(تقرير): الهدنة في اليمن قد لا تشهد تمديداً جديداً
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
مع اقتراب دخول الهدنة الموقعة بين اليمن ممثلة بحكومة صنعاء والتحالف السعودي الإماراتي ممثلاً بالرياض شهرها الرابع، يتوقع العديد من المراقبين بأن هذا الشهر سيكون الأخير من عمر هذه الهدنة التي لم يلتزم التحالف بتنفيذ بنودها بشكل كامل كما هو متفق عليه إضافة لفجاجته في الخروقات العسكرية والتي كان آخرها تنفيذ العديد من الغارات الجوية في محافظة الحديدة.
بدورها صنعاء لا ترى في أن بقاء هذه الهدنة على هذا الحال في مصلحتها فلا التحالف توقف عن حجز سفن المشتقات النفطية على الرغم من حصولها على تصاريح العبور بعد تفتيشها من قبل بعثة التفتيش التابعة للمنظمة الدولية في جيبوتي ولا هو التزم بالسماح بتسيير الرحلات الجوية المدنية والإنسانية من وإلى مطار صنعاء وفقاً لما تم الاتفاق عليه برحلتين أسبوعياً واحدة إلى الأردن والأخرى إلى القاهرة.
إلى جانب كل ذلك لا يزال التحالف يؤكد عملياً على أن الهدنة بالنسبة له مجرد استراحة محارب فقط يستعيد فيها أنفاسه وأنفاس مقاتليه المحليين المفككين والمنقسمين ضد بعضهم البعض لتجميعهم ومحاولة توحيدهم ضد قوات الجيش اليمني، وهو ما تمثل بعمليات التحشيد والتجنيد وتشكيل ألوية عسكرية جديدة تحت مسميات جديدة، وهو ما استدعى من وزارة الدفاع اليمنية في صنعاء إلى أن تبعث برسائل تحذيرية للتحالف بأن أي حماقات قادمة له سيكلفه الكثير من الثمن.
في هذا السياق قال المحلل العسكري اليمني العميد عابد الثور، إن من المؤكد أن رسائل وزير الدفاع اليمني اللواء الركن محمد ناصر العاطفي الأخيرة حملت معها أبعاد استراتيجية عسكرية بحتة وأبعاد إنسانية وإبعاد سياسية.
وقال الثور في تعليق على تصريحات وزير الدفاع اليمني الأخيرة إن هذا يعتبر تحذيراً من ثاني أهم شخصية عسكرية يمنية، وقال إن ما يُفهم من رسائل الدفاع اليمنية أن القادم سيؤلم النظام السعودي وأن الضربات الموجعة ستأتي.
وأضاف الثور إن أبرز ما حملته الرسائل العسكرية هو أن السعودية لا تزال في مرمى أسلحة الجيش اليمني سواءً الصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيرة أو الصواريخ المجنحة المحلية الصنع، وأن الرسالة الثانية هي أن السعودية إذا لم تتعظ فإن الضربات القادمة ستكون أكثر إيلاماً ووجعاً من سابقاتها، مضيفاً بالقول “باختصار لدى القوات المسلحة اليمنية اليوم أسلحة الردع الاستراتيجية وتمتلك من القوة العسكرية ما يضمن لها أن تصرخ السعودية وأن تستغيث دول العدوان”.
لا فائدة من هذه الهدنة
واعتبر المحلل العسكري العميد الثور، وفقاً لوجهة نظره، أن الهدنة التي تم التوقيع عليها بين صنعاء والتحالف نهاية مارس الماضي، بأن صنعاء لم تستفد من هذه الهدنة، وأن المستفيد منها هو الطرف الآخر الذي استطاع كسب الوقت فقط لترتيب صفوفه، وأضاف إن تصريحات وزير الدفاع واضحة بهذا الشأن بكون صنعاء مدركة جيداً لجميع التفاصيل العسكرية لدى الطرف الآخر التي نفذت خلال فترة الهدنة.
