واشنطن تلقي بثقلها في ملف مأرب.. وصنعاء ترد على التهديدات ميدانياً
خاص- المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
سعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة لسحب ملف مأرب من يد السعودية والتدخل بشكل مباشر في هذا الملف الذي يقلق واشنطن بشكل كبير نظراً لتداعياته السياسية والاقتصادية على وضع سلطات صنعاء التي تعرضت لحرب اقتصادية منذ منتصف العام ٢٠١٦ وحتى الآن بعد فشل التحالف عسكرياً بهدف الضغط على سلطة صنعاء ودفعها للاستسلام.
فواشنطن هي من قررت في تلك الفترة أي منتصف ٢٠١٦، تهديد وفد صنعاء المفاوض في الكويت بالورقة الاقتصادية وحينها هدد السفير الأمريكي السابق لدى اليمن كبير مفاوضي صنعاء محمد عبدالسلام حرفياً “إما القبول بما طرحناه أو نجعل أوراق العملة اليمنية لا تساوي الحبر المطبوع عليها وسنسحب البنك المركزي من صنعاء”.
ومع فشل واشنطن في الضغط على صنعاء باستخدام الورقة الاقتصادية خاصة ورقة البنك المركزي التي كان هدفها جعل صنعاء غير قادرة على دفع مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرتها، رغم أنها كانت قبل نقل البنك إلى عدن تدفع كافة مرتبات نوظفي الدولة المدنيين والعسكريين بالكامل بما في ذلك مرتبات موظفي وقوات هادي في مناطق سيطرة التحالف، مع فشل هذا الضغط قررت واشنطن منح السعودية الضوء الأخضر لتصعيد الحرب الاقتصادية ضد صنعاء وهو ما حدث بالفعل من خلال تشديد الحصار على ميناء الحديدة ومنع السفن التجارية من الوصول إليه بالإضافة إلى فرض حصار على استيراد المشتقات النفطية.
ومع اقتراب قوات صنعاء من إحكام السيطرة على مدينة مأرب آخر معاقل التحالف في مناطق شمال اليمن، بدأت واشنطن تشعر بخطر سقوط المدينة بيد قوات صنعاء نظراً لما تمثله المدينة من مخزون نفطي سيجعل من ورقة الحرب الاقتصادية المستخدمة ضد صنعاء بلا قيمة لأن الأخيرة قد وضعت يدها على المصدر البديل للطاقة سواء كانت الطاقة الغازية أو النفطية فاستعادة مأرب وصافر يعني تغطية جزء من احتياجات السوق المحلية التي تمثل أكثر من ٧٠٪ من إجمالي عدد السكان في اليمن نظراً لأن تركز السكان في اليمن هم في المناطق التي تسيطر عليها سلطات صنعاء.
بالإضافة إلى أن استعادة السيطرة على مأرب سيسمح باستعادة تشغيل الطاقة الكهربائية عبر محطة التوليد الغازية التي كانت تغذي العاصمة صنعاء ومحيطها قبل شن الحرب على اليمن والتي تم فصلها عن صنعاء بعد سيطرة التحالف على مأرب مباشرة مطلع العام ٢٠١٥، كما سيمكن استعادة السيطرة على مأرب تأمين مناطق سيطرة صنعاء من توفير مادة الغاز المنزلي بسعر منخفض بدلاً من سعره المرتفع الذي نفرضه حالياً سلطات الإصلاح الموالية للتحالف في مأرب والتي تتخذ من هذا القطاع مورداً رئيسياً لتمويل مشاريع قيادات حكومة هادي ومسؤوليه وقيادات الإصلاح الاستثمارية الخاصة في كل من تركيا والقاهرة.
ولعل المتابع للمشهد السياسي فيما يخص الملف اليمني سيجد أن هناك اهتماماً بالغاً من قبل الأمريكان بالملف المتعلق بمأرب ولهذا سارعت واشنطن إلى التدخل بشكل مباشر سياسياً ودبلوماسياً في العلن في الملف اليمني بعد أن كان التدخل الأمريكي مقتصراً على الجانب العسكري وترك المجال مفتوحاً للسعودية لقيادة ملفات المفاوضات رغم أن واشنطن ظلت طوال سنوات الحرب الست واقفة خلف السعودية وتحركها وتوجهها حيث تشاء وليس أدل على ذلك من حضور السفير الأمريكي بشكل مباشر أكثر من جولة مفاوضات يمنية يمنية أو يمنية سعودية، لكن ومع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة القادمة من أروقة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي شُنت الحرب على اليمن في عهده، قررت هذه الإدارة تكريس الحضور الأمريكي في اليمن بشكل مباشر ولهذا سارع الرئيس جو بايدن إلى تعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن، الأمر الذي يعني أن واشنطن بدأت تتعامل مع سلطة صنعاء في اليمن مثلما تتعامل مع إيران التي عينت واشنطن مبعوثاً خاصاً لها لهذا الشأن منذ سنوات طويلة.
