكم الشهر الماضي، قلت إن 3.5ملايين
شخص إضافي من المحتمل أن يصبحوا ممن يعانون من شدّة انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى أن 8ملايين نقوم حاليا بدعمهم
شهريا من خلال جهود الاستجابة المنسقة للأمم المتحدة. أي بإجمالي حوالي 11مليون شخص.
هذا ما قلته في 21سبتمبر. نعتقد الآن أن التقديرات كانت خاطئة. إن تقييمنا بعد المراجعة ونتائج العمل المسحي الجديد والتحليل
اظهرت هي العدد الإجمالي للأشخاص الذين يواجهون ظروف ما قبل المجاعة، أي اولئك الذين يعتمدون بالكامل على
المساعدات الخارجية من أجل البقاء، والتي قد لا تكون فقط 11مليون بل قد تصل إلى 14مليون نسمة. وهذا هو نصف مجموع
سكان البلد.
ثانيا، ما وراء الأعداد الهائلة، لايزال ملايين من السكان يعيشون على المساعدات الغذائية الطارئة منذ سنوات. المساعدات التي
يحصلون عليها كافية فقد للحفاظ عليهم أحياء. وليس لرفاههم. فالعدد كبير جدا بشكل لا يحتمل. حرفيا نجزم بانهيار نظام المناعة
لدى ملايين من الأشخاص الذين يتم دعمهم للبقاء على قيد الحياة لسنوات متواصلة، مما يجعلهم – وخاصة الأطفال والمسنين –
أكثر عرضة للإصابة بسوء التغذية والكوليرا والأمراض الأخرى.
في الشهر الماضي، شرحت التطورات الأخيرة التي أدت إلى تعميق الأزمة: أولا اشتداد المعارك والقتال حول الحديدة، مما أدى
إلى اختناق شريان الحياة الذي تعتمد عليه عملية المساعدات والواردات التجارية. والثاني الانهيار الأخير للاقتصاد.
ما الذي حدث منذ ذلك الوقت بشأن هاتين المسألتين؟
تواصلت الاشتباكات العنيفة في الحديدة، بما في ذلك القتال المكثف والقصف والغارات الجوية على مدينة الحديدة على مدار
الأيام القليلة الماضية. أُجبر أكثر من 570,000شخص على مغادرة منازلهم في محافظة الحديدة منذ تصعيد القتال في منتصف
يونيو. بسبب الاشتباكات المستمرة، لا يزال الطريق الشرقي من مدينة الحديدة إلى صنعاء مغلقا، مما يؤثر على التجارة والقوافل
القادمة من الموانئ الرئيسية التي تخدم جميع المراكز السكانية في شمال اليمن. اثّرت الصدامات المستمرة على قدرة الوصول
إلى المطاحن التي بها ما يكفي من الحبوب لإطعام 3.7ملايين شخص لمدة شهر كامل كما تم الدخول إلى واحتلال العديد من
المستودعات الإنسانية خلال مدة أكثر من شهرين.
يواصل أطراف النزاع انتهاك القانون الدولي الإنساني. منذ أواخر مايو، حيث تم تسجيل أكثر من 5,000انتهاك منفصل، منهم
عدد كبير من الضحايا المدنيين كما تم تدمير أو إلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية الحيوية بما في ذلك المستشفيات وأنظمة
الكهرباء والمياه والأسواق والطرق والجسور.
إن التأخير في إصدار التأشيرات والقيود المفروضة على استيراد المعدات والبضائع ومنع التصاريح والتدخل في عمليات التقييم
الإنساني والتدخل في المراقبة وغيرها من العوائق كلها عوامل تحد من قدرة الوكالات الإنسانية على توفير المساعدات المنقذة
للأرواح المدنيين الأبرياء.
في غياب الوقف للأعمال القتالية، وخاصة حول الحديدة، حيث أدى القتال الدائر لأكثر من أربعة أشهر حتى الآن إلى الإضرار
بالمرافق والبنية التحتية الرئيسية التي تعتمد عليها عملية الإغاثة، وبالتالي سيتم إجهاد جهود الإغاثة بكل بساطة. لقد حان الوقت،
بالتأكيد، لجميع الأطراف الانتباه إلى هذه التحذيرات.
فيا يتعلق بالاقتصاد، فإن المشكلة المركزية وكما أوضحت في الشهر الماضي، هي أن اليمن يعتمد بشكل كلي تقريبا على
الواردات من الغذاء والوقود والأدوية. كما أن صرف العملات الأجنبية الموجود – وهو القليل المتبقي من أموال صادرات النفط
والتحويلات التي يرسلها اليمنيون المغتربون خارج البلاد والمساعدات الدولية – وهو ببساطة غير كاف لتمويل مستويات كافية
من الواردات لدعم السكان.
منذ عام ،2015تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة .%50أكثر من 600,000وظيفة تم تسريح موظفيها. لم يتلق مئات
الآلاف من موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين مرتباتهم بانتظام منذ أواخر عام 2016م. وأكثر من 1.5مليون أسرة توقف تلقيها
للدعم المقرر لها من الشبكات الحكومية للضمان الاجتماعي. أكثر من %80من اليمنيين يعيشون الآن تحت خط الفقر.
