المعبر أقرب من السفارة

أيهم السهلي – وما يسطرون|

أول البارحة، تظاهر عدد من الفلسطينيين أمام سفارة مصر في تