سيناريو سعودي نحو انهيار للهدنة شمالاً يبدأ من استهداف مطار صنعاء وتهيئة الأرضية جنوباً لصراع قادم
خاص – المساء برس| تقرير: يحيى محمد الشرفي|
من الملاحظ وبما لا يدع مجالاً للشك أن هناك نوايا للتحالف لاستهداف مطار صنعاء، المقصود هنا بالاستهداف ليس بالقصف بل بإعادة حظر الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء.
مطار صنعاء كورقة مساومة سعودية
الأحد الماضي، ألغى التحالف السعودي ثاني رحلة من مطار صنعاء إلى القاهرة وبدون أي سبب، وذلك بعد أيام من إلغاء رحلة سابقة لنفس الوجهة على الرغم من أن تدشين الرحلات بين القاهرة وصنعاء جاء في آخر يوم من عمر المدة الزمنية للهدنة قبل أن يتم تمديدها لشهرين إضافيين، وهذا يتزامن مع بدء إعلام التحالف والإعلام التابع للقوى الموالية له في الداخل اليمني بشن هجمة على مطار صنعاء ونشر مواد صحفية تحريضية ضد مطار صنعاء، وكأن هناك رغبة في الإقدام على عمل ما بشأن مطار صنعاء ويجري حالياً تهيئة ذلك إعلامياً من قبل التحالف.
وفي الثاني من يونيو الجاري تم الإعلان عن تمديد الهدنة لشهرين إضافيين حتى 2 أغسطس القادم، ووافقت صنعاء بتمديد الهدنة على مضض بسبب عدم التزام التحالف ببنودها كاملة فلا سمح بدخول كامل سفن المشتقات النفطية في مواعيدها بدون أن يحتجزها قبل إطلاقها عدة أيام قبالة جيزان ولا هو التزم بفتح الأجواء لتسيير الرحلات من وإلى مطار صنعاء لكامل الرحلات المقررة إلا بعد مضي فترة لا بأس بها من عمر الهدنة وهو ما أدى إلى ضياع الرحلات الجوية المدنية الإنسانية التي كانت مقررة برحلتين أسبوعياً من صنعاء إلى القاهرة وعمّان وحين تم تدشين الرحلات لم يتم تعويض الرحلات السابقة.
مرّ الآن من عمر الهدنة مع فترة تمديدها الإضافية 73 يوماً وفي الوقت الذي يفترض أن يكون فيه عدد الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء قد بلغت 20 رحلة إلا أن ما تم السماح به من حتى الآن 8 رحلات فقط منها واحدة فقط إلى القاهرة.
المؤكد أن التحالف يستخدم الهدنة للمناورة فقط أمام صنعاء، ويحاول استفزازها لدفعها لإبداء ردة فعل تفضي إلى فشل الهدنة وإلغائها بحيث يكون المسؤول عن فشل الهدنة أمام المجتمع الدولي هي حكومة صنعاء، ووصل الحد باستفزاز التحالف لصنعاء لشن غارات جوية من قبل طيران التحالف باستخدام طائرات الدرون، آخر غارة كانت في تعز خلال الساعات الماضية.
أما الجبهات العسكرية فلا شك أنها شهدت هدوءاً كبيراً منذ بدء الهدنة في الثاني من أبريل الماضي إلا أن ذلك الهدوء ليس مكتملاً فلا يمر يوم إلا وتقدم فيه القوات التابعة للتحالف على ارتكاب خروقات عسكرية وعمليات قصف متقطعة وهو ما يستدعي من قوات صنعاء الرد على هذه الخروقات بشكل متناسب، بل إن الخروقات العسكرية بالقصف والاستهداف لم يقتصر على القوات التابعة للتحالف في الداخل اليمني بل وصل أيضاً حد قصف المدفعية السعودية لمناطق آهلة بالسكان شمال محافظة صعدة والتسبب بسقوط قتلى وجرحى.
السعودية تناور صنعاء وواشنطن
هناك متغير جديد طرأ على الهدنة، وهو استغلال السعودية للرغبة الأمريكية باستمرار الهدنة وتمديدها أطول فترة ممكنة من أجل ضمان عدم استهداف صنعاء لإمدادات الطاقة من السعودية للسوق العالمية كي لا ترتفع أسعار النفط الخام والغاز، كون أي ارتفاع في الأسعار سينعكس إيجاباً على روسيا التي تتعرض لعقوبات اقتصادية غربية بسبب الحرب في أوكرانيا، وقد خففت مسألة ارتفاع أسعار النفط والغاز من وطأة هذه العقوبات على روسيا لأن الغرب لا معظم الدول الأوروبية لا تزال بحاجة ماسة للنفط والغاز الروسي، وبالنسبة للسعودية فهي تحاول جر الولايات المتحدة الأمريكية إلى المزيد من الانغماس في الحرب في اليمن بشكل مباشر مستخدمة ملف النفط ورقة مساومة مع واشنطن الراغبة من السعودية رفع إنتاجها من النفط الخام بهدف خفض الأسعار العالمية لأن تخفيض الأسعار عالمياً سيجعل من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا مؤثرة جداً ومجدية.
