“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (17)

المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط

إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.

توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.

تعيين الحسين شريفاً – تكملة

كتب الحسين بعد هذا إلى ابن سعود يذكر له ما بلغه عن من أنه يعد العدة للهجوم على الحجاز، وأن بعض القبائل القاطنة على الحدود تشكو من اعتداءاته عليها. فأجاب ابن سعود برسالة فيها من التزلف والتحبب أكثر مما في الرسالة الأولى وهي طويلة تقتطف منها ما يلي:

“…فالآن ابنكم وخادمكم ومملوك فظلكم – يقصد نفسه –سامع ومطيع الله ثم لحضرتكم.. فكما تأمرون أفعل امتثالاً لأمر الله ثم أمركم.. فإن كنت المجرم فن تحت أمركم كما تأمرون أفعل ومصطبر لأدبكم. وأنا والله ويالله وتالله إن رضاكم وامتثال خدمتكم عندي أعز من رضا عبدالرحمن –يقصد والده – وخدمته. ثم أنا معطيكم عهد الله وأمان الله أني ولد لك سامع مطيع ما أخالف شورتك في جميع أمر ن وأنا تحت أمركم تريدون المقابلة بيني وبين المزورين في في أي وقت تبغونه أحضر، فإن كان تحبونه من بعيد فالمراجعة بيننا ونحن تحت تدبير الله ثم تدبيركم، وإنما لا يزورون على حضرتكم أني مستغزي أهل نجد قصد محاربتكم أو مكابرتكم، لا والله، لا والله، لا والله. أني ما استغزيتهم إلا لموجب تجافينا وبعض الفساد الذي لا يخفي جنابكم. ولا يقطع عقلكم أن قدومي بها المحل قصدي محاربة أو أمر يغضب خواطركم، إلا إنما هو تقرب لخدمتكم.. وأجبنا تعجيل الطارش لموجب رد دوابكم العزيز. ونحن بانتظار تدبير الله ثم تدبيركم، ن وتحت الأمر. هذا ما لزم. والرجا إبلاغ سلامنا الإخوان السادات الكرام. ومن عندنا أولادكم محمد وسعود وكافة السعود يقبلون أياديكم ودمتم محروسين -15شوال 1328”.(1)

لا حاجة بنا إلى القول إن هذا التخضع الذي ابداه ابن سعود نحو الحسين إنما هو من مظاهر الدهاء الذي اشتهر ابن سعود به. فهو كان في تلك الآونة مشغولاً بمشاكله الداخلية، ولم يكن يرى من المصلحة أن يتورط في مشكلة أخرى مع الحسين، فآثر أن يترضاه ويتحبب إليه مؤقتاً إلى أن ينتهي من حل مشاكله الداخلية. والظاهر أن الحسين لم يفهم ذلك، ولعله اغتر بما أبداه ابن سعود له من التزلف والتخضع، وضن أنه ضعيف وسيبقى ضعيفاً دائماً. وقد ظل الحسين ينظر إلى ابن سعود طيلة السنوات التالية بمثل هذه النظرة ويعامله على أساسها. وتلك غلطة من الحسين كانت من أهم العوامل التي أدت إلى نهايته المؤسفة أخيراً.

حملة عسير

إن منطقة عسير جزء من اليمن تقع إلى الجنوب من الحجاز، وكانت في تلك الأيام متصرفية تابعة للدولة العثمانية مركزها بدلة أبها وكان متصرفها سليمان شفيق باشا. وفي عام 1910م ثار السيد محمد الإدريسي على الدولة، وكان له نفوذ وقدسية في تلك المنطقة، فنال نجاحاً في ثورته، وكان الإيطاليون يساعدونه فيها و وفي أواخر ذلك العام استطاع الإدريسي أن يحاضر أبها وكان فيها قوات تركية كبيرة ن ودام الحصار نحو عشرة أشهر عانى السكان منه الويلات، وأكلوا القطط والكلاب، ومات منهم أكثر من خمسة آلاف شخص جوعاً.(2)

استعانت الدولة العثمانية بالحسين لإخماد ثورة الإدريسي. فأعد الحسين حملة لها، واستدعى إليه ابنه عبدالله من إسطنبول ليكون معه في الحملة ن كما استصحب معه ابنه الآخر فيصل، وفي 16نيسان 1911تحركت الحملة من مكة وهي تضم بالإضافة إلى القوات المحلية ثلاثة أفواج تركية يبلغ عدد رجالها ثلاثة آلاف.

حين تغلغلت الحملة في أراضي عسير أخذت القوات الإدريسية تشن الغارات عليها مرة بعد مرة، وكبدتها خسائر فادحة (3). وفي 16تموز وصلت الحملة إلى أبها وتمكنت من فك الحصار عنها ودخولها.

حل عيد الدستور في 24تموز- أي بعد أيام قليلة من دخول الحسين إلى أبها –وصادف أن كان ذلك اليوم نفسه يوم ذكرى مبعث النبي حسب التقويم القمري. فأقم احتفال في أبها بهذه المناسبة، وألقى فيه الحسين خطبة مدح فها الدولة العثمانية ن وذم الإدريسي ذماً قبيحاً متهماً إياه بأنه يخدم الدول الأجنبية لأغراضه الشخصية وفيما يلي نص الخطبة:

“أيها الاخوان اعلموا علم اليقين أنه لولا وجود هذه الدولة العثمانية وضدة اعتناء حلفائها بالأمة الإسلامية خصوصاً مولانا أمير المؤمنين الحالي – يقصد السلطان رشاد – لاختطفتكم الدول الأجنبية اختطاف الذب للغنم المنفردة، فإن جميع الدول ساعية من زمن بعيد في اضمحلال الشريعة المحمدية بواسطة هؤلاء المغرورين الذين يخدمونها لأغراضهم الشخصية. إخواني هل يرضيكم أفعال هؤلاء القوم الساعين في تخريب بلادكم باسم الحق. لا أدري كيف اغتررتم لهؤلاء وأمثالهم وأنتم أولو العقول الراجحة والنخوة العربية الاصيلة. آباؤكم الأولون كانوا عز العرب وعنهم ورثتم الهمم العالية. ألستم أبنا التبابعة؟ ألستم الذين قال فيكم جيد رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلم يماني والحمة يمانية؟ ألستم أنتم أبناء أسلافكم الكرام الذين اشتهروا بالذكاء الفطري والمجد المؤثل؟ فالله الله يا أمناء الأمة العربية في دينكم لا تضيعوه، بل احفظوه، واستظلوا بزل الراية العثمانية التي هي شعار الإسلام ن ولا تغتروا بأقوال المفسدين الساعين في تنفيذ أغراض المحركين لهم أعداء الدين الإسلامي، وانتم لطيب عنصركم وعدم معرفتكم بالسياسة الأجنبية تظنون أنهم إنما يخدمون الدين مع أنهم والله عن الدين بمعزل لا يخدمون إلا أغراضهم الشخصية مستترين باسم الدين. فأحذركم أن لا تغتروا بمثل هؤلاء الأوغاد المارقين عن الدين، بل كونوا مطيعين لأمير المؤمنين. ولتعلموا أن من خالفه فقد خالف الله ورسوله، ومن خالفه فقد باء بغضب من الله وخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين “(4)

المراجع:
(1)حافظ وهبة المصدر السابق –ص118-339.
(2)سليمان موسى(الحركة العربية)-بيروت 1970-ص54.
(3)عبد الله بن الحسين (المصدر السابق)-ص61.
(4)حسين محمد نصيف (المصدر السابق)-ج1ص21.

قد يعجبك ايضا