واستخدمت واشنطن منذ صعود الرئيس بايدن للبيت الأبيض عناوين وقف الحرب في اليمن وكانت الخطوة الوحيدة العملية التي نفذتها إدارة بايدن لإقناع صنعاء ومحاولة استمالتها وتغيير مواقفها وقناعاتها هي إلغاء قرار الرئيس السابق دونالد ترامب بتصنيف جماعة أنصار الله منظمة إرهابية، وما دون ذلك ظلت سياسة واشنطن تجاه ملف الحرب على اليمن كما هي ولم يتغير شيء وحتى تحركات مبعوثها لليمن تيم ليندر كينج وجولاته المتكررة مؤخراً بين كل من الرياض ومسقط، كان غرضها إقناع صنعاء القبول بمقترحات واشنطن التي أطلقت قبل أكثر من عام على مغادرة ترامب البيت الأبيض والتي سبق ورفضتها صنعاء لكونها لا تمثل حلاً لإنهاء الحرب في اليمن، حيث أدركت صنعاء حينها أن واشنطن التي بدأت الأصوات حول العالم تضج بجرائمها الواضحة في اليمن ضد الإنسانية، تسعى للتخفيف من هذا الضجيج من خلال تقمص دور الوسيط لمن هو طرف أصيل في الحرب على اليمن فسعت لتقديم مقترحات حلول تجعل من إنهاء الحرب على اليمن معلقة وغير مكتملة وأبقت في مقترحها الباب مفتوحاً لاستئناف الحصار أو تشديده أو توسيعه حسب ما تقتضيه الحاجة، وهو ما تكرر عرضه على صنعاء مجدداً عبر جولات ليندركينج الأخيرة في المنطقة بمعية المبعوث الأممي مارتن غريفيث، ليتكرر مع ذلك أيضا تجديد صنعاء لرفضها كل ما طُرح وتمسكها بحل شامل وكامل لوقف الحرب بكل مكان ورفع الحصار في كل مكان وليس بشكل جزئي ومن ثم البدء بمرحلة تفاوض على جزئين الأول يمني سعودي والثاني يمني يمني بدول أي تدخل خارجي من أي جهة او دولة.
ولعل ما يؤكد أن واشنطن ترمي بكل ثقلها لمنع سقوط مأرب بيد قوات صنعاء، تصريحات المبعوث الأمريكي ليندركينج الأربعاء الماضي والتي قال فيها إن “مأرب مُحال أن تسقط ولن تسقط” مشيراً إلى أن واشنطن ستعمل على إفشال محاولات صنعاء اقتحام المدينة، وستتّخذ العديد من أوراق الضغط التي قال إن الولايات المتحدة تمتلكها لإيقاف تقدُّم قوات صنعاء نحو مأرب.
وفي سياق هذا الثقل الأمريكي الملقى في مأرب ورفض صنعاء تجزئة الحل في اليمن عبر تجميد جبهات مأرب فقط وترك المجال مفتوحاً لبقية المعارك والإبقاء على الحصار، عادت الولايات المتحدة للتلويح باستخدام أوراق الضغط السابقة والتي كان من بينها تلويح ليندركينج بإعادة النظر في قرار بلاده تجميدَ إدراج أنصار الله في قائمة المنظمات الإرهابية، بالإضافة إلى فرض الخزانة الأمريكية قبل أيام عقوبات على اثنين من أبرز القيادات العسكرية لقوات صنعاء أحدهم رئيس هيئة الأركان العامة.
أما صنعاء وفي ظل هذا الحضور الأمريكي المباشر والصريح بشأن مأرب فلم تعر اهتماماً لتهديدات واشنطن، ففي حين فضلت الرد على الأمريكان عملياً عبر التصعيد العسكري بجبهات محيط مدينة مأرب محققة تقدمات ميدانية واسعة عبر سيطرتها على مساحات كبيرة امتدادا من جبهة الدشوش وحتى أطراف الطلعة الحمراء، اعتبرت لغة العجرفة الأمريكية الصادرة من شخص يفترض أن يستخدم في تصريحاته ورسائله الجمل والعبارات الدبلوماسية أنها تكرس حقيقة المشاركة الأمريكية في الحرب على اليمن، بحسب ما قاله عضو مجلس الرئاسة بصنعاء محمد على الحوثي والذي وصف تصريحات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن بشأن الحل الشامل في اليمن بأنها “جوفاء” لعدم تضمنها وقفاً للحرب والحصار.
كما رأى الحوثي، في تغريده له عبر حسابه في “تويتر”، أن الخطوات الأميركية تفضح توجّه واشنطن الرافض للسلام والحلّ منذ تقديمه من قِبَل المبعوث الأممي الأسبق، جمال بن عمر، حتى الآن، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة لا تمتلك أيّ خطة للسلام في اليمن.