“تقرير أممي مدفوع الأجر عن الصواريخ اليمنية” السعودية تنجح في تعديل الأصل
المساء برس – تقرير خاص| تطورات خطيرة طرأت مؤخراً لم يلتفت إليها الإعلام اليمني لانشغاله بالشائعات التي يتم بثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتتناقلها عدد من المواقع الصفراء المحسوبة على حزب المؤتمر الشعبي والرئيس السابق صالح، المتعلقة بالتوتر بين طرفي التحالف في صنعاء (أنصار الله والمؤتمر).
هذه التطورات تمثلت بالتقرير السري الذي أعده مراقبو العقوبات بالأمم المتحدة والذي نشرت بعض تفاصيله وكالة رويترز وقالت فيه إن المراقبون في الأمم المتحدة رجحوا أن تكون الصواريخ الباليستية التي أطلقها أنصار الله في صنعاء على السعودية طوال العام 2017 من تصميم وتصنيع إيراني.
لجنة الخبراء الأمميون نفسها كانت قد أبلغت مجموعة الدبلوماسيين عبر وثيقة تم تسريبها إلى الإعلام ونشرتها مجلة ذا انترسبت الأمريكية، أبلغتهم في مذكرة سرّية في 10 نوفمبر الماضي أنهم لم يجدوا أي دليل يدعم مزاعم السعودية بأن الصواريخ الباليستية قصيرة المدى قد تم نقلها إلى الحوثيين.
وأبلغت اللجنة حينها سفراء الدول أنها لم تحصل على أي دليل يثبت مزاعم السعودية بشأن وجود دعم إيراني لجماعة أنصار الله في اليمن بالصواريخ الباليستية.
واليوم تغيّر موقف الخبراء بعد أن زاروا السعودية مؤخراً وفقاً للتقرير الذي نشرته رويترز والذي ذكر أن اللجنة “ليس لديها حتى الآن دليل يؤكد هوية الوسيط أو المورد” الذي وفر الصواريخ والتي من المرجح أنها أرسلت للحوثيين.
هذا يعني أن اللجنة لم تقطع يقيناً أو تصدر اتهاماً صريحاً لإيران بتوريدها صواريخ باليستية إلى اليمن، وأما ما ورد في تقرير اللجنة ليست سوى مجرد ترجيحات لإبعاد الحرج والتخلص من الضغوط التي ربما قد تكون اللجنة تعرضت لها في السعودية أثناء زيارته بدعوة من التحالف للاطلاع على ما قال تقرير رويترز إنها أدلة من بقايا صواريخ الحوثيين.
وقد قال التقرير إن المراقبين تفقدوا قاعدتين عسكريتين سعوديتين لرؤية بقايا الصواريخ التي جمعتها السلطات بعد الهجمات على المملكة في 19 مايو، و22 يونيو، و26 يوليو، والرابع من نوفمبر الماضي، وأضاف أن المراقبين تفقدوا أربع نقاط ارتطام خلفها هجوم 4 نوفمبر الماضي وتم رصد بقايا أخرى للصواريخ فيها.
غير أنه ليس من المعقول أن تترك السلطات السعودية بقايا الصاروخ في الأماكن التي تساقطت فيها بين المواطنين، فباعتراف الإعلام السعودي نفسه أن أجزاء الصاروخ تطايرت فوق مناطق آهلة بالسكان وقالت إنها لم تحدث أضرار مادية وبشرية، ومن المعروف أن في مثل هذه الحالات يتم جمع الأجزاء وإبعادها عن المواطنين والاحتفاظ بها لدى السلطات، فكيف يقول تقرير اللجنة الأممية أن الفريق زار أربع مناطق ارتطام للصاروخ وتم رصد بقايا أخرى متناثرة فيه هذه النقاط.
وقد كتب المراقبون في تقريرهم أن خصائص التصميم وأبعاد المكونات التي فحصتها الهيئة تتفق مع الخصائص والأبعاد التي تم الإبلاغ عنها بالنسبة للصاروخ “قيام-1” الإيراني التصميم والتصنيع.
وقد زار المراقبون السعودية بعد أن طلبوا من التحالف تقديم أدلة تدعم ما تقوله الرياض من أن إيران تزود الحوثيين بالصواريخ وحذروا من أن عدم فعل ذلك ينتهك قراراً للأمم المتحدة، بشأن عدم أحقية التحالف لفرض حصار على اليمنيين بحجة منع تدفق الأسلحة الذي لا يوجد حتى تاريخ 10 نوفمبر الماضي وهو موعد تقديم التقرير السري للسفراء والدبلوماسيين المعنيين آنف الذكر، أي دليل على صحة ما تدعيه السعودية.