السعودية مستعدة لرفع إنتاجها لكن شريطة اشتراك الولايات المتحدة في الحرب في اليمن واستمرار تقديم الدعم الذي كانت تتلقاه السعودية من قبل بما في ذلك الدعم اللوجستي والقيادة المشتركة للحرب في اليمن بما في ذلك قيادة العمليات الجوية واستمرار صفقات الأسلحة بما فيها صفقات صواريخ الباتريوت الدفاعية الجوية والتي وصل الحال ببن سلمان إلى أن يستجدي جيرانه الخليجيين أن يمنحوه بعضاً من تلك الصواريخ بعد أن قاربت على النفاد، وبالطبع فإن الرغبة السعودية في توسيع مشاركة واشنطن للحرب في اليمن هدفه أن يتحول مسار الحرب من هزيمة سعودية إلى انتصار، فيما إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لا تزال مترددة لأن الأخير وعد بإنهاء الحرب في اليمن في حملته الانتخابية وبالتالي فإن أي انخراط امريكي أكثر في الحرب على اليمن يعني تخلفه عن وعوده التي قطعها بحملته الانتخابية أمام جمهوره وجمهور حزبه وسيكون بذلك قد قدم لمنافسيه الجمهوريين فرصة ذهبية على طبق من ذهب لمهاجمته وإضعاف موقفه وهو حالياً في غنى عن ذلك خاصة مع اقتراب الانتخابات النصفية، مع ذلك هناك مؤشرات على تقبل واشنطن فكرة عودة توسيع الدور الأمريكي العسكري في اليمن ولكن قد تحتاج إدارة بايدن لخلق ذريعة جديدة للعودة وليس هناك ما هو أفضل من شماعة “مكافحة الإرهاب وتنظيم القاعدة” والذي بالمناسبة حصل على ضوء أخضر من الرياض للعودة من جديد لمزاولة نشاطه جنوب اليمن بالتزامن مع تغيير بن سلمان لقيادة السلطة اليمنية المنفية الموالية له، وعموماً فهناك من الأخبار والتسريبات بل وحتى التصريحات ما يشير إلى نية واشنطن توسيع وإشهار فرض الوجود العسكري في اليمن فقبل اسبوع وجه بايدن رسالة للكونجرس – بحسب ما أعلنه البيت الأبيض – يبلغ فيها عن طبيعة ودور القوات الموجودة في اليمن وفي السعودية لكن من دون أن يحدد قوامها، واعترف بايدن بأن هذه القوات التي وصفها بأنها “مجهزة للقتال” موجودة من أجل المشاركة في الحرب باليمن لحماية المصالح الأمريكية وحماية أصدقاء واشنطن، في إشارة للسعودية، وحاول بايدن تمويه الرسالة بالحديث عن أن عمل هذه القوات يتمحور حول محاربة “القاعدة وداعش” إضافة إلى تقديم مشورة عسكرية ومعلومات للتحالف الذي تقوده السعودية، وتضمنت الرسالة أيضا تبريراً حول عمل القوات الأمريكية المنتشرة في السعودية والتي قال بايدن إنها لحماية المصالح الامريكية عبر توفير قدرات دفاعية جوية وصاروخية وتشغيل الطائرات الأمريكية العسكرية.
موقف صنعاء من النوايا السعودية “الخبيثة”
حالياً يدرك صانع القرار السياسي في صنعاء وقادة الحرب أيضاً أن الهدنة المزعومة ليست إلا تكتيكاً سعودياً لإعادة ترتيب الأوراق، وبشكل متعمد حاولت صنعاء إيصال رسائل للتحالف والرياض تحديداً أنها على علم بما يسعى التحالف لتنفيذه مستقبلاً وأنها مستعدة لمواجهة أي حماقات سعودية جديدة وبشكل لا يمكن تصوره سعودياً، وهذه التحذيرات وصلت لدرجة أن يوجهها زعيم أنصار الله بنفسه خلال لقائه بمشائخ ووجهاء تعز قبل أيام قليلة، وما تلى ذلك من تصريح لنائب وزير الخارجية بحكومة صنعاء حسين العزي الذي أكد أنه إذا ما اندلعت شرار الحرب مجدداً فستكون تبعاتها كارثية على المنطقة برمتها، وما حذّر منه أيضاً محللون بحكومة صنعاء من أن حتى أدوات التحالف الجديدة في الجنوب قد لا تجد الوقت للهروب من قصر معاشيق، وستعمل صنعاء على إعادة ورقة (جنوب اليمن مقابل جنوب السعودية) إلى السطح من جديد، وهنا يمكن التأكيد وفق المعطيات والمعلومات المتوفرة بأن صنعاء اليوم تملك القوة البشرية الكافية لإشعال كل محاور وجبهات القتال بوقت واحد بما في ذلك جميع جبهات الحدود الكفيلة بإخضاع السعودية من جديد وإعادتها للصواب.
