عامر السعيدي يكتب عن تصفية العميد الحجوري
عامر السعيدي – وما يسطرون – المساء برس|
لا أحد يدرك هول الخسارة التي منيت بها الجمهورية برحيل الحجوري، إلا الذين عرفوا الحجوري في ميادين الشرف والفداء، وأكثر الأبطال معرفة له هم أبناء مأرب الذين أبصروا بأعينهم بسالة هذا المقاتل العنيد وهو يسابق الجنود بلا مهابة للموت ولا حرص على الحياة ما جعله في أعينهم بطلا نادرا ومحل ثقة لا خذلان ولعل ذلك ما دفع قبائل مأرب لرفض تسليم محمد الحجوري للسعوديين وإعادته من العبر بعد أن كانت الشرطة العسكرية قد ألقت عليه القبض وكادت أن تسلمه للجيش السعودي من أجل التحقيق معه بتهمة رفض الأوامر العسكرية.
والقصة بدأت برفض العميد الحجوري أوامر فهد بن تركي وقوله ” أنا مش جندي عندك، تعينت بقرار جمهوري وأتلقى أوامري من رئيس الجمهورية”
وبعد أن فشلت محاولة تسليمه للسعوديين، صدرت أوامر يمنية عليا بتوقيف وحجز العميد محمد الحجوري في سجن الاستخبارات العسكرية والتحقيق معه وإحالته للمحاكمة إرضاء لرغبة قائد سعودي لم يتعود أن يسمع من قائد يمني كلمة رفض.
وبعد احتجاز الحجوري لأشهر في الاستخبارات العسكرية خرج لظروف صحية على أن يبقى تحت الإقامة الجبرية ويتوقف عن مزاولة أي عمل عسكري ويمنع من السفر.
ولقد كان العميد الحجوري طوال فترة توقيفه التي امتدت لعام ونصف، يطالب من كل قادة الدولة السماح له بالسفر للعلاج لكن لا أحد تجرأ على منحه تصريح خروج رغم أن الرجل لديه مشاكل في الكبد والقلب.
لم يستسلم الحجوري للمؤامرة ولا لظروف الإقامة الجبرية، فقام مستغلا علاقاته الواسعة بتشكيل لواء القوات الخاصة من أبناء حجور وتعز ومأرب، وظل يبني اللواء بهدوء على أمل أن يفاوض بقوته على الأرض ويستعيد دوره في خدمة الجمهورية وانتصار الحلم الوطني.
بعد سقوط نهم تذكرت قيادة الجيش ذلك الأسد الهصور الذي أدخلوه القفص، فاستدعاه وزير الدفاع و الفريق صغير بن عزيز وكلفوه بمهمة في مفرق الجوف ثم في هيلان ثم نقلوه إلى الجوف وبعد أن سقطت الجوف عاد الحجوري بقواته إلى صرواح ودخل في خلاف مع رئيس الأركان صغير بن عزيز الذي أمر بتوقيفه دون ذكر أي أسباب وقطع الرواتب عن لواء القوات الخاصة وحاول فرض قائد جديد للواء الخاصة حسب ما علمت من العميد الحجوري ومرافقيه، وفي الأخير رضخ الحجوري لرغبة رئيس الأركان وسلم اللواء وقال إنه سيبقى في صرواح ويقاتل كجندي لكن قيادات عسكرية كبيرة تدخلت لإقناعه بالعودة إلى بيته خوفا من أن يتم تصفيته بقصف طيران التحالف، وبهذا عاد الحجوري إلى منزله بمرارة الخذلان والحديث عن خيبة استلاب القرار العسكري وتواطؤ رفاق النضال.
بعد خروجه من التوقيف ومنعه من السفر، عرضت عليه فكرة أن يكون ضمن قوات تابعه للإمارات فقال الموت أهون من أن يقودني من كان بالأمس يقاتلني في كل الجبهات.
أما الآن فقد رحل العميد الحجوري مقهورا بعد أن قطع الوباء أنفاسه وعض قلبه البسيط، وأراح قادته من الحرج أمام الأمير، تاركا خلفه تاريخ طويل من التضحية والفداء ومواقف الكبار التي لا بد أن يكتب عنها كل الذين عرفوا الحجوري بصدق وصراحة وذلك أقل واجب لتكريم بطل من أبطال الجيش وواحد من كبار أقيال اليمن الذين أعادوا لشرف العسكرية احترامه بعد أن فرط في ذلك الشرف كبار ضباط وقادة الجيش اليمني وأصبحوا مطايا للفاشية السلالية وقفازات لاستخبارات الدول.
ما كتبته أعلاه ليس أسرارا خصني بها ولا خيالا ارتجلته لبطل أسطوري.. هذا الكلام يعرفه كل من يعرف الحجوري، يعرفه رفاقه العسكريون ومرافقوه ويعرفه أصدقاء الحجوري وخصومه أيضا.
في وقت لاحق سأكتب عن محاولة إنقاذه في اللحظات الأخيرة وتطورات حالته الصحية طوال الأيام الخمسة الماضية منذ أبلغني مرافقه وأحد أقاربه بحالته وطلبه مني أن أقنعه بضرورة نقله للمستشفى بعد أن كان يرفض مغادرة منزله رغم أنه أصبح لا يتنفس إلا عبر الأوكسجين كلما ضاقت أنفاسه أو انقطعت.
وسأكتب عن دور الحجوري في تحرير مأرب ونهم، وعن إخراجه للحوثيين من داخل الشبك الحدودي ومطاردتهم إلى مشارف مثلث عاهم وأطراف مستبا على أمل الوصول إلى عاهم بقبائل حجور في كشر قبل أن يحاصرها الحوثي ويفرض عليها الحرب بعد إعاقة تقدمه في حرض وإيقاف العميد الحجوري وتواطؤ المنطقة العسكرية الخامسة والقوات السعودية على البطل، وكيف كان يتهرب رفاقه منه خوفا من غضب الأمير، وعن قطع رواتبه ومعاقبته برزق بناته الثلاث التي ماتت طفولتهن بموته، وعن إيمانه المبالغ فيه بالجيش الوطني وموقفه من القوات التي لا تخضع لوزارة الدفاع، وعن حرصه على الجمهورية ومخرجات الحوار الوطني وقيام الدولة المدنية وتخففه من الحزبيه ورفضه المطلق للارتهان للخارج ومصادرة القرار الوطني ولقد دفع ثمن ذلك الرفض غاليا.
سأكتب عن كل شيء منذ زارني مع اثنين من مرافقيه إلى بيتي وفتح لي قلبه العليل، إلى آخر اتصال قبل أمس وحديثه بمعنويات عالية عن تحسنه بصوت نقي غابت عنه حشرجة الليالي السابقة التي كانت تخنق الكلمات في فمه وهو يشهق كأنه يصعد جبل.
لم يكن محمد الحجوري شيخا باسطا ولا سليل عائلة نافذة ولا برجوازيا مستكبرا.. كان بسيطا مثلنا وابن فلاح عشق الأرض وأخلص لها حتى كادت تتجسد اليمن في محمد.
الرحمة والخلود أيها القائد العظيم
المصدر: من حائط الكاتب على حسابه بالفيس بوك