فوضى الإيرادات وتآكل السيادة يشمل جميع المحافظات في حكومة التحالف.. تفكك “الدولة” و انهيارها مؤسسيا وإداريا وماليا

متابعات خاصة – المساء برس|

في مشهد يعكس انهيارا مؤسسيا شاملا، تتوالى مظاهر الانفلات الإداري والمالي في المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة حكومة التحالف، حيث تتصرف السلطات المحلية والعسكرية كجزر مستقلة، ترفض الانصياع للتوجيهات المركزية، وتنهب الموارد العامة تحت ذرائع واهية، وسط غياب أي رقابة فعالة أو مساءلة حقيقية.

 المهرة: تمرد معلن على القرار “الرئاسي”

وضعت السلطة المحلية في المهرة يدها على إيرادات جمركي شحن وصرفيت، ورفضت توريدها للبنك المركزي، في تحد مباشر لقرار مجلس العليمي الرئاسي، حيث أصدر المحافظ محمد علي ياسر توجيهات مخالفة للقانون المالي، مبررا ذلك بالتزامات خدمية، في سلوك يعد انقلابا على النظام المالي والسياسي للدولة.

 تعز: قيادة عسكرية تفرض الجباية وتنهب الإيرادات

كما رفضت قيادة محور تعز توجيهات “وزير الدفاع؟!” بوقف الاستيلاء على ضريبة القات، وفرضت جبايات غير قانونية على السلع والمشتقات والجوازات، مديرة منظومة مالية موازية تدر عشرات الملايين يوميا، دون أن تصل للأوعية الإيرادية الرسمية للدولة أو حتى تنعكس على الخدمات.

 أبين تحت وطأة الجبايات العسكرية:

النقل مشلول والمواطن يدفع الثمن

ما يحدث في أبين ليس حالة معزولة، بل يأتي ضمن سلسلة من مظاهر الفوضى والانفلات التي تضرب معظم المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الموالية للتحالف، مثل المهرة، تعز، شبوة، حضرموت، ومأرب، حيث تتكرر مشاهد التمرد على القرار المركزي، وفرض الجبايات، ونهب الإيرادات، وسط غياب الرقابة والمساءلة.

وفي تطور خطير يعكس حجم الانفلات الأمني والمالي في محافظة أبين، شهد قطاع النقل الثقيل شللا شبه تام خلال الأيام الماضية، نتيجة فرض جبايات غير قانونية من قبل نقاط عسكرية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، خارج إطار الدولة.

بحسب تقارير إعلامية، أقدمت نقطة عسكرية بين منطقتي شقرة وقرن الكلاسي على احتجاز عشرات الشاحنات المحملة بمواد البناء، بعد رفض سائقيها دفع رسوم تصل إلى 200 ألف ريال يمني تحت مسمى “تحسين محافظة أبين”، رغم أن قيمة الحمولة الفعلية لا تتجاوز 50 ألف ريال

الأزمة تفاقمت مع وجود نقطة أخرى تتبع إدارة أمن المحافظة، تطالب بمبلغ إضافي يبلغ 50 ألف ريال عن كل شاحنة، ما يرفع إجمالي الجبايات إلى 250 ألف ريال في بعض الحالات، أي ما يعادل خمسة أضعاف تكلفة النقل، وفقا لشهادات السائقين.

لحج: اعتراف بالفساد

ومحاولة الخروج من العثرة

محافظة لحج ليست استثناء من هذا الانهيار، بل تعاني من ذات الفوضى، بدليل أن اجتماع قياداتها الأخير كان محاولة للخروج من العثرة، عبر قرارات تعد من البديهيات في أي إدارة حكومية، مثل إغلاق الحسابات غير الرسمية وربط المديريات بمنظومة إلكترونية، هذه الإجراءات تكشف حجم التدهور الذي وصلت إليه المحافظة.

 حضرموت: فساد يغذي

الاحتجاجات والانقسام

وتعاني محافظة حضرموت من فساد مالي وإداري عميق، أدى إلى احتجاجات شعبية واسعة، وسط اتهامات للسلطة المحلية بتبديد المال العام، وغياب الشفافية، ما فاقم الانقسام السياسي والاجتماعي في المحافظة.

ففي محافظة حضرموت، يتصاعد التوتر بين أطراف متعددة داخل معسكر التحالف، في سباق محموم للسيطرة على القرار السياسي والثروات النفطية، وسط غياب واضح للدولة المركزية وتفكك في الإدارة المحلية.

المجلس الانتقالي الجنوبي يسعى لترسيخ حضوره في ساحل حضرموت عبر فعاليات جماهيرية وتحركات سياسية، بينما يواجه المحافظ مبخوت بن ماضي تحديات داخلية من وكيله الأول عمرو بن حبريش، الذي أسس تشكيلات عسكرية جديدة خارج إطار المؤسسة الرسمية.

في المقابل، يطالب حلف قبائل حضرموت بإدارة مستقلة للمحافظة، ويرفض ما يعتبره نهبا للثروات دون عائد تنموي، في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد وتبديد المال العام.

