الدعم الأمريكي — شريان الإبادة الإسرائيلية وغطاؤها السياسي

خاص – المساء برس| تقرير محمد بن عامر

تبدو غزة اليوم، بعد عامين من الإبادة، كمسرح لآلة قتل لا تعرف الرحمة، آلة إسرائيلية تسير بخطى ثابتة نحو الدمار والقتل، مدفوعة بوقود الدعم الأمريكي الذي لا ينضب — ليس فقط بالغطاء السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، إنما امتدت يد واشنطن لتصبح شريكاً مباشراً في العدوان والإبادة، على كل المستويات، بما في ذلك التمويل المالي، وتزويد الاحتلال الإسرائيلي بالمعلومات الاستخباراتية، وتوفير التضليل الإعلامي الذي يدعم سرديته، فضلاً عن القنابل الذكية والصواريخ التي تحول أحياء كاملة في غزة إلى ركام فوق رؤوس ساكنيها.

تقدم الولايات المتحدة التي تعد أكبر ممول للآلة العسكرية الإسرائيلية سنوياً مساعدات عسكرية تتجاوز 3.8 مليارات دولار، ناهيك عن الشحنات الطارئة من الذخائر والقنابل التي أرسلت للاحتلال منذ العامين، وهي التي تجعل من أي محاولة لوقف العدوان أمراً شبه مستحيل، لأن حكومة نتنياهو لا تخشى استنزافاً اقتصادياً ما دام البيت الأبيض يغطي كل نفقاتها الحربية.

تشير البيانات العسكرية إلى أن الولايات المتحدة قدمت للاحتلال الإسرائيلي أكثر من 130 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ تأسيس الكيان، وتستمر واشنطن في ضخ مليارات الدولارات الإضافية سنوياً. فبحسب موقع The Week، تستند اتفاقيات الدعم العسكري بين واشنطن والكيان الإسرائيلي إلى عقود طويلة، وتستمر الاتفاقية الحالية البالغة 3.8 مليارات دولار سنويًا حتى عام 2028م غير أنه بعد السابع من أكتوبر تضاعفت هذه المساعدات ثلاث مرات على الأقل، وقدّمت واشنطن ما يعادل ثلث ميزانية الدفاع الإسرائيلية لعام 2024، وفق معهد كوينسي للحكم الرشيد.

في بداية العدوان على غزة، أصدر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أوامره بتحريك حاملة الطائرات “جيرالد فورد” ترافقها مجموعة قتالية تضم 12 قطعة بحرية إلى شرق البحر المتوسط، في خطوةٍ وُصفت بأنها أكبر حشدٍ عسكري أميركي في المنطقة منذ سنوات.

ولم تترك إدارة الرئيس جو بايدن مجالاً للشك في موقفها، إذ أكدت أن الكيان الإسرائيلي سيحصل على “كل ما يحتاجه” لمواصلة عدوانه على قطاع غزة.

وكشفت مجلة نيوزويك الأميركية، في تقرير حديث نُشر الثلاثاء، أن الولايات المتحدة أنفقت ما يقارب 30 مليار دولار على حرب غزة والصراعات المرتبطة بها في الشرق الأوسط، منذ بدء الحرب وحتى خريف عام 2025.

ووفقاً للتقرير، ذهب 21 مليار دولار من هذا المبلغ إلى الدعم العسكري المباشر للاحتلال، في حين صُرف الباقي على جبهات إقليمية متصلة بالتصعيد، مثل اليمن وإيران.

وأشار مشروع تكاليف الحرب التابع لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة في جامعة براون، إلى أن حرب غزة فرضت أعباء مالية متزايدة على دافعي الضرائب الأميركيين، إذ موّلت واشنطن آلة الحرب الإسرائيلية عبر أموال عامة كان من الممكن أن تُوجّه إلى مشاريع البنية التحتية أو الخدمات الاجتماعية داخل الولايات المتحدة.

التقرير أظهر أن بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسبتمبر/أيلول 2025، خصصت واشنطن 21.7 مليار دولار كمساعدات عسكرية للاحتلال، إلى جانب نفقات إضافية تتراوح بين 9.65 و12 مليار دولار على عمليات عسكرية في اليمن وإيران ومناطق أخرى ذات صلة بالتصعيد الإقليمي.

وبحسب معهد كوينسي للأبحاث في واشنطن، فإن الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي خلال السنة الأولى من الحرب فقط بلغ 17.9 مليار دولار، وهو أعلى مستوى في تاريخ العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، مبيناً أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن قدمت معظم هذا الدعم، بقيمة 17.9 مليار دولار، فيما أضافت إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب 3.8 مليارات دولار أخرى.

وأكد التقرير أن جزءاً كبيراً من هذه المساعدات قد تم تسليمه بالفعل، بينما يُتوقع تسليم الباقي خلال السنوات المقبلة، وأن استمرار قوات الاحتلال في حربها على غزة يعتمد بشكل مباشر على هذا الدعم الأميركي الذي يشمل أسلحة وذخائر ومعدات متقدمة.

صحيفة الغارديان البريطانية كشفت في تقرير مفصل أن “الولايات المتحدة زودت الاحتلال بأكثر من 10 آلاف طن من الذخائر المختلفة منذ بداية الحرب شملت قنابل ذات دقة عالية وأنظمة توجيه متطورة.

واعترف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن صراحة أمام لجنة بالكونغرس بأن “أكثر من 80% من الأسلحة المستخدمة في غزة هي أمريكية الأصل”، وفقاً لما نقلته وكالة أسوشيتد برس في مارس 2024.

