“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (13)
المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| كتاب قصة الأشراف وابن سعود.. لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط
إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.
توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.
بين عون وزيد – تكملة
كان الشريف عبدالمطلب يومذاك في الطائف ن ولما علم بالأمر قرر أن يقف إلى جانب الأهالي ضد الحامية التركية، وجمع أتباعه وتوجه بهم نحو مكة. وأسرعت الحامية التريكة للانسحاب إلى جدة، فتحصنت فيها. وأعلن الوالي أن أمر السلطان قد وصله بعزل عبد المطلب من الشرافة وإعادة محمد بن عبدالمعين إليها.
وفي 26نيسان 1855وصلت باخر إلى جدة وهي تحمل محمد بن عبدالمعين، فأقيمت الزينات في جدة احتفاة بمقدمه. وسار محمد على رأس قوات كبيرة نحو الطائف التي كان عبدالمطلب متحصناً فيها. قم هاجم الطائف هجوماً شديداً واقتحمها وأسر عبدالمطلب، وأرسله مخفوراً إلى إسطنبول، فعفا عنه السلطان وأقامه في أحد القصور مكرماً (1).
في 29آذار 1858مات محمد بن عبدالمعين على أثر مرض لم يمهله إلا أياماً فتولى الشرافة من بعده ابنه عبدالله. وظل عبدالله في منصب الشرافة إلى أن حل عهد الدستور الأول في الدولة العثمانية على يد مدحت باشا في عام 1877، فعزل عبدالله وعين مكانه أخو الحسين بن محمد الذي كان المؤيدين لمدحت باشا والدستور.
دامت شرافة الحسين بن محمد سنتين وبضعة أشهر ففي عام 1880قتل الحسين في جدة على يد درويش أفغاني إذ طعنه بخنجر مسموم. وقد اختلفت الأقاويل في سبب قتله، وقيل إن السلطان عبد الحميد هو الذي دبر أمر اغتياله بعد إلغاء الدستور ونفي مدحت باشا.
أعيد عبد المطلب إلى منصب الشرافة وقد نقلته من إسطنبول إلى الحداز باخرة سلطانية خاصة. فوصل إلىمكة في 28أيار 1880م، فاستقبل فيها استقبالاً عظيماً، وكان حينذاك كبير السن، وأخذ يقسو على أتباع ذوي عون وعلى أنصار الدستور. وفي عام 1881 م عندما جيء بمدحت باشا وأصحابه إلى مكة في طريقهم إلى سجن الطائف كان عبدالمطلب بطل عليهم من نافذه قصره وهو يقول: “نصحت لك يامدحت فلم تقبل”(2).
لم تبق أسرة ذوي عون ساكنة تجاه حكم عبدالمطلب، فقد ذهب وقد منهم إلى إسطنبول وأبرزوا للسلطان عبدالحميد وثائق تقبت اتصال عبد المطلب بالانكليز. ويدعي ذوو زيد أن الوثائق كانت مزورة (3)بعزل عبدالمطلب من لشرافة، وعين مكانه رجلاً من ذوي عون هو عون بن محمد بن عبدالمعين –وهو المشهور باسم “عون الرفيق”. وقد اعتقل عبدالمطلب على أثر ذلك وظل رهن الاعتقال حتى مات في أوائل عام 1886م عن عمر يناهز المائة.
عون الرفيق
تولى عون الرفيق شرافة مكة ثلاثاً وعشرين سنة من عام 1882 إلى 1905والواقع أنه يستحق أن يكتب عنه كتاب قائم بذاته لما اشتهر به من غرابة الأطوار وما دار حوله من أقاويل مختلفة وأساطير.
وصفه أحد المؤرخين بقوله إن شرافة مكة بلغت في عهده، “منتهى ضعفها وغاية هبوطها”(4)،بينما وصفه مؤرخ آخر بأنه “مأمون عصره ورشيد مصه”(5). وقد أعطانا مؤلف “تاريخ مكة” صورة عنه لعلها أقرب إلى الواقع من غيرها، فهو يقول فيها ما نصه:
“ويبدو أن الشريف عون كان.. غريب الأطوار متناقض الأعمال، يقدس بعض معاصريه فيه غزارته العلمية ومحبته للخير العام وتبسطه فيث مجالسه الخاصة وتودده للمسلمين. وينعى عليه غيرهم تبذله بين ندمائه ” وقسوته في معامله الحجاج، وإمعانه في عقوبة مخالفيه، واصطناعه الخزناوية الذي كانوا يضطهدون الشعب ويصف مؤلف تاريخ مكة الخزناوية بأنهم رجال اتخذهم الشريف عون كحرس خاص لخدمته فصاروا يتسلطون على الأهالي ويستغلون نفوذهم في اضطهاد من يضطهدونه أو يطمعون في أمواله فكان لا يجرؤ أحد على الشكوى منهم. وقيل إن الشريف عون كان يختارهم من طبقات العامة ويخولهم من النفوذ ما يستطيعون به إذلال الخاصة نكاية بهم(6).
من الأمور التي اشتهر بها الشريف عون الرفيق تقريبه لرجل من المجاذيب اسمه “علي بو” فقد كان هذا الرجل قبلئذِ يذرع الشوارع بجسمه العاري وهو مطرق لا يكلم الناس، فإذا حادثه أحد المارة وألح عليه في الحديث أجابه بعبارة واحدة اعتاد عليها ولا يجيب بغيرها، وهي “مقضية” مقضية، إن شاء الله “. ويقال في سبب تقريب الشريف عون له أنه تنبأ له بنبوءة صحت فيما بعد، فآمن عون بقدسيته، وبنى له قصراً فخماً والبسه الملابس الفاخرة، واتخذه أنيساً له، وجعل أعيان مكة يقبلون يده ويحترمونه. وقد ظل هذا الرجل على هذه المنتزلة العالية إلى ان مات عون الرفيق في عام 1905، فعاد إلى الشوار يذرعها من جديد(7).
ومما اشتهر به الشريف عون ايضاً انه كان يحب العدل، أو كان يريد الاشتهار به، إلى درجة عجيبة. وقيل أنه كان أحياناً يأمر بحبس الحيوانات والجمادات إذا كانت سبباً في وقوع جناية على أحد، فإذا وقعت صخرة على إنسان فجرحته أمر بضرب تلك الصخرة أو إعدامها لكي يفهم الناس أنه لا يفوته قصاص مجرم ولو كان جماداً لا تكليف عله. وحدث مرة أن سقط ديك على أخشاب تعود لامرأة شامية، وسببت الأخشاب له جرحاً، فأمر الشريف بحبس الأخشاب، ولم يطلق سراحها إلا بعد أن قدمت له المرأة عريضة بذلك(8).
المراجع:
(1) أحمد السباعي (المصدر السابق) –ص375-176
(2) المصدر السابق –ص184.
(3) أنيس صايغ (الهاشميون والثورة العربية الكبرى)بيروت 1966-ص35.
(4) فؤاد حمزة (المصدر السابق)-ص323.
(5) نقلاً عن كتاب مخطوط للسيد هبة الدين الشهر سناني عنوانه ذكرى جلالة الحسين وإني أشكر السيد جواد الشهر سنان على إعارته أياي هذا الكتاب
(6) أحمد السباعي (المصدر السابق)-ص390,
(7) المصدر السابق-ص390-391.
(8) نقلاً عن الكتاب المخطوط للشهر سناني