نص إحاطة الناشطة رضية المتوكل أمام مجلس الأمن الدولي

المساء برس : نيويورك

إحاطة رئيسة منظمة مواطنة لحقوق الانسان رضية المتوكل حول اليمن أمام مجلس الأمن الدولي   30 مايو 2017
 السيد الرئيس، السادة ممثلي الدول الأعضاء

بداية أود أن أشكركم لإتاحتكم الفرصة لصوت من المجتمع المدني أن يصل مجلس الامن التابع للأمم المتحدة.  يأمل الكثير من اليمنين في أن تحققوا أثراً إيجابياً في حياتهم التي أنهكتها الحرب.

أنا قادمة إليكم من اليمن المنسي، مثقلة بالكثير من مشاهد المعاناة الإنسانية الكبيرة لملايين اليمنيين بسبب الحرب.  تعاني بلدي من حالة انهيار تام، وعلى عاتقي الكثير من القصص التي وثقتها منظمة مواطنة لحقوق الانسان على مدى الثلاث السنوات الماضية.

تعمل مواطنة في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد في كل مناطق اليمن، ونبذل كل ما بوسعنا من أجل أن يبقى صوت ضحايا وناجيي انتهاكات حقوق الانسان التي ترتكبها يومياً كافة أطراف النزاع في كل أجزاء اليمن موثقاً ومسموعاً. أحد أهداف مواطنة هو التأسيس لذاكرة حقوقية يمكن الإستناد عليها لتحقيق العدالة والمحاسبة في المستقبل للشعب اليمني.

لازال أغلب اليمنيين حتى اليوم غير متورطين في القتال بهذه الحرب، وأكثر ما نسمعه من الناس في لقاءتنا الميدانية  : ” نكره الحرب، نريد أن نعيش.”

لم تحدث الحرب في اليمن فجأة، بل هي نتيجة لتراكم من الأخطاء التي تشاركت فيها جميع الأطراف على مدار السنوات الماضية، ومع ذلك لا يزال هناك فرص حقيقية لإنهاء هذه الحرب، وإجراء تسوية عادلة تضع اليمن على طريق بناء دولة القانون.

 

لأولئك الذين يعولون على الحرب لصناعة الحلول: ما الذي أنجزته الحرب عدا الآف المدنيين الذي سقطوا قتلى وجرحى، وكثير منهم نساء وأطفال؟

دمرت الحرب ما راكمته اليمن لعقود من بنية تحتية بسيطة ومحدودة، وأدت إلى انهيار النظام الصحي. كذلك حرمت الحرب مئات الآلاف من أطفال اليمن من الذهاب إلى مدارسهم، وأعاقت نمو جيل بأكمله. مئات الأطفال تم تجنيدهم قسرياً ليكونوا في الخطوط الأمامية، كما قادت الحرب إلى أزمة إنسانية حادة جداً جعلت من المجاعة في البلاد أمراً وشيكاً، وتسببت بنزوح غير مرئي للملايين في الداخل، بالإضافة إلى وباء الكوليرا الذي انتشر مؤخراً ويفتك بألاف اليمنيين.

 إذا قربتم عدسكتم من اليمن، ستلتقطون بسهولة الغياب المرعب للدولة ومؤسساتها سواء في مناطق سيطرة سلطة الامر الواقع لجماعة أنصار الله المسلحة وحليفها الرئيس السابق صالح، أو في تلك التي تحت سيطرة سلطة حكومة الرئيس هادي وحلفائها من الأحزاب والجماعات المسلحة. يتطلع اليمنيون إلى إدارة قوية قادرة على توفير الأمن والخدمات الأساسية، لكنهم لم يجدوا سوى جماعات مسلحة منشغلة بالنزاع على السلطة على حساب اليمنيين.

توفر الحرب بيئة صديقة لتمدد وازدهار الجماعات المتطرفة. تعمل هذه الجماعات بشكل حثيث وسط الحرب على تعزيز نفوذها على المستوى المحلي. إنها ألغام لمستقبل اليمن ولا يمكن أن تضعف إلا في وجود دولة النظام والقانون.

يحتاج اليمنيون اليوم أن يقوم المجتمع الدولي ومجلس الأمن بمسؤوليتهما في حمايتهم، فطيلة سنوات الحرب الثلاث الماضية، ارتكبت جميع أطراف النزاع انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. لا يمكن السماح باستمرار هذه الانتهاكات دون تحقيق.

وثقت منظمة مواطنة انتهاكات خطيرة للتحالف بقيادة السعودية والإمارات قتل فيها آلآلف المدنيين أغلبهم من النساء والأطفال. لقد قصف التحالف التجمعات السكنية، الأسواق العامة، المعالم الأُثرية، المستشفيات والمدراس، الجسور والمصانع، ولم يترك نمطاً مدنياً إلا وشن هجماته عليه.  

