“قصة الأشراف وابن سعود”.. الحلقة (3)
المساء برس – سلسلة حلقات خاصة| لمن أراد أن يفهم ما يحدث الآن في الشرق الأوسط
إن ما نضعه بين يدي القارئ هي قراءة تاريخية بحتة وغير متحيزة، لأحداث الشرق الأوسط خلال القرن الماضي لما لها من أهمية بالغة لا تزال تأثيراتها حاضرة حتى وقتنا الحالي.
وهذا الكتاب عند قراءته يمكن من خلاله فهم طبيعة ما يحدث في الشرق الأوسط في الوقت الحالي بالنظر إلى تشابه الأحداث مطلع القرن الماضي مع الأحداث التي تعيشها المنطقة اليوم، وفهم طبيعة التدخلات الغربية في المنطقة والصراع على النفوذ وعلاقة بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل فيما يحدث اليوم.
قصة الأشراف وابن سعود هو كتاب من ضمن مجموعة (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) للمؤلف والمؤرخ العربي علي الوردي.
توطئة المؤلف:
لقد ترافق قيام دولة آل سعود (المملكة العربية السعودية) وانهيار دولة الأشراف في الحجاز (مملكة الحجاز) تغيرات كبيرة أثرت على العالم الإسلامي عموماً والمنطقة العربية خصوصاً.
وبقيت آثار تلك التغيرات الكبيرة بارزة إلى وقتنا الحاضر بالرغم من تقادم الزمن وكثرة العواصف التي مرّت بها هذه المنطقة.
الحلقة الثالثة: مقدمة عن “دعامة الأحلام”:
إٍن المكانة العالية التي يتمتع بها الأشراف في المجتمع الإسلامي وجدت لها دعامتان تسندانها ،أولا هما كثرة الاحاديث التي تُنسي إلى النبي في الحث على رعاية ذريته واحترامهم ،والثانية رؤية المسلمين للنبي أو ابنته فاطمة في المنام وهما يحثانهم على رعاية ذريتهما.
من العقائد التي راجت بين المسلمين أنهم إذا رأوا النبي في منامهم يحسبون أنهم قد رأوه حقاُ ، لأن الشيطان حسب اعتقادهم لا يمكن أن يتشبه بالنبي في المنام . وقد أدت هذه العقيدة إلى ظهور كثير من الأساطير والتقاليد غير الصالحة في المجتمع الإسلامي – كما شرحت ذلك بتفصيل في كتاب “الأحلام بين العلم والعقيدة”.
إن كثيراُ من الأحلام التي تحث على احترام الأشراف قد رويت في الحجاز. وسبب ذلك أن الأشراف حكموا الحجاز مدة طويلة جداً وكانوا كغيرهم من حكام العصور السالفة يظلمون الناس ويعتدون عليهم ، كما أن بعض الأشراف كانوا بدوا يقطعون الطرق على الحجاج. ولذا كان الناس يتذمرون منهم ويلعنونهم طبعاً. وعند هذ يظهر النبي أو ابنته فاطمة لهم في المنام ليوبخاهم على تذمرهم ولعنهم.
