اليمن على طاولة مفاوضات روسية أمريكية سرية “شرق سوريا مقابل عدن”

المساء برس – خاص/ تهدد الولايات المتحدة الأمريكية من وقت لآخر اعتزامها المشاركة في عمليات عسكرية تهدف لضرب الساحل الغربي لليمن والسيطرة عليه والجزر اليمنية المحاذية له بما فيها تلك القريبة من باب المندب.

وتستغل الولايات المتحدة إلحاح السعودية لها لقبول المشاركة في العمليات العسكرية في الساحل الغربي لتحقيق مكاسب مادية واستنزاف أموال المملكة قدر المستطاع كون الأخيرة لا تستطيع أن تخوض معركة كهذه وحدها لخوفها – إن لم يكن يقينها – من فشل المعركة كما حدث في معركة المخا التي لم تتمكن حتى اللحظة من بسط السيطرة على المديرية القريبة من باب المندب ومواقع عسكرية هامة غرب اليمن تطل على الساحل الغربي وممر الملاحة الدولي.

ولا تشكل السعودية أهمية بالنسبة للولايات المتحدة بقدر ما تمثلها دولة الإمارات ودورها في اليمن وهو ما يفسر دعمها لأبو ظبي ومساندتها في كل ما تعتمده من استراتيجيات في اليمن خصوصاً في الجنوب، لكن هذا التأييد الأمريكي المطلق للدور الإماراتي في اليمن وصل إلى نقطة تقاطعت فيها مصالح الولايات المتحدة مع مساعي دولة أخرى، تنبهت لها واشنطن مؤخراً وحاولت تفاديها واتخذت إزاء ذلك إجراءات احترازية تقطع بها الطريق على مساعي هذه الدولة.

“لماذا أيدت واشنطن قرارات هادي رغم أنها تتعارض مع مصالح أبرز حلفائها في الوقت الراهن – الإمارات -؟”

بشكل مفاجئ أصدر الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي قرارات بشأن عدن، أطاحت بأبرز الموالين لدولة الإمارات – الحليف الأهم بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة -.. ورغم الرفض الشعبي لهذه القرارات ورغم الغضب الإماراتي على هادي إلا أن إصرار الأخير على تمريرها كان واضحاً وقد حدث.

وبشكل مفاجئ أيضاً يلتقي السفير الأمريكي لدى اليمن بالمحافظ الجديد لعدن – المرفوض إماراتياً – بل ويؤكد دعم الولايات المتحدة للقرارات ويضمن للمحافظ أيضاً تثبيت أقدامه في عدن، هذا التأييد أثار التساؤل: “لماذا أيدت واشنطن قرارات هادي رغم تعارضها مع مصالح الإمارات حليف أمريكا الأول في اليمن إن لم يكن في المنطقة؟” والإجابة على التساؤل السابق باختصار تتعلق بروسيا وتهديداتها غير المعلنة للولايات المتحدة.

“ما علاقة اليمن وتحديداً عدن بالمشاركة العسكرية الأمريكية في سوريا؟”

يكشف مركز “جلوبال ريسيرش” للأبحاث ومقره كندا أن الملف اليمني – وخصوصاً ما يتعلق بالجنوب – حالياً، على طاولة للمفاوضات والتجاذبات الروسية الأمريكية.

تحت هذا العنوان يورد مركز الأبحاث الكندي فقرة من تقرير نشره مؤخراً مفادها أن المحافظين الجدد في الولايات المتحدة انشغلوا مؤخراً بالنشاط الروسي في اليمن ومساعيها لإيجاد حل سياسي خارج أروقة الأمم المتحدة.

ويضيف التقرير إن جزءاً من نشاط روسيا المتعلق باليمن كان مثيراً ومحط اهتمام بالنسبة للولايات المتحدة لكنه لم يحظَ بالتغطية الإعلامية، ويصف التقرير هذا النشاط بمفاوضات تجريها روسيا مع كل من دولة الإمارات والرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، تهدف إلى البدء بمناقشة تشكيل حكومة يمنية توافقية في المستقبل القريب.

وكان صالح قد أعرب في وقت سابق عن استعداده لمنح روسيا حقوقاً عسكرية في اليمن، ففي أغسطس من العام الماضي قدم الرئيس اليمني السابق عرضا لروسيا وهو استعداد اليمن التعاون مع “الكرملن” لمكافحة الإرهاب وتقديم كافة التسهيلات لهذا التعاون بما في ذلك إتاحة المطارات والموانئ، في إشارة إلى أن نشاط عسكري في السواحل اليمنية كـ”إنشاء قاعدة عسكرية روسية مثلاً” أمراً مرحباً به “يمنياً”.

“مفاوضات روسية سرية.. السلام وحقوق الملاحة البحرية الروسية في عدن”

ويقول تقرير “جلوبال ريسيرش” إن البيت الأبيض يتخوف من أن تكون روسيا تفكر فعلاً في إنشاء أسطول بحري “قاعدة عسكرية بحرية”، حيث ترى أمريكا أن من شأن امتلاك روسيا لقاعدة بحرية في أكثر ممرات الشحن ازدحاماً في العالم “مضيق باب المندب” سيمكنها من توسيع نفوذها بشكل كبير.

ويرى التقرير إن صالح حين تقدم بهذا العرض – في إحدى اللقاءات التلفزيونية له – كان جاداً بالفعل رغم أن وضعه العسكري حينها لم يكن يسمح له بالسيطرة على الموانئ اليمنية، خصوصاً ميناء ومدينة عدن.

