ماوراء التحركات الدبلوماسية الأخيرة بين صنعاء وطهران.. وما دور الرياض غير المعلن؟
-
صنعاء – المساء برس| تقرير: يحيى محمد|
التحركات الدبلوماسية التي نفذتها طهران نحو صنعاء مؤخراً والتي تمثلت بلقاء جمع السفير اليمني لدى إيران التابع لسلطة صنعاء ابراهيم محمد الديلمي بوزير الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي بالإضافة إلى لقاء رئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبدالسلام بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في العاصمة العمانية مسقط، تبين أن الرياض داخلة على خط هذه التحركات الدبلوماسية.
على الجانب العسكري يرى مراقبون إن لقاء السفير الديلمي بوزير دفاع طهران والذي أتى بعد أيام قليلة من وصول قوات عسكرية أمريكية إلى جزر أرخبيل سقطرى بالبحر العربي كان القصد منه التلويح من جانب صنعاء بأن التحرك الأمريكي العسكري بالبحر العربي والمياه اليمنية سيقابله تحرك من صنعاء عسكرياً نحو طهران لتعزيز التعاون العسكري نظراً لأهمية واستراتيجية المنطقة التي تسعى واشنطن للتواجد فيها عسكرياً وبشكل دائم لكل من اليمن وإيران وعمان.
ويعتقد المراقبون إن حديث وزير الدفاع الإيراني للسفير اليمني بشأن ضرورة تعزيز وتمتين العلاقة بين الجيشين الإيراني واليمني، هو أحد مؤشرات التوجه اليمني من قبل صنعاء نحو إيران لتعزيز العلاقات بين الجانبين من الناحية العسكرية خاصة بعد أن اعترفت إيران بسلطات صنعاء واعتمدت السفير الديلمي المعين من صنعاء سفيراً رسمياً لليمن لديها وأن التوقيت لهذا اللقاء يحمل دلالات أبرزها الرد على التحرك الأمريكي الأخير نحو جزيرة سقطرى حيث تتواجد منذ نحو أسبوعين قوات عسكرية أمريكية تابعة للأسطول البحري الأمريكي في جزيرة سقطرى وسط أنباء تشير إلى مساعي لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية هناك، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية الرد على إرسال واشنطن قوات عسكرية إضافية إلى المنطقة بحجة حماية البحر العربي والخليج من أي “تهديدات إيرانية” حسب زعم البنتاغون والبيت الأبيض، ولحماية حلفاء واشنطن في المنطقة، في إشارة إلى السعودية التي تعرضت أهم منشآتها الاقتصادية للاستهداف المباشر من قبل الطيران المسير اليمني، وفشلت الدفاعات الجوية الأمريكية في حماية منشأتي أرامكو في بقيق وخريص منتصف سبتمبر الماضي، وهو ما حمل معه مزيداً من الترجيحات بتصاعد التوتر العسكري بين إيران وواشنطن والذي صاحبه سباق محموم بين الرياض وأبوظبي نحو التحالف العلني والعسكري وإشهار العلاقات مع الكيان الإسرائيلي بذريعة مواجهة التهديدات المشتركة بينهما والقادمة – حسب زعم الخليجيين – من إيران وحلفائها في المنطقة.
وساطة إيرانية بطلب سعودي
لكن على المستوى السياسي يبدو أن للتحرك الدبلوماسي الإيراني نحو صنعاء دوافع وأسباب أخرى خفية وأن هذا التحرك يتعلق بالحرب على اليمن والحل لوقف الحرب أكثر من كونه متعلقاً بالجانب العسكري، خاصة وأن مصادر سياسية في صنعاء أكدت لـ”المساء برس” أن إيران هي من طلبت اللقاء بسفير صنعاء الديلمي وهي أيضاً من طلبت اللقاء برئيس وفد صنعاء والمتحدث باسم أنصار الله المتواجد في العاصمة العمانية مسقط أرسلت لهذا اللقاء وزير خارجيتها محمد جواد ظريف.
الأكثر من ذلك هو ما كشفته المصادر العليمة من أن إيران تتحرك دبلوماسياً نحو صنعاء برغبة سعودية حيث أكدت المصادر أن الرياض طلبت من طهران التوسط بشكل مباشر لدى القيادة السياسية الحاكمة في صنعاء وقيادة أنصار الله بشأن الحرب في اليمن والرد العسكري اليمني على السعودية ومنشآتها.