كان الانهيار في الاقتصاد المحلي جزئيا – جزئيا فقط – حيث كانت جهود المعونات تخفف من وطأته، بما في ذلك التمويل
السخي هذا العام من الخليج والولايات المتحدة والدول الأوروبية والمانحين الآخرين والذي سمح للأمم المتحدة وشركائها بتحقيق
تقدم كبير في جهود الإغاثة.
تقوم وكالات الإغاثة بتنفيذ أكبر عملية إنسانية في العالم في اليمن. حيث تعمل أكثر من 200منظمة من خلال خطة الأمم المتحدة
للاستجابة الإنسانية وهذا العام تقدم المساعدات في جميع المديريات البالغ عددها 333مديرية. هناك حوالي 8ملايين شخص
يتلقون المساعدات المنقذة للأرواح كل شهر.
ولكن لأن عملية الإغاثة لا يمكن أن تلبي جميع الاحتياجات لكل اليمنيين، فقد دعوت الشهر الماضي إلى ضخ العملات الأجنبية
بشكل عاجل وكبير وإلى استئناف دفع معاشات المتقاعدين ومرتبات موظفي القطاع العام مثل المدرسين والعاملين في المجال
الصحي.
أجريت نقاشات بناءة حول هاتين القضيتين، وهناك دلائل على الحصول على المزيد من الدعم خاصة من دول الخليج. إن
الإعلان اليوم عن توفير المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة 70مليون دولار أمريكي لتغطية حوافز 135,000
من المعلمين والمعلمات في جميع أنحاء البلد، أمر ذو أهمية. ومع ذلك، أخشى أن يكون تخطيط العمل لبقية في هذه المجالات
بطيء وأقل من اللازم بما يمكن أن يغير خطر المجاعة. ندائي الان هو أن يعالج المعنيين هذا الأمر كمسألة ملحة للغاية.
في الوقت نفسه، يبدو أن الحكومة اليمنية تخطط لمزيد من القيود على التجار الذين يستوردون السلع الأساسية .
التجار الذين يحاولون استيراد الست سلع الأساسية – القمح والأرز والسكر والحليب وزيت الطبخ والوقود – تم إخبارهم بذلك
نتيجة لوجود لوائح حكومية جديدة تنص ان عليهم فتح اعتمادات لدى البنك المركزي. ولكن لم يتم فتح سوى عدد قليل من
الاعتمادات منذ شهر يونيو ومعظمها تم في الأيام القليلة الماضية.
إنفاذ هذه اللوائح أحدث تبعات مثيرة للقلق. تم رفض دخول سفينتين إلى اليمن تحملان 29,000طن من الوقود بناء على طلب
الحكومة في الأيام الأخيرة. وقد شرحت لكم تأثير نقص الوقود الشديد في الشهر الماضي: إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن
خدمات مرافق المياه والصرف الصحي سوف يتم تقليصها أو توقفها بالتأكيد.
أعلنت الحكومة عزمها على توسيع نطاق تطبيق اللوائح الجديدة على الواردات الغذائية اعتبارا من 9نوفمبر. وما لم يتم اتخاذ
خطوات لتسريع العملية أو التخلي عن هذه الشروط الجديدة، فإن الواردات من السلع الغذائية الأساسية والوقود يمكن حسب
تقديرنا أن تنخفض إلى النصف.
وهذا، لأسباب سبق وشرحها، هو ناقوس الموت لعدد لا يحصى من المدنيين الأبرياء ومعظمهم من النساء والأطفال.
لذلك، سيدي الرئيس،
أدعو جميع الأطراف المعنية ذات المصلحة إلى بذل كل ما يمكن لتجنب الكارثة. نحن نسعى بشكل عاجل للحصول على دعمكم
في خمس أولويات.
أولا: وقف الأعمال القتالية على جميع البنى التحتية والمرافق وما حولها والتي تعتمد عليها عمليات الإغاثة والمستوردين من
التجار. إن وقف إطلاق النار الإنساني يتماشى مع التزامات أطراف النزاع بتأييد القانون الإنساني الدولي وبذل كل جهد ممكن
لحماية المدنيين لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية. وكما أوضحنا من قبل، فإن الأمم المتحدة مستعدة للعب دور مع ّزز في
ضمان الاستخدام الملائم للمرافق الرئيسية خاصة حول الحديدة.
ثانيا: حماية الإمدادات الغذائية والسلع الأساسية في جميع أنحاء البلد. يجب أن تتدفق الواردات الإنسانية التجارية والضرورية إلى
جميع الموانئ وإلى وجهاتها النهائية. وهذا يعني رفع القيود الحالية والقادمة عن الواردات والحفاظ على الطرق الرئيسية مفتوحة
وآمنة.
ثالثا: ضخ العملات الأجنبية إلى الاقتصاد اليمني بشكل أسرع وأقوى من خلال البنك المركزي وتسريع الاعتمادات للتجار، ودفع
معاشات المتقاعدين وموظفي الخدمة المدنية.
رابعا: زيادة التمويل والدعم للعمليات الإنسانية. مقارنة مع الزيادات المتوقعة في الاحتياجات – التي قد تصل إلى 14مليون
شخص، وكما قلت – لا وقت للتمهل، تحتاج وكالات الغوث إلى موارد إضافية الآن للبدء في زيادة جهود الإغاثة.
خامسا: مع وجود العديد من الأرواح على شفا الموت، ندعو المتحاربين إلى اغتنام هذه الفرصة للتعاون بشكل كامل وصريح مع
المبعوث الخاص لإنهاء الصراع.