ورغم أن العديد من المحللين السياسيين لا يرون أن لروسيا القدرة على إقامة قاعدة عسكرية في المياه اليمنية، بل إنهم لا يرون أي مصلحة مباشرة لروسيا من إنشاء هذه القاعدة، إلا أن التقرير يورد تأكيداً من مصدر يمني مطلع بوجود مفاوضات روسية مع الإمارات من جهة وحركة أنصار الله وصالح من جهة ثانية ومع مجموعات جنوبية مختلفة في اليمن من جهة ثالثة، ويضيف المصدر أن هذه المفاوضات التي بدأت قبل ستة أشهر تتمحور حول إيجاد اتفاق للسلام في اليمن، بالإضافة إلى صفقة تمكن روسيا من حقوق الملاحة البحرية الروسية في عدن، وجدير بالذكر هنا التذكير بأن الاتحاد السوفيتي كان حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي يملك قواعد جنوب اليمن.

“واشنطن ترفع درجة الحذر”

يقول التقرير إن الولايات المتحدة متخوفة من أن تكون هناك نوايا روسية لاستعادة دورها في اليمن، وأن ذلك قد يدفعها لأن تنير الأضواء الحمراء “للتعبير عن الخطر” فهي على مدى الـ(25) عاماً الماضية ظلت هي التي تسيطر على البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر إلى حد كبير، ولا يوجد لها منافس سوى ما أنشأته الصين مؤخراً من قاعدة لـ”مكافحة القرصنة” في جيبوتي والذي أثار مخاوف الأمريكان حينها، والآن الروس قادمون، وهو ما يرفع من درجة الخطورة بالنسبة لها.

تقرير مركز الأبحاث الكندي لفت إلى أن بإمكان تحالف (المؤتمر وأنصار الله) إنهاء الحرب في غضون بضعة أشهر إذا ما حققوا السلام مع المكونات الجنوبية، وأن ذلك سيدفع روسيا لأن تعيد المفاوضات وأن توفر إلى حد ما ضمانات، على عكس الولايات المتحدة.

لكن بالمقابل سيتعين على الإمارات والسعودية دفع ثمن المذبحة التي سببوها في اليمن، وهنا يرى التقرير أن الإمارات من المحتمل أن تقبل بذلك إذا ما تحقق لها التحكم بميناء عدن التجاري أو ضمان عدم تأثيره على الأنشطة الاقتصادية لموانئ دبي العالمية، أما السعودية فإن أكبر مكسب لها هو توقف الحرب داخل حدودها المشتعلة، ومن المرجح أن يوافق السعوديون على مثل هذه الصفقة للحفاظ على ماء وجههم ولإنهاء المغامرة الكارثية في اليمن، حسب التقرير.

“إذا أخذت شرق سوريا، سآخذ هذا الميناء”

يرى مراقبون أن المصالح الروسية الأمريكية تتقاطع في اليمن – عدن تحديداً – فبالنسبة لميناء عدن ومساعي روسيا لاستعادة نفوذها الماضي فيه، عادت مجدداً مع تطورات الوضع في سوريا وخصوصاً مع التدخل الأمريكي المباشر، وهنا يقول تقرير “جلوبال ريسيرش” إن روسيا تهدد الولايات المتحدة أو بالأصح تساومها حول سوريا، وخلاصة ما يدور بين روسيا وأمريكا سرياً هو “إذا أصرت الولايات المتحدة على السيطرة على شرق سوريا، يمكن للروس إرسال بعض الغواصات والمدمرة والمقاتلين الآخرين إلى عدن وتثبيت بعض الدفاعات الجوية والبحرية القادرة على الحفاظ على سفنهم وضمان إبقاء الميناء آمناً”.

إذا وافقت الولايات المتحدة على مغادرة سوريا لوحدها، فمن المحتمل أن تكون هناك طائرة روسية صغيرة صدئة في عدن، بدون دفاعات جوية. وسيكون للبنتاغون والبيت الابيض خيار القيام بما يلي: استمرار الهيمنة على الممرات المائية ومنها باب المندب، وضمان التخلص من تهديدات “تواجد أسطول روسي في المياه اليمنية.

وفيما يتساءل المراقبون: ما الذي يضمن لروسيا تمكنها من مدينة عدن وبالتالي من ميناءها؟ تأتي الإجابة على هذا السؤال فيما أوردناه سابقاً وهي المفاوضات التي تجريها روسيا مع الإمارات ومع أطراف في الجنوب ومع حكومة صنعاء عن طريق الرئيس السابق صالح.. بالتالي فإن العلاقات الجيدة مع الإمارات والعلاقات الجيدة مع أصدقاء الإمارات في عدن سيفتح المجال أمام روسيا لوضع يدها على عدن وهنا تصبح روسيا الأقوى وترغم الولايات المتحدة على الانسحاب من سوريا.

وحسب ما يراه مراقبون فإن الغموض الذي كان يلف تأييد الولايات المتحدة لقرارات هادي، ينكشف هنا وتتضح أوراق اللعبة، وهو قطع الطريق على روسيا في عدن وإبعاد أصدقاءها من المشهد السياسي ولو أتى ذلك على مصالح حليف واشنطن الأول “الإمارات”.

قد يعجبك ايضا