هكذا وقع صالح بين فخين
المساء برس – وما يسطرون – محمد عايش| ما حدث هو أن صالح وقع في فخين: الأول الاخبار المهولة عن انهيارات الحوثيين، والثاني خطاب عبد الملك الحوثي الصباحي.
ليس صالح وحده، بل الجميع تقريبا، شربوا المقلب، حين استيقظوا صباح الأمس، الثاني من ديسمبر، على كم هائل من الأخبار والمنشورات والتدوينات والصور والفيديوهات التي تتحدث عن انهيارات الحوثيين في كل مكان، حتى بدا أن سقوطهم صار أمراً واقعاً.
وعلى هذا الأساس بنى صالح خطابه الذي دعا فيه إلى “انتفاضة” كان يحسبها قائمة فعلاً.
وحين استمع لخطاب عبد الملك الحوثي تعزز لديه أن الحوثيين قد كسُِروا فعلاً. فالخطاب كان تهدوياً وتصالحياً لدرجة أن كثيرين كتبوا عنه بأنه خطاب انهزامي، وأشبه بالاستسلام لحقائق الانهيار.
وعلى هذا الأساس أيضا، قرر صالح التصعيد في خطابه، متعمدا، ولدرجة التعالي، تجاهل خطاب الحوثي وماورد فيه من مناشدات له وتصالح معه؛ كلياً.
وفي الواقع، وبحكم التجربة مع خطابات زعيم الحوثيين، فإنه في العادة، وكلما انتهى من الاعداد لمعركة حسم؛ ظهر بخطاب “الفرصة الأخيرة” فاتحاً إمكانيات للحل عبر الحوار، وهو بحسب مصطلحات الحوثيين ما يسمونه بـ”إقامة الحجة”.
هكذا كان حال خطابه الأخير قبيل دخول صنعاء وإسقاط الفرقة، وقبيل عمران قبلها، وقبيل الاشتباكات مع هادي بعدها، إضافة لمحطات أخرى.
********
لولا هذين الفخين ما كان لصالح، بدهائه المعروف وخبرته الطويلة، أن يقدم على خطاب تصعيدي من ذلك النوع؛ برر لخصومه بشكل مثالي الإقدام على الإجهاز عليه.. وقبل هذا ما كان له أن يقدم على هذا التصعيد وهو يعرف أنه غير مستعد، عسكرياً، للمواجهة، أو أن استعداداته هشة.
حيث ما اتضح لاحقا ان هذه الاستعدادات كانت في مستوى متدن جداً (وهناك احتمال أن يكون مساعدوه قد أوهموه بالعكس).
ومثلاً فإن اللواء مهدي مقولة استلم معسكر 48 في السواد، بعد اسقاطه من قبل أنصار صالح، فوجده خلواً من السلاح الا من الأسلحة الفردية التي تم اقتحامه بها، فظل منتظرا الإمداد إلى المساء ولم يأت السلاح، فقام بتسليم المعسكر للقبائل والمقاتلين الذين كان أنصار الله قد حاصروه بهم.
……………………
حصافة صالح خانته في الوقت الذي كان في أمس الحاجة إليها وأكثر من أي وقت مضى في حياته.
لقد تهور ودون أية إمكانية لتلافي التهور أو نتائجه، كما اعتاد في تجارب تهورية أخرى ممتدة على امتداد زمنه الرئاسي والسياسي.
فبعد خطابه تبدلت الأمور جذرياً عما كانت عليه قبله: ففي البدء كان مظلوماً، أو هكذا كان لدى قطاع شعبي ونخبوي واسع، حيث أنه في موقع الدفاع عن نفسه ومنازله هو و عائلته أمام “اعتداءات الحوثيين” حسب وصفه.
وبعد الخطاب، ظهر في موقع “المنتفض” الذي يستعد لاجتثاث خصمه/ حليفه وتقديم خطة جديدة للدولة والحكم، والأهم: الذي يمد يداً بالسلام ناحية السعودية، وأخرى بالبندقية تجاه الحوثيين.
والفرق كبير بين الموقعين.
صحيح هناك مبالغات في القول إنه “انضم” في خطابه لدول “العدوان”، فهو لم ينضم بل طالبها بإيقاف الحرب أولاً، ولكن الصحيح أيضاً أن المشكلة والخطورة (والودافة العمياء) تكمن هنا: في تلويحه بالسلام ناحية “الأشقاء” حسب وصفه، في سياق واحد مع إعلانه الحرب على “الحليف” أو “العناصر الحوثية” حد تعبيره..
“وعده” للسعودية بـ”صفحة” و”توعده” للحوثيين “بصفيحة”.
………
الفيسبوك وتويتر والواتس آب، قد تصنع نهايات، وهذا ما نشاهده الآن.
ذهب ثلاثة أو أربعة حوثيون لإزالة الطلاء الأخضر من سياراتهم، وطبيعي أن يزيلوه بعد انتهاء مناسبة المولد النبوي (أو طبيعي أيضاً أن يخافوا من حالة الفوضى فيزيلوه)؛ فاقتنصتهم بعض الكاميرات، ثم تعممت الصور على وسائل التواصل وكل وسائل إعلام “التحالف السعودي” لكأنها صور لآخر قلاع الحوثيين وهي تتهاوى أمام جحافل شعبية لا نهاية لها!
الكذب سلاح فتاك. لم يخدع صالح فحسب بل خدع العالم كله وخدعنا جميعاً، وهو مستمر بخداعنا على الدوام.