موقف دولي يحذر من إستهداف الحديدة وإستمرار قضية الرواتب

كشف تقرير دولي جديد عمّا آل إليه الوضع الإنساني، والواقعان الميداني والسياسي في اليمن، مع تصاعد الحديث عن استعدادات «التحالف» لغزو ميناء الحديدة، ومع بلوغ نسبة السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة نحو 60 في المئة، أي نحو 17 مليون شخص. وحذّر التقرير الصادر عن «مجموعة الأزمات الدولية»، من «أن الوضع على وشك أن يصبح أكثر سوءاً، حيث تبدو قيادة التحالف (العربي) عازمة على كسر حالة المراوحة الميدانية، القائمة منذ سبتمبر 2015، وذلك عبر محاولة الإستيلاء على السواحل (اليمنية) على البحر الأحمر، ومن بينها ميناء الحديدة»، تحت ذريعة «وقف تدفق الأسلحة إلى مقاتلي تحالف الحوثي – صالح»، و«دفعهم إلى طاولة المفاوضات».
وبحسب التقرير، فإن ذرائع «التحالف» المشار إليها تعد «موضع تساؤل»، على ضوء رفض حكومة الرئيس هادي، المدعومة من السعودية، وليس «معسكر الحوثي- صالح» مبادرة السلام الأخيرة، التي وضعها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
وزاد التقرير أن الهجوم على ميناء الحديدة، وبالتالي إغلاقه، سوف يؤدي إلى مفاقمة «تحدي المجاعة الشاملة»، وزيادة «الأضرار اللاحقة بهذه المنشأة الحيوية»، مشيراً إلى أن «المخاطر الإنسانية للمعركة، التي يرجّح أن تكون مطوّلة، ظاهرة وواضحة للعيان»، لا سيما وأن قوات «التحالف» الذي تقوده السعودية لن يتم استقبالها كـ«قوات محررة» في تلك المناطق، فضلاً عن توفر «الوقت الكافي» أمام «معسكر الحوثي- صالح» لإنشاء تحصينات، وتعزيز مواقعه الدفاعية. كذلك، و«حتى إذا كانت قوات التحالف قادرة على تأمين المدينة»، الواقعة على البحر الأحمر، فإنه «من غير الواضح ما إذا كانت لديها الإرادة أو القدرة على ضمان الإمدادات (الإنسانية) عبر خطوط الإشتباك»، وبخاصة إلى الشمال اليمني، حيث «يسيطر معسكر الحوثي- صالح»، وحيث «تقيم النسبة الأكبر من سكان اليمن». ومن منظور «مجموعة الأزمات الدولية»، يرى اليمنيون، عموماً، أن «حكومة هادي إنما تهدف إلى استخدام (ورقة) السيطرة على الميناء من أجل مواصلة الضغط الاقتصادي على مناطق خصومها، في مسعى لكسر تحالف الحوثي- صالح، أو إثارة انتفاضة داخلية ضد هذا التحالف» المناهض للرياض، الأمر الذي لطالما تنبأت به الأخيرة، وسعت إليه، علماً بأن «تكاليف هذه الاستراتيجية» سوف تقع غالباً على عاتق المواطنين اليمنيين، وليس خصوم المملكة في الداخل اليمني، لأنه «لا بديل عن ميناء الحديدة، سواء بمعايير ميزات الموقع الجغرافي، أو البنى التحتية» المتوافرة فيه.
ورصد التقرير معضلة أخرى في المشهد اليمني، لا تقل خطورة عن التداعيات المرتقبة للسيطرة على الحديدة، ترتبط بشكل كبير بهشاشة الوضع المالي وصعوبة الوضع المعيشي، حيث «لا يزال الغذاء المتوفر في الأسواق»، سواء في صنعاء أو في المدن اليمنية الأخرى، بعيداً عن متناول أيدي المواطنين، ممن «تقلصت قدرتهم الشرائية شيئاً فشيئاً». فبعد مرور عامين على اندلاع القتال، ودخول البلاد في أزمة اقتصادية مستفحلة، تقترب الأسر اليمنية والمجتمعات المحلية من «نقطة الإنهيار» والعوز، بعد أن «باعت ممتلكاتها وأنفقت مدخراتها واستنفدت شبكات الدعم (الاجتماعي) الموسعة». وأضاف التقرير أن قضية «تأخر دفع رواتب وأجور موظفي القطاع العام» منذ أغسطس عام 2016، تعد من «العناصر الجوهرية» في واقع الأزمة المالية في اليمن، وهو واقع يتسم بـ«تقلص الإيرادات الحكومية»، و«أزمة سيولة حادة»، فضلاً عن «عدم مقدرة البنك (المركزي) على توزيع المخصصات المالية، بين المناطق الواقعة على ضفتي النزاع». ونبّه التقرير من «تسييس» قضية البنك المركزي اليمني، في أعقاب قرار الرئيس هادي بنقل مقر المؤسسة من صنعاء إلى عدن، متجاوزاً «اتفاقاً ضمنياً» بين أطراف النزاع، من أجل السماح