وأكدت المصادر أن الطلب السعودي لوساطة طهران لدى “أنصار الله” كان بشكل غير مباشر، حيث دفعت الرياض بأبوظبي لمخاطبة طهران مباشرة للقيام بهذه الوساطة، وفيما لم تعلق المصادر على مخرجات اللقاءات غير المباشرة بين صنعاء والرياض التي تمت عبر لجنتين سياسية وعسكرية من الطرفين كانتا تتصلان ببعضهما عبر دائرة تلفزيونية، رجحت المصادر أن تكون الوساطة الإيرانية التي يقودها حالياً وزير الخارجية محمد ظريف بشكل مباشر قد أتت بعد أن فشلت الرياض في انتزاع مواقف من صنعاء أثناء اللقاءات الأخيرة غير المعلنة وهو ما دفعها إلى استخدام طهران للتوسط لدى أنصار الله “الحوثيين” كمحاولة أخيرة على الرغم من حالة العداء بين إيران والسعودية، وحسب المراقبين فإن الرياض ربما تعتقد أن اعتراف طهران بسلطات صنعاء واعتمادها سفيراً معيناً من صنعاء لديها، له إيجابيات بالنسبة للرياض أكثر مما له من سلبيات خاصة وأن الرياض في موقف صعب بعد التغير اللافت في موازين القوى العسكرية بين صنعاء والرياض وبعد فشلها في الحرب على اليمن وتلقيها ضربات موجعة من صنعاء خلال الأشهر الأخيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
من خلال ما دار من حديث بين وزير الدفاع الإيراني والسفير اليمني يمكن ملاحظة أن العميد خاتمي ركز حديثه على مسألة الحرب على اليمن وركز أكثر على “أن لا حل عسكري للأزمة اليمنية وأن تسوية مشكلة اليمن رهن بالحوار والتشاور بين جميع الأطراف السياسية في هذا البلد”، بالإضافة إلى تشديد وزير الدفاع الإيراني على مسألة أن “اليمن هو ملك لجميع اليمنيين وأن الحوار اليمني اليمني في أجواء هادئة وبمشاركة جميع الأحزاب والفصائل والتيارات السياسية والاجتماعية هو السبيل العملي لتسوية المشاكل المعقدة في البلاد”، وهو ما يشير إلى أن السعودية طلبت من الإيرانيين عبر أبوظبي التوسط لدى الحوثيين بأن يقبلوا بأن يكون الموالون للتحالف السعودي شركاء في السلطة المقبلة، وهو ما يشير إلى أن سقف الطموح السعودي في حربها على اليمن قد انخفض فبدلاً من أن كانت الرياض تسعى لإعادة السلطة بأكملها الموالية والتابعة لها إلى سدة الحكم في اليمن، تسعى اليوم لإيجاد موطئ قدم لشخصيات معينة في هذه السلطة لأن يكونوا مشاركين في السلطة الحاكمة لليمن فيما بعد انتهاء الحرب.
ولا يزال الغموض يكتنف طبيعة الوساطة الإيرانية التي يقودها ظريف لدى أنصار الله وهل نجحت أم فشلت، ففي الوقت الذي نشر فيه المتحدث باسم أنصار الله ورئيس وفد صنعاء المفاوض محمد عبدالسلام في حسابه على تويتر تغريدة بعد اللقاء بساعات قليلة قال فيها إن اللقاء الذي جمعه بوزير الخارجية الإيراني ظريف في مسقط صباح أمس الثلاثاء جرى خلاله بحث أفاق مبادرة هرمز للسلام بين دول المنطقة، في حين خلت الأنباء الرسمية الصادرة عن إعلام صنعاء بما فيها “قناة المسيرة” عن أي ذكر لمبادرة هرمز واكتفت المسيرة بالقول إن “اللقاء تطرق على بحث التطورات السياسية والميدانية في اليمن والمنطقة وسبل تعزيز العلاقات بين البلدين”، الأمر الذي يشير إلى أن صنعاء انزعجت من الوساطة الإيرانية أو ربما رفضتها لما فيها من مطالب سعودية لم تتمكن الأخيرة من انتزاعها لا عسكرياً ولا سياسياً أثناء اللقاءات غير المعلنة وغير المباشرة مع مسؤولي صنعاء، فاتجهت نحو طهران علها تستطيع إقناع الحوثيين.