روى ابن حجر الهيثمي وغيره كثيراُ من هذه الأحلام واستدلوا بها على كرامة الأشراف وعلى وجوب رعايتهم والتجاوز عن سيئاتهم بحكم الشرع. وفيما يلي ننقل مجموعة من هذه الأحلام اخترناها من مختلف المصادر:
1- كان أحد الأشراف في المدينة ، واسمة مطير، يلعب بالحمام – أي (مطيرجي) حسب تعبيرنا في العراق – ولما مات امنع أحد الفقهاء من الصلاة عليه، ولكن هذا الفقيه رأى النبي في منامه ومعه فاطمة الزهراء وقد أعرضت فاطمة عنه، فأخذ الفقيه يستعطفها حتى أقبلت عليه وعاتبته قائلة:” أما يسع جاهنا مطيراً” وقد أصبح الفقيه منذ ذلك الحين يبالغ في تعظيم الأشراف.(1)
2- كان الشيخ العابد محمد الفارسي يبغض أشراف المدينة من سلالة الحسين لتظاهرهم بالرفض، ثم نام ذات يوم تجاه قبر النبي فرأى النبي في نومة وهو يقول له: يافلان مالي أراك تبغض أولادي؟ فقال له الشيخ: “حاشا الله ما أكرههم وإنما كرهت ما رأيت من تعصبهم على أهل السنة”. فسأله النبي: “أليس الولد العاق يلحق بالنسب؟” فأجابه الشيخ: “بلى يا رسول الله” فقال النبي: “هذا ولد عاق” ولما استيقظ الشيخ من نومه صار لا يلقى أحداً من بني الحسين إلا بالغ في إكرامه.(2)
3- حج رجل من أهل اليمن مع عياله عن طريق البحر ولما وصل على جدة فتشه المكاسون كما فتشوا النساء تحت ثيابهن. فتألم الرجل من ذلك وأخذ يدعو الله على شريف مكة الحاكم يومذاك وهو محمد بن بركات. ثم رأى في منامه النبي وهو معرض عنه. فسأله الرجل عن سبب إعراضه فأجابه النبي قائلاُ: “أما رأيت في الظلمة من هو أظلم من ابني هذا؟” فانتبه الرجل من نومه مرعوباُ وتاب إلى الله أن يتعرض بع هذا لاحد من الأشراف وإن فعل ما فعل.(3)
4- عندما مات شريف مكة أبو نمي الأول امتنع الشيخ عفيف الدين الدلاصي من الصلاة عليه. ولكن الشيخ رأى في منامه في تلك الليلة فاطمة الزهراء وهي واقفة عند الكعبة والناس يسلمون عليها، فلما جاء الشيخ للسلام علها أعرضت عنه ثلاث مرات، وقد تحامل اشيخ فسألها عن سبب إعراضها فأجابته: “يموت ولدي ولم نصل عليه!” فاعتذر منها وتاب عن مثل ذلك واعترف بالخطأ.(4)
5- كان الشاعر ابن عنين الدمشقي قد حج إلى مكة فقطع الطريق عليه بعض الاشراف، ونهبوا ماكان معه وجرحوه. فنظم الشاعر قصيدة ذم بها الأشراف ذمأقبيحاُ. ولما نام تلك الليلة رأى في أحلامه فاطمة الزهراء وهي تطوف بالبيت، فسلم عليها فلم تجبه، فتضرع إليها وتذلل، وسألها عن ذنبه، فأجابته بقصيدته في الوزن والقافية ذكرت فيها أن أولادها حاشا أن يفعلوا الأفعال التي وصفها في قصيدته إنما هي الأيام غدرت بهم وأساءت إليهم، وهو يجب أن يتوب إلى الله. فانتبه الشاعر من نومة مرعوباً فزعاً، وقد شفاه الله من جراحه، فنزم قصيدة جديدة تاب فيها إلى الله من قصيدته الأولى وتعهد بأنه سيعتبر كل ما يفعله الاشراف به حسنا حتى ولو قطعوه بالسيف أو الرمح.(5)
6- يروي الصوفي المشهور محيي الدين بن عربي أن رجلاً من أهل الحجاز حدثه قائلاً: “كنت أكره ما تفعله الشرفاء بمكة في الناس، فرأيت في النوم فاطمة بنت رسول الله وهي معرضة عني، فسلمت عليها وسألتها عن إعراضها فقالت “إنك تقع في الشرفاء”. فقلت لها: ياستّي، ألا ترين ما يفعلون في الناس؟ فقالت: أليس هم بني؟ فقلت لها: من الآن. وتبت فأقبلت عليّ واستيقظت”.
إن هذه القصص التي ذكرناها آنفاً هي قليل من كثير، ومن السهل العقور على أمثالها في مختلف البلاد الإسلامية. ولا حاجة بنا إلى القول إن أشراف مكة استفادوا منها فائدة كبيرة في تدعيم حكمهم حيث استمروا يحكمون الحجاز نحو عشرة قرون – كما سنأتي إليه.
المراجع:
(1) ابن حجر الهيثمي(الصواعق المحرقة)-القاهرة-ص240
(2) المصدر السابق-ص240
(3) المصدر السابق-243
(4) عبد الملك العصامي0سمط النجوم العوالي )-القاهرة –ج4-ص227
(5) أحمد الداودي (عمدة الطالب)-بيروت –ص106-107
(6) محمد إسعاف النشاشيبي(الإسلام الصحيح)-القدس1354ه-ص165