ربط مفاوضات فتح الطرق ببنود الهدنة مرفوض
الواضح من سياق الخطاب الإعلامي للقوى التابعة للتحالف أنها تريد ربط مفاوضات فتح الطرق بين المحافظات بالبنود الرئيسية للهدنة المتفق عليها بشكل مباشر بين صنعاء والأمريكان والتحالف بوجود الألمان في مسقط، فيما صنعاء تتعامل مع ملف فتح الطرق على أنه ملف منفصل تماماً عن المقايضة التي تمت في بنود الهدنة الواضحة فالهدنة نصت على وقف القتال من الطرفين صنعاء من طرف والتحالف وقواته الموالية له محلياً من طرف، هذا في الجانب العسكري، مقابل التزام التحالف في الجانب الإنساني بفتح الأجواء أمام رحلات الطيران المدني من وإلى مطار صنعاء بواقع رحلتين أسبوعياً واحدة إلى القاهرة والثانية إلى عمّان إضافة للسماح لـ18 سفينة مشتقات نفطية بالدخول عبر ميناء الحديدة خلال مدة الهدنة المزمنة بشهرين، ومع تمديدها لشهرين إضافيين يفترض رفع عدد سفن المشتقات التي ستدخل إلى ميناء الحديدة إلى 36 سفينة مشتقات، بينما لم يتم الاتفاق في مسقط على مسألة التزام صنعاء بفتح الطرق في تعز مقابل تنفيذ التحالف للبنود الرئيسية الأخرى، بل تم وضع مسألة فتح الطرق وورودها في اتفاق الهدنة على أنها ستكون مفاوضات بين صنعاء من جهة والطرف التابع للتحالف من جهة على أساس التفاوض بشأن فتح الطرق في تعز وفي المحافظات الأخرى وليس تعز فقط بما في ذلك مأرب والبيضاء وغيرها وهنا تكمن العقدة التي يحاول المبعوث الأممي تجاوزها من خلال إقناع التحالف قبول تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه في مسقط وليس تسييس بنود الهدنة الرئيسية كملف مطار صنعاء ومحاولة مقايضته بقبول صنعاء فتح طريق واحد في تعز وهو طريق الحوبان الذي يعد أبرز وأهم جبهة عسكرية يمكن للطرف الآخر من خلالها استغلال فتح هذا الطريق – في حال تم من دون تنفيذ عملية إعادة انتشار لقوات الطرفين – استخدام المدنيين دروعاً بشرية من أجل شن هجوم عسكري ضد قوات صنعاء لإسقاط الحوبان والالتفاف على مناطق ريفية أخرى بنفس الأهمية العسكرية والجغرافية ما يعني استغلال أدوات التحالف لفتح الطريق من أجل تعزيز وضعها العسكري في تعز.
“قوات اليمن السعيد” أبرز مؤشرات التوجه نحو تصعيد عسكري
جنوباً، بدأ السيناريو السعودي القادم يتشكل وتتضح معالمه كالتالي: قوات ما يسمى “اليمن السعيد” التي يجري تجنيدها وفتح معسكرات لها في أبين برعاية من التحالف وتحديداً السعودية، كشفت عن رغبة التحالف في تفريخ المزيد من المليشيات في الجنوب بدلاً من دمج المليشيات السابقة تحت قيادة وزارتي الدفاع والداخلية بسلطة رشاد العليمي، كون من يقف خلف التجنيد قائد القوات السعودية في عدن العميد مجاهد العتيبي.
بالنسبة للانتقالي فهو متخوف جداً من هذه القوات الجديدة التي يجري تجنيدها من أبناء أبين تحت مسمى ألوية اليمن السعيد، أولاً لأن قوام هذه القوات سيصل إلى 22 لواء، ثانياً لأن التحالف استهداف أبناء ابين في تجنيدهم وهم الذين رفض الانتقالي قبولهم ضمن قواته سواء العسكرية أو الأمنية.