للمصرف المركزي بالعمل بحرية وحياد، على نحو كفل قيامه بتسهيل استيراد السلع الأساسية، وحماية قيمة الريال اليمني، إلى جانب دفع رواتب القطاع العام، في ظل ظروف اقتصادية تزداد صعوبة يوماً بعد يوم.
اليوم، وبعد «حرمان البلاد من عائدات النفط التي شكلت ما يقرب من نصف ميزانية الحكومة عام 2014، ومن دون دعم المانحين (الخارجيين)، تعرضت خزينة الدولة، و(حجم) موجوداتها من السيولة الفورية، لضغوط هائلة»، إلى جانب «عدم مقدرة المستوردين على الإكتتاب»، وبالتالي عدم مقدرتهم على تغطية وتمويل مستحقات شحنات المواد الأساسية المستوردة. وفي السياق عينه، أورد التقرير «الاتهامات المتبادلة» بين الأطراف المتصارعة في اليمن، حيث يزعم الرئيس هادي بأنه لن يكون في مقدروه دفع رواتب الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرة «معسكر الحوثي – صالح»، ما لم يبادر الأخير إلى تحويل التحصيلات الضريبية في مناطق سيطرته إلى خزينة المصرف المركزي في عدن، فيما يتهم «معسكر الحوثي – صالح» حكومة هادي بـ«محاولة تجويع الشمال»، إلى جانب عدم اعترافه بقرار الحكومة المعترف بها دولياً، بنقل مقر المصرف المركزي اليمني إلى مدينة عدن، أو تشارك الموارد المالية معه.
وأردف التقرير بالقول إن «التعامل مع أزمة المجاعة، التي تلوح في الأفق، يعد تحدياً معقداً، يتطلب اتخاذ إجراءات فورية، من أجل منع تدهور الحالة الإنسانية، وتوفير المساعدة الإنسانية» لمن يحتاجونها في 7 محافظات من أصل 22 محافظة من محافظات البلاد، مع الإشارة إلى تضور اليمنيين جوعاً، نتيجة التداعيات المالية الناجمة عن الحرب، وإمكان استدراك الأزمة «إذا ما اختارت الأطراف السياسية الفاعلة القيام بعدة خطوات». ومن بين الخطوات المطلوبة، وفق تقرير خبراء «مجموعة الأزمات الدولية»: المبادرة إلى «التخلي عن مخططات اجتياح ميناء الحديدة»، إلى جانب دعم الجهود الأممية للتوصل إلى «اتفاق» بين حكومة هادي، و«معسكر الحوثي – صالح» بما يسهم في «معالجة أزمة رواتب الموظفين الحكوميين» وفق «جداول وبيانات العام 2014 (قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر من العام نفسه)»، وفي توفير «مخصصات مالية لدعم طبقات المجتمع اليمني الأكثر فقراً» بقيمة 500 مليون دولار، من قبل حكومتي السعودية والإمارات، والمانحين الدوليين، فضلاً عن ضرورة الاتفاق على «تحييد» عمل المصرف المركزي بمعزل عن التدخلات السياسية، من أجل توحيد النظام الضريبي، وتدعيم الموازنة، والعمل على تعزيز آلية عمل الجهاز المصرفي داخلياً وخارجياً، وذلك إلى حين التوصل إلى «تسوية سياسية» بين أطراف النزاع اليمني.
وفي جانب آخر، شدّد التقرير على ضرورة استئناف المباحثات بناء على خارطة الطريق الأممية، ومواصلة الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار، لافتاً إلى أن «مجلس الأمن الدولي مطالب باتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لبعث المسار السياسي، من خلال تمرير قرار جديد طال انتظاره، وتحت الفصل السابع»، يدعو إلى «وقف فوري لإطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية بلا عقبات»، مع التأكيد على أهمية «العودة إلى المحادثات وفق مرجعية خارطة الطريق الأممية، والتي تتطلب تنازلات متبادلة بين الجانبين».

 ا . ف . ب 

قد يعجبك ايضا