القوات العسكرية في المنطقة الأولى، المكلفة بحماية المنشآت النفطية، تواجه توترا مع المجاميع القبلية المسلحة التي عادة ما تقوم بتطويق مواقع الإنتاج، احتجاجا على التهميش وغياب الشفافية.

هذا الصراع المتعدد الأوجه يعمق الانقسام السياسي والاجتماعي في حضرموت، ويهدد استقرار واحدة من أهم المحافظات اليمنية اقتصاديا، في ظل غياب أي رؤية وطنية لإدارة الموارد أو احتواء التوترات المتصاعدة.

 شبوة: فشل الإصلاحات

بعد سنوات من الفوضى

وعلى الرغم من أن محافظة شبوة أعلنت مؤخرا عن مرحلة مالية جديدة لضبط الإيرادات وتعزيز الشفافية، إلا أنها فشلت عمليا، ليكون ذلك الإعلان اعترافا ضمنيا بوجود الخلل في إدارة الموارد، وتراكمات الفوضى المالية والإدارية.

كما تصاعدت حدة الصراع بين فصائل التحالف السعودي الإماراتي، حيث تتنافس قوات “درع الوطن” المدعومة من السعودية، وقوات “دفاع شبوة” المدعومة من الإمارات، على السيطرة الكاملة على المنشآت النفطية والغازية، وفي مقدمتها محطة بلحاف لتصدير الغاز المسال.

التحركات العسكرية المتبادلة بين الطرفين، إلى جانب احتجاجات لواء المقاومة الجنوبية في “وادي رفض”، الذي هدد بقطع الطرق وإيقاف ناقلات النفط، كشفت عن هشاشة الوضع الأمني، وتحول الثروات الطبيعية إلى أدوات ابتزاز سياسي وعسكري.

كما منعت مجاميع قبلية مرور الناقلات في مفرق الصعيد، ما أدى إلى تكدسها في مدينة عتق، في مشهد يعكس الغضب الشعبي من إدارة الموارد، وغياب الدولة المركزية عن المشهد.

مأرب: غموض في مصير

الإيرادات النفطية

وتبادل اتهامات بين مؤسسات الدولة

في محافظة مأرب، كشفت تقارير إعلامية عن تبادل اتهامات بين وزارة المالية والبنك المركزي بعدن بشأن مبلغ يقدر بـ 185 مليار ريال، سجل في الحسابات دون أن يكون له وجود نقدي فعلي في مأرب أو عدن.

وأقرت اللجنة العليا للإيرادات السيادية والمحلية، خلال اجتماعها في عدن، بوجود نواقص في آليات الإيداع، وأكدت على ضرورة التزام المؤسسات بتحويل الإيرادات إلى البنك المركزي.

في المقابل، أشارت تقارير صحفية إلى أن بعض العائدات تحول إلى حسابات خارج القنوات الرسمية، أو تنشأ لها حسابات في بنوك غير مركزية، ما يعكس غياب الشفافية والرقابة.

هذا الغموض المالي يعزز مناخ الشك، ويقوض ثقة المواطنين في التزام الحكومة بالإصلاحات، ويضع مأرب في قلب أزمة السيادة المالية التي تضرب مناطق سيطرة الحكومة الموالية للتحالف.

البنك الاهلي السعودي

وتتواصل مظاهر الفوضى والتمرد المالي في مناطق سيطرة الحكومة الموالية للتحالف بكشف أخطر حلقاتها، بتحويل إيرادات اليمن إلى حسابات خارجية في البنك الأهلي السعودي، ما يفتح الباب أمام اتهامات مباشرة بسرقة المال العام اليمني وتكريس الهيمنة المالية السعودية على موارد الدولة.

وفي ظل غياب الشفافية وتفكك القرار المالي داخل الحكومة الموالية للتحالف، كشفت تقارير صحفية عن وجود حساب خاص في البنك الأهلي السعودي يتم من خلاله تحويل جزء من إيرادات الدولة اليمنية، خصوصا عائدات النفط والغاز، بعيدا عن القنوات الرسمية المعتمدة كالبنك المركزي اليمني.

هذا التحويل إلى حساب سعودي يثير تساؤلات خطيرة حول دور الرياض في إدارة المال العام اليمني، ويعزز الاتهامات الموجهة لها بـ “نهب الإيرادات السيادية”، في وقت تعاني فيه المحافظات اليمنية من انهيار الخدمات، وتفشي الجبايات، وتدهور الوضع المعيشي.

كما أن التحويلات المالية عبر البنك الأهلي السعودي تتم باستخدام تطبيقات مثل “NEO” ونظام “QuickPay”، وتستلم في اليمن عبر وكلاء محليين، لكن لا توجد بيانات رسمية تؤكد أن هذه التحويلات تخضع لرقابة حكومية يمنية أو تدخل في حسابات الدولة.

في ظل هذا الواقع، يصبح الحديث عن إصلاحات مالية مجرد شعارات، وتتحول الدولة إلى كيان هش تنهب موارده من الداخل والخارج، وسط صمت رسمي، وتواطؤ مؤسسي، وتجاهل لمعاناة المواطنين الذين يدفعون ثمن هذا الانهيار.

قد يعجبك ايضا