التحالف يروج بوسائل إعلامه التابعة للقوى المحلية الموالية له إن هذه القوات يجري تشكيلها من أجل استكمال العملية العسكرية في اليمن ضد قوات صنعاء، لكن الانتقالي لا يرى الأمر كذلك وهناك اعتقاد سائد بأوسط الانتقالي أن هذه القوات هدفها ضرب الانتقالي وسحب بساط السيطرة العسكرية له على بعض مناطق الجنوب ومنها عدن معقله الرئيسي.
الموقف السياسي على الجانب الجنوبي من اليمن
مجلس القيادة الرئاسي الذي شكلته السعودية، وأمام استمرار بقائه مجرداً من الصلاحيات ومن الإدارة وعدم قدرته على امتلاك قراره، فقد حاول تعزيز حضوره من خلال تعزيز علاقاته بدول عربية أخرى غير السعودية والإمارات، مقدماً نفسه كوريث لما تسمى “الشرعية”، لكنه فشل في ذلك، وأبرز مؤشرات هذا الفشل عدم حصوله على أي دعم اقتصادي لأن الدعم الخليجي مرهون بموافقة السعودية أو رفضها، حتى أن هناك دولاً رفضت استقبال العليمي في جولته الخارجية منها الأردن وسلطنة عمان وزيارته لمصر كانت غير رسمية ولم يستقبله السيسي في المطار، إضافة لبقاء العليمي ومن معه من أعضاء الرئاسي في القاهرة طيلة هذه المدة كلها وعدم عودته إلى عدن يشير إلى أن الانقسام بين الانتقالي والرئاسي بلغ حداً يكاد يصل إلى التصادم المسلح.
“المجلس الرئاسي” منقسم بشكل كبير جداً فبعد أسبوع من تشكيل العليمي لجنة لدمج المليشيات قامت بعض الأطراف داخل المجلس بتفريخ المزيد من هذه المليشيات، فالانتقالي قام بتخريج دفع جديدة من قواته وذهب لاستعراض قوات أخرى في أكثر من منطقة بعروض عسكرية وسط تصاعد التوتر بينه وبين طارق صالح من جهة وبينه وبين العليمي من جهة، والإصلاح ذهب إلى التلويح باستخدام عناصره المسماة (المقاومة الشعبية) بأنها ستبقى خارج الهيكلة العسكرية الجديدة ودمج المليشيات تحت ذريعة مساندة الجيش وحماية الثورة ومكتسباتها، وقد صرح بذلك وبشكل واضح القيادي الإخواني حمود سعيد المخلافي قبل عدة أسابيع.
تؤكد المعطيات أيضاً أن العليمي الذي لا يستند لأي قوة عسكرية على الأرض يحاول التكتل مع كلاً من طارق عفاش قائد ما يسمى المقاومة المشتركة بالساحل او ما يعرف باسم حراس الجمهورية، وعبدالرحمن المحرمي قائد ألوية العمالقة، ضد كلاً من الانتقالي وفرج البحسني، فيما لا تزال العلاقة بين سلطان العرادة والمجلس الرئاسي تشهد حالة من عدم الثقة وبشكل كبير جداً وملموس فالعرادة يرفض حتى اليوم توريد أي إيرادات من النفط والغاز إلى مركزي عدن.
تدوير الفوضى الأمنية والاقتصادية والمعيشية داخل الجنوب
كل ذلك في كفة والحفاظ على عدم وصول أبناء الجنوب إلى حالة استقرار اقتصادي ومعيشي وأمني في كفة أخرى، فالسعودية والإمارات متفقتان منذ بداية الحرب على اليمن على عدم السماح بوجود أي استقرار في أي منطقة تسيطران عليها جنوب وشرق اليمن، الهدف من ذلك هو عدم إتاحة الفرصة لأبناء المناطق التي يسيطر التحالف للبحث عن الوضع الأفضل، فمثلاً أي استقرار اقتصادي ومعيشي سيدفع بالجميع سواء مواطنين أو حتى قيادات إلى فتح ملفات عودة سيطرة اليمن على منشأة بلحاف لتصدير الغاز المسال أو رفع يد التحالف عن الموانئ والمياه اليمنية والمطارات التي حولتها القوات السعودية والإماراتية في الجنوب إلى قواعد عسكرية مغلقة وملفات أخرى لا تزال السعودية والإمارات تحرصان على عدم السماح لأبناء المناطق الجنوبية والشرقية حتى مناقشتها ولو حتى بوسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، والخلاصة هو أن التحالف سيحرص حتى مع استحداثه سلطة جديدة وحتى مع السماح لها بالعودة إلى اليمن فإنه سيحرص على إبقاء الجنوب منشغلاً في مشاكله التي لن تنتهي سواء الأمنية كالاغتيالات والانفلات الأمني والعمليات الإرهابية والتقطعات أو المشاكل الاقتصادية والمعيشية والخدمية التي ما إن تنتهي واحدة حتى تظهر أخرى.