عودة “حدود الدم”
المساء برس – يحيى الشرفي
“يقول موشي ديان – وزير دفاع إسرائيلي سابق – إن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفقهون وإذا فقهوا لا يعملون”..
قبل عشر سنوات من الآن وتحديداً في يوليو 2006م نشرت المجلة العسكرية الأمريكية “آرمد فورسز جورنال” خارطة جديدة للشرق الأوسط وضعها الجنرال الأمريكي المتقاعد رالف بيترز تصف وضع الشرق الأوسط الأفضل في مقالة عنونها بـ”حدود الدم” وفي هذه المقالة والخارطة المرفقة معها قسم فيها بيترز الشرق الأوسط على أسس عرقية ودينية وطائفية، وقد برر لهذا التقسيم أن هناك أقليات مضطهدة ومظلومة وأن منطقة الشرق الأوسط تستحق وضعاً أفضل مما هي فيه وأن تقسيم سايكس بيكو قد ظلمت شعوب هذه المنطقة، وأن التقسيم الأفضل لها يجب أن يكون على أسس عرقية وإثنية وطائفية وأن الصراعات الطائفية والتصفيات العرقية الحاصلة في بعض البلدان لن تنتهي إلا إذا تم إعادة تقسيم المنطقة على هذه الأسس.
ويقول بيترز إن هذا التقسيم لن يحدث إلا بعد أن تسفك دماء مئات الآلاف من أبناء المنطقة، وأن لا محالة من إراقة هذه الدماء.
ما طرحه الجنرال الأمريكي – وإن كان بصفة شخصية – بات حقيقياً وواقعياً ومشاهداً اليوم على أرض الواقع.
إننا كعرب – كما قال عنا موشي ديان – لا نقرأ ولا نفهم ولا نعمل إذا فهمنا بدليل أننا لا نلقي بالاً لما يخطط له الغرب ولا لما يتحدثون عنه بشكل رسمي أو غير رسمي والنتيجة هي أننا ننقاد لما يخطط له الآخرون دون أن نشعر.
ولا نستبعد أن يأتي يوم وقد أصبحت خريطة الشرق الأوسط الجديد – بحسب بيترز – أمراً ملموساً.
داعش في العراق والحرب السعودية على اليمن والصراع في سوريا وفي ليبيا والمؤامرة التي تطبخ الآن على نار هادئة ضد مصر وبوادر النزاع المتصاعد بين المغرب والجزائر، كل هذه قد تكون أدواتاً يستخدمها الغرب لتنفيذ هذا المخطط حالياً.
بحسب خطة الجنرال الأمريكي المتقاعد بيترز فإن هناك دولاً سيعاد تقسيمها وأخرى سيضاف إليها مناطق جديدة فعلى سبيل المثال سيضاف إلى اليمن أجزاء من عسير ونجران وجيزان جنوب المملكة السعودية، وبالنظر إلى ما يحدث الآن في الحدود بين اليمن والسعودية فإننا لا نستبعد ولو بعد حين أن تنتهي هذه الحرب بانضمام هذه المناطق إلى اليمن، وقد يحدث العكس إذ لا نستبعد أيضاً انقسام اليمن إلى يمنين بالنظر إلى وضع الانقسام بين الأطراف اليمنية في النفوذ العسكري والسياسي.
المطاردة الجارية منذ عامين تقريباً بين الجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة وداعش من جهة ثانية في العراق والتي تسببت بتهجير مئات الآلاف من العراقيين وما نتج عن ذلك من استهداف ممنهج واضطهاد للأقليات كـ”الأزيديين” – مثلاً – يؤسس لتقسيم عرقي كالذي وضعه رالف بيترز.
صحيح أن تقسيم بيترز لم يتطرق إلى شمال أفريقيا لكن ذلك لا يعني أن ما يحدث في مصر وليبيا وبين الجزائر والمغرب ليس ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد، وقد يكون تقسيم بيترز حقيقياً مائة بالمائة وقد يكون جزءاً منه حقيقياً وقد يكون مجرد تضليل لتنفيذ مخطط آخر، لكن الحقيقة هي أن العرب ينفذون – بعلمهم أو بدون علمهم – مخططاً غربياً لرسم خارطة جديدة قائمة على تقاسم المصالح بين الدول العظمى.
أخيراً.. نحن كعرب (مثقفين وسياسيين وأصحاب قرار) لم ندرك أو بالأحرى لا نريد أن ندرك ما الذي يحدث في المنطقة وما الذي يؤسَس له.. وإذا حدث وأن فكرنا لنحاول إيقاف ما يجري فإننا لا نفكر ولا نخطط إلا للمدى القريب وفي إطار الجزئيات الصغيرة، ذلك لأننا لا ننظر أبعد من قدمينا، ولا نريد أن نكلف أنفسنا عناء النظر إلى ما هو أبعد من ذلك.