كما وثقنا انتهاكات واسعة ارتكبتها جماعة أنصار الله المسلحة (الحوثيون) وحليفها صالح خصوصاً في تعز، بما في ذلك استخدام الألغام الأرضية في العديد من المناطق باليمن. علاوة على ذلك، وثقنا أيضاً انتهاكات بما فيها إعدامات خارج نطاق القضاء قامت بها قوات الرئيس هادي وحلفائها من الأحزاب والجماعات المسلحة.

يتشارك طرفا النزاع مسؤولية القصف العشوائي للمدنيين والمنشآت المدنية، تجنيد الأطفال، منع وصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب وانتهاك حق التعبير والحريات الصحفية واختفاء الصحافة الحرة، بالإضافة إلى التنكيل بالأقليات، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة.

لقد دفعت المرأة اليمنية الثمن الأكبر في الحرب ومثلت إلى حد كبير هدفاً مدنياً لكل أطراف الحرب.  فقدت المرأة عائلها ما ضاعف معاناتها نتيجة الفقر أكثر مما كانت عليه قبل أن يندلع النزاع.  تعيش النساء في أوضاع بالغة الخطورة وتفتقر إلى الأمن وهو ما يعيق حركتهن ويحد من قدرتهن على مكافحة الفقر.  واحدة من أقسى المشاهد في هذه الحرب هي صورة سعي الأمهات، والزوجات، وبناتهن من سجن إلى آخر على أمل أن يسمعن أخباراً عن أقاربهن المعتقلين والمختفيين قسرياً.

يتطلع اليمنيون إلى أن يضمن المجتمع الدولي المحاسبة على هذه الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي، كما يتوقعون خطوات جدية تعيد إيمان الناس بقدرة هذه المؤسسة الدولية على تحقيق الأمن والسلام، وتعزيز العدالة.

 

السيدات والسادة:

 

في الحروب يصبح بناء السلام هو الشجاعة.

أدعو مجلس الأمن بأن يوحد موقفه من أجل إنعاش مفاوضات السلام حتى يمكن وضع حد لهذه الحرب الجائرة.
كما أدعو مجلس الأمن إلى دعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن ليكون قوياً في مواجهة أطراف الحرب، وفي السير نحو خطة سلام شاملة لا تتحيز لرؤية أحد الأطراف. وأدعو أيضاً إلى أن تكون كافة القوى اليمنية ممثلة في مفاوضات السلام وأن يكون هناك مساحة جادة لمشاركة المجتمع المدني لا سيما الشباب والمرأة.

وأدعوا كذلك الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن تقف إلى جانب ملايين اليمنيين وأن لا تدعم أياً من أطراف الحرب وأن توقف إرسال الأسلحة إلى كل أطراف النزاع في اليمن.

لا يمكن أن تتوقف معاناة اليمنيين إلا بتوقف الحرب، إلا ان هناك مجموعة من الالتزامات المطلوبة لتعزيز السلام. على مجلس الاأمن اتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة لتخفيف المعاناة بشكل فوري، وتتطلب هذه الإجراءات من مجلس الأمن إرادة ومسؤولية وشجاعة ليكون على المجلس أن يعمل وبشكل عاجل على:
 

  • تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة في انتهاكات جميع أطراف النزاع.
  • وقف بيع الأسلحة للأطراف المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن.
  • المطالبة بوقف استهداف المدنيين والأعيان المدنية بالهجمات الجوية والأرضية.
  • ضمان إطلاق سراح المعتقلين المدنيين والمختفين قسرياً تحت سلطة تحالف أنصار الله وصالح وسلطة حكومة الرئيس هادي وحلفائها.
  • المطالبة بعدم عرقلة الوصول الإنساني الى كافة المناطق والفئات المحتاجة.
  • ضمان إعادة فتح مطار صنعاء الدولي.
  • التأكيد على ان يكون هناك اتفاق عاجل بين الأطراف على آلية لتسليم مرتبات وأجور موظفي القطاع العام.
  • ضمان حماية ميناء الحديدة من النزاع المسلح وضمان إعادة تشغيله كلياً، ليتمكن من الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات ملايين اليمنين.
  • المطالبة برفع القيود على عمل منظمات المجتمع المدني والحريات الصحفية، وإطلاق سراح كافة الصحفيين المعتقلين.

السيد الرئيس، السادة الأعضاء

أمام مجلس الامن فرصة للتحرك وحماية اليمنين ودعمنا لإيجاد مسار نحو السلام الدائم.  وبالرغم من صعوبة الوضع على الأرض، الا انه لا زال بالإمكان العمل ورسم مسار نحو السلام والديمقراطية والتنمية الاقتصادية.

لكن ومع استمرار الحرب، علينا أن نتذكر أن ما هو ممكن اليوم قد لا يكون ممكناً غداً، لذلك فإن التحرك العاجل أمر في غاية الأهمية.

 

شكراً..

قد يعجبك ايضا