ولفت عابد إلى أن النقطة الرئيسية التي أثبتتها هذه الهدنة من جديد هو أن القرار ليس بيد السعودية ولا بيد الإمارات، مؤكداً أن القرار هو قرار أمريكي، مستشهداً على ذلك بالتعزيزات والتحشيدات في شبوة وفي غيرها من المناطق إضافة لتكثيف الحضور الأمريكي العسكري في جنوب اليمن، وما صاحب ذلك مؤخراً من اعتراف للرئيس الأمريكي جو بايدن بوجود قوات أمريكية في جنوب اليمن وأخرى داخل السعودية لمساعدتها في اليمن وحمايتها من الهجمات التي تتعرض لها، مؤكداً أن هذا الاعتراف دليل على أن النوايا ليست الخروج من اليمن ولا إنهاء الحرب وأن الهدنة مجرد غطاء لمنحهم الوقت والفرصة لترتيب أوراقهم ولملمة صفوف أدواتهم المحلية.
بدوره قال المحلل العسكري في الجيش اليمني العقيد عبدالغني الزبيدي، إن مستوى مسار الهدنة لم يكن كما كان مؤملاً لكون الخروقات التي وقعت خلال فترة الهدنة من البداية حتى كانت كبيرة جداً أبرزها شن التحالف لغارات جوية عديدة في الحديدة باستخدام الطيران المسير.
وأضاف الزبيدي إن الجانب الآخر من الهدنة والمتمثل بمطار صنعاء كان تنفيذ هذا البند سيئاً للغاية حيث لم يتم فتح مجال الرحلات إلى القاهرة كما لم يكن هناك التزام من التحالف بالعدد المتفق عليه من الرحلات عبر مطار صنعاء والمقدرة برحلتين أسبوعياً.
وقال الزبيدي إن هناك امتعاضاً شديداً من قبل القيادة في صنعاء بالذات القيادة العسكرية والتي ترى أن من غير المقبول تمديد الهدنة مع بقائها على هذا الحال، متوقعاً أن صنعاء قد تلتزم فقط بالحفاظ على الهدنة خلال ما تبقى لها من أيام من دون المضي في تمديدها مجدداً.
اغتيال قائد ألوية اليمن السعيد
وعلق العقيد الزبيدي على اغتيال عبدالرزاق البقماء قائد ما يسمى بألوية اليمن السعيد في مأرب والتي اتجهت السعودية لتمويل تشكيلها ككيان عسكري جديد بالتزامن مع تغيير قيادة السلطة الموالية لها عبر الإطاحة بهادي ومحسن والإتيان برشاد العليمي على رأس مجلس رئاسي مكون من 8 أشخاص معظمهم من أمراء الحرب في الجنوب، وقال الزبيدي إن البقماء من القيادات السلفية المعارضة لوجود الإصلاح في مأرب، وإضاف إن البقماء حين عاد إلى مأرب كان هناك امتعاض من القيادات الإخوانية وبالتالي اتخذ القرار باستهدافه.
وأكد العقيد الزبيدي إن الإصلاح يرى بأن ألوية اليمن السعيد هي التي ستحل محل قوات الإصلاح في مأرب بعد التغييرات التي حدثت في رأس هرم السلطة التابعة للتحالف بتشكيل المجلس القيادي الرئاسي.
كما تطرق الزبيدي إلى عودة نشاط تنظيم القاعدة الإرهابي وإعادة انتشاره في جبهات القتال إلى جانب قوات التحالف ضد قوات صنعاء، حيث لفت إلى أن التنظيم الإرهابي وباعتراف الأمريكيين والأوروبيين أنفسهم وكبريات وسائل إعلامهم بأن تنظيم القاعدة الإرهابي يقاتل بدعم وتمويل من التحالف السعودي جنباً إلى جنب مع المقاتلين المحليين الموالين للتحالف ضد قوات صنعاء منذ بداية الحرب وليس من الآن.
وأشار الزبيدي إلى أن ظهور التنظيم بشكل أكبر من جديد يشير إلى أن التحالف ينوي إشعال الحرب من جديد في اليمن.