وبالعودة إلى ما ورد في الوثيقة السرية الموزعة على الدبلوماسيين في 10 نوفمبر فيما يتعلق بهذه الجزئية فإن فريق الخبراء الأمميين أكدوا في وثيقتهم أنه لا يوجد أي دليل يؤكد مزاعم السعودية بأن الحوثيون يهربون السلاح، مشيرين أن مزاعم السعودية بارتباط الصاروخ الذي قصف الرياض في 4 نوفمبر الجاري بالصواريخ الإيرانية (قيام1) غير مثبت بأي دليل، كما أكد الخبراء أن اليمن لا يزال يحتفظ بمخزونه من الصواريخ الروسية من نوع (سكود)، “والتي لم تستطع الغارات السعودية تدميرها” حسب ما ورد في الوثيقة
جزئية أخرى تثبت أن التقرير الأممي الخاص بالمراقبين هو تقرير مدفوع الأجر، إذ ورد فيه إن المراقبين “جمعوا أدلة على أن أجزاء الصواريخ نُقلت إلى اليمن ثم قام بتجميعها مهندسون من جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح”، فمن أين أتت هذه الأدلة؟ وهل نسيت اللجنة ما كتبته في وثيقتها السرية الموزعة على الدبلوماسيين في 10 نوفمبر الماضي والتي جاء فيها حسب ما نشرته المجلة الأمريكية أن “تحليل خيارات طريق الإمداد عن طريق البر أو البحر أو الجو يشير إلى أن أي شحنات من الحاويات الكبيرة المستخدمة لشحن وحماية الصواريخ العابرة من شأنه أن يوفر فرصة كبيرة جداً للاعتراض على عبورها من قبل السعودية وقوات التحالف أو القوات البحرية المشتركة المنتشرة في المنطقة. بالإضافة إلى أن لجنة الخبراء في الأمم المتحدة لم تتلقَ أي بلاغ من قبل التحالف بإلقائهم القبض على أي شحنة أسلحة أو صواريخ من هذا القبيل وفقاً للفقرة 17 من القرار 2216”.
وبما أن التحالف لم يبلغ عن أي شحنات أسلحة يلقي القبض عليها فهذا يعني أن ما كان ينشره في وسائله الإعلامية هي مجرد أخبار كاذبة وزيفة وليست صحيحة على الإطلاق وإلا فلماذا لم تبلغ السعودية لجنة المراقبة الأممية في حينه وتستدعيها فوراً للتحقيق بنفسها مع من تم إلقاء القبض عليهم وبحوزتهم هذه الأسلحة إن كان الأمر صحيحاً؟.
وبالتالي فإن ما أورده التقرير الجديد للجنة بعد زيارتها للسعودية من أنها جمعت أدلة تشير إلى دخول الصواريخ بشكل أجزاء إلى اليمن، مجرد تلفيق ولا تحتوي معلومات التقرير أدنى معايير المصداقية، كما أن هذه الأدلة باتت مشكوك في صحتها بعد صدور تقريرين من نفس الجهة الأول ينفي عدم وجود أي دليل يؤكد دخول أسلحة من خارج اليمن والثاني والذي صدر بعد زيارة السعودية يشير إلى جمع أدلة تثبت دخول صواريخ مجزأة إلى اليمن.
غير أنه يجدر الإشارة إلى أن التقرير الجديد أشار إلى أن اللجنة “لم تر حتى الآن أي دليل على أن خبراء صواريخ من الخارج يعملون داخل اليمن دعماً للمهندسين التابعين لجماعة الحوثي وصالح”.
وفيما يرجح المراقبون في تقريرهم الجديد إن الصواريخ يتم تهريبها إلى اليمن عبر الممرات البرية من سلطنة عمان أو الغيظة أو ميناء نشطون في محافظة المهرة اليمنية، وهذا دليل آخر على التناقض الواضح في اللجنة وتقريرها الأخير مقارنة بالوثيقة الصادرة عنها سرياً في 10 نوفمبر والتي تضمنت تصريحاً واضحاً من أن مزاعم السعودية بدخول أسلحة من خارج اليمن إلى داخله لا تستند إلى أي دليل وأن “تحليل الطرق المتعددة الخيارات التي يمكن استخدامها في البحر أو البر أو الجو لدخول أسلحة من خارج اليمن تشير إلى أن أي شحنات من الحاويات الكبيرة المستخدمة لشحن الصواريخ العابرة من شأنه أن يوفر فرصة كبيرة جداً للاعتراض على عبور هذه الشحنات إما من السعودية أو التحالف أو القوات البحرية المشتركة المنتشرة في المنطقة”.
ومن الملاحظ تضمن هذه الفقرة عبارة (في البر أو البحر أو الجو) وما تعنيه هذه الفقرة أن أي شحنة أسلحة ستمر بحراً أو براً أو جواً لابد من أن تقع على عيون التحالف الذي يراقب كل الطرق والممرات على مدار الساعة، فكيف تغيرت أقوال اللجنة في تقريرها الجديد بعد زيارة السعودية وأصبحت ترجح أن تهريب الصواريخ تم عبر الممرات البرية من سلطنة عمان أو ميناء نشطون أو الغيظة؟!!.
ما هو مؤكد بعد تحليل ما ورد في تقرير المراقبين الأمميين الذين زاروا السعودية وغيّروا تقريرهم وفقاً لرغبات السعودية، إن جاز التعبير، هو أن المراقبين تأثروا بشكل أو بآخر بزيارة السعودية، ولا يستبعد أن يكون قد تم التأثير عليهم سعودياً عن طريق المال أيضاً، وما هو مؤكد فعلاً بالنظر إلى صياغة التقرير الجديد هو أن المراقبين حاولوا إرضاء السعودية نسبياً من خلال استخدام كلمة (ترجيح) أو (نرجح) لإضافة العبارات التي تريدها السعودية، وهذا ما يؤكد أنهم أوردوا معلومات بناءً على إملاءات سعودية أو ضغوط مباشرة أو غير مباشرة عليهم.
وبالنظر إلى شرعية هذا التقرير فإنه قاصر ولا يستند إلى شرعية أممية لعدم مطابقته للتقارير الأممية التي لا يجب أن تحتمل معلوماتها الشكوك أو الترجيحات إذ لا بد أن تكون هذه المعلومات قطعية إما حدث أو لم يحدث لإثبات إدانة طرف ما، وهذا ما ينعدم في تقرير المراقبين الذي لا نبالغ إن وصفناه بـ”تقرير أممي مدفوع الثمن”.