في 13 أغسطس 2024 وافق وزير الخارجية الأمريكي على صفقة أسلحة كبرى تضمنت طائرات F-15 ومئات الآلاف من قذائف الدبابات والهاون ومعدات أرضية — قيمة الصفقة تقارب 20 مليار دولار.

الصحافة والتحقيقات أشارت إلى شحنات عاجلة من قنابل موجهة، ذخائر عيار 155 ملم، وقنابل مدمّرة للتحصينات دفعت بها الولايات المتحدة أو سهلت تسليمها، واستخدمت هذه الإمدادات في حملات جوية وبرية على مناطق حضرية مكتظة.

وهذا يتجاوز الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي على تمويله و تسليحه إلى تقديم معلومات استخباراتية دقيقة وحساسة تدعم العمليات الميدانية، إذ كشفت تحقيقات وتقارير إعلامية واستقصائية موثّقة عن أن الولايات المتحدة قدّمت للاحتلال الإسرائيلي صوراً جوية عالية الدقة ومعلومات استخباراتية مفصلة ساهمت في توجيه ضربات دقيقة، بالإشارة إلى  التعاون الأمريكي المباشر في محاولات تحرير أسرى إسرائيليين لدى حماس في غزة، وما نتج عن ذلك جرائم وحشية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل.

على سبيل المثال، في يونيو 2024، تم توثيق أن واشنطن زودت الاحتلال بمعلومات استخبارية وصور جوية ساعدت في محاولة إنقاذ أسرى إسرائيليين محتجزين لدى حركة حماس. وشمل ذلك إسناداً في التحليل الاستراتيجي والاستهدافي المعروف بـ ISR (Intelligence, Surveillance, Reconnaissance)، من خلال توفير بيانات استطلاع جوي وقمر صناعي استخدمت لزيادة دقة الضربات، لكنها في الوقت نفسه أدّت إلى استهداف أحياء مدنية مكتظة بالسكان، مما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.

وفي حقيقة الأمر أن هذه المعلومات الاستخباراتية توزعت عبر مراحل مختلفة من العمليات العسكرية، وقد أتاح التعاون الاستخباراتي الأميركي لحرب الإبادة تنفيذ ضربات موجهة بدقة عالية ليس ضد ما يدعيه الاحتلال بأنها أهداف عسكرية، بل ضد المنازل السكنية وخيام النازحين و المدنيين العزل.

وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي، فكل مرة يُطرح فيها قرار أممي يطالب بوقف إطلاق النار أو التحقيق في جرائم الحرب، تقف واشنطن كحائط صد باستخدام حق النقض (الفيتو) لحماية الاحتلال من أي مساءلة دولية، إذ أصبح أداة مضمونة لإفشال أي قرار يدين العدوان الإسرائيلي أو يطالب بوقف إطلاق النار.

آخرها كان في 4 يونيو 2025 حين استخدمت الولايات المتحدة الفيتو لمنع تبنّي قرارٍ يدعو لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار وفتح ممرات المساعدات، في موقف يعكس بوضوح كيف أصبحت واشنطن الدرع السياسي الذي يحمي الاحتلال من أي مساءلة أو ضغط دولي، وهذا ما يسمح باستمرار العمليات العسكرية دون توقف أو رادع دولي.

في سياق موازٍ، شهدت الفترة سياسات أمريكية مناهضة لمساعي المحكمة الجنائية الدولية أمام تحقيقاتها التي طالت مسؤولين إسرائيليين، بما في ذلك خطوات عقابية ومالية ضد مؤسسات قضائية دولية؛ هذا يعكس سعياً لتقليص فضاءات المساءلة الدولية عن جرائم الاحتلال في غزة.

ويمتد الدعم الأمريكي إلى التضليل الإعلامي المنهجي الذي تتبناه كبرى القنوات الأمريكية، والتي تحاول تقديم الاحتلال كـ”دولة تدافع عن نفسها”، في إطار المساعي لتبييض الجرائم، وتطبيع الاحتلال، وتقليل حساسية الجمهور الدولي تجاه حجم الدمار والمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، بالإضافة إلى محاولات خلق انقسام في الرأي العام العالمي، والتقليل من الضغط الشعبي على الحكومات لممارسة دورها في وقف العدوان.

وبعد ما سبق يتضح جلياً أن الولايات المتحدة هي الداعم الرئيسي لآلة القتل والدمار المستمرة في غزة، وأن الدعوات الأمريكية إلى “السلام المزعوم” ليست سوى واجهة سياسية تهدف إلى تمويه حقيقة موقفها المنحاز بالكامل للاحتلال وللأهداف الاستعمارية المشتركة، لا سيما والمجازر الإسرائيلية لم تتوقف حتى اللحظة، رغم ما يسمى بـ”مقترح ترامب” ومبادرته المزعومة لوقف إطلاق النار في غزة.

ويرى المراقبون والمحللون السياسيون أن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية هي علاقة مصلحية استراتيجية لاعتبار الكيان الإسرائيلي يمثل حارس المصالح الأمريكية في قلب العالم العربي، ومختبراً للأسلحة المتطورة، وحليفاً استخباراتياً لا غنى عنه. كما أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يمارس تأثيراً بالغاً على صناع القرار، وهذا ما يضمن استمرار تدفق الدعم بغض النظر عن الحزب الحاكم أو الرئيس القائم.

وفي السياق، تكشف تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، في حوار أُجري معه عام 1983، عن طبيعة العلاقة بين واشنطن والكيان الإسرائيلي.

قال نيكسون حينها: “أمن أمريكا مرتبط مباشرة بأمن إسرائيل، ولا يمكن لأي رئيس أن يسمح بتهديد الكيان الإسرائيلي”، مضيفاً أن “ما هو أفضل لإسرائيل، يكون عادة الأفضل لأمريكا”.

 

 

قد يعجبك ايضا