ملف النفط وأزمة المشتقات المتصاعدة
يرى اقتصاديون أن استمرار الارتفاع العالمي في أسعار المشتقات النفطية على الرغم من حالة الاستقرار النسبي المؤقتة خلال الأسبوعين الماضيين لسعر النفط الخام، سيؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي في اليمن، الذي يعتمد كلياً على احتياجاته من المشتقات النفطية عبر استيرادها من الخارج رغم أن البلد واحد من البلدان المنتجة للنفط والمصدرة له أيضاً، لكن ذلك لا يسري على الشعب اليمني الذي تذهب عائدات نفطه الخام الذي تبيعه الحكومة المدعومة من التحالف السعودي إلى حسابات خاصة في البنك الأهلي السعودي بدلاً من توريدها إلى البنك المركزي في عدن.
ويرى المراقبون إنه قد ترتفع أسعار المشتقات النفطية أكثر في اليمن على المدى القريب بفعل استمرار ارتفاع أسعار البورصة العالمية بفعل الحرب في أوكرانيا واستمرار أمريكا فرض حضر على النفط الروسي وفرض عقوبات اقتصادية على الصين ما أثر سلباً على سوق الشحن العالمي وارتفاع تكاليف الشحن وهو ما انعكس بدوره على سعر المشتقات النفطية، وإزاء ذلك فإن على الأطراف اليمنية إيجاد صيغة مناسبة لتحقيق التقارب لحل أزمة المشتقات النفطية بناءً على تحقيق مصلحة الشعب اليمني أولاً وابعاد هذا الملف عن أي مساومات سياسية.
كما يرى المراقبون إن على حكومة صنعاء ان تحرص على أن تستغل تمديد الهدنة للمرة الثانية بعد الثاني من أغسطس القادم من أجل الضغط على التحالف لتوسيع هذه الهدنة بما يشمل حل أزمة المشتقات النفطية لخفض أسعارها من خلال وضع مطالب جديدة مثل توريد عائدات مبيعات النفط الخام إلى البنك المركزي في عدن بدلاً من البنك الأهلي السعودي وتعويض فارق السعر في المشتقات النفطية المرتفعة عالمياً من أجل دعم الكميات المستوردة وخفض أسعارها للمستهلك، إضافة إلى الملفات الأخرى التي يتطلبها تمديد الهدنة مثل إعادة تشغيل الكهرباء الغازية في مأرب وإعادة التيار الكهربائي إلى مناطق سيطرة حكومة صنعاء، بالإضافة لتقديم ضمانات لعدم الاخلال بمواعيد الرحلات الجوية المدنية والتجارية من وإلى مطار صنعاء والتي لم يلتزم بها التحالف بحسب ما تم الاتفاق عليه على أساس رحلتين أسبوعين واحدة إلى القاهرة والثانية إلى الأردن ذهاباً وإياباً، إضافة لملف المرتبات المتعثر والذي قالت صنعاء إنها ستضغط لطرحه على طاولة مفاوضات تمديد الهدنة كشرط للقبول بالتمديد على أن يتم تطبيق ما تم الاتفاق عليه في اتفاق استوكهولم بهذا الشأن، حيث نص الاتفاق الموقع بين التحالف وصنعاء في 2019 على توريد عائدات جمارك المشتقات النفطية المستوردة عبر ميناء الحديدة بحساب بنكي في مركزي الحديدة لصالح المرتبات على أن يتم تكملة هذا المبلغ من عائدات النفط الخام المباع عبر حكومة التحالف.
ويؤكد المراقبون إنه وفي حال تم تمديد الهدنة بدون أي توسيع لها وبدون تعديل الاختلالات التي شابت الهدنة وفترة تمديدها الأولى فإن صنعاء ستقع في مأزق مواجهة الارتفاعات العالمية في أسعار المشتقات النفطية في ظل عدم وجود أي حلول يمكنها القيام بها سوى فرض ضغوطها على الطرف الآخر لتحييد الجانب الاقتصادي والثروات النفطية وتحويل ايرادات الخام المباع لصالح دعم المشتقات النفطية المستوردة لليمن لخفض سعرها إضافة للضغط على الطرف الآخر لتشغيل مصافي عدن لتكرير النفط والتي يمكنها إنتاج جزء لا بأس به من احتياجات السوق المحلي من المشتقات النفطية للإسهام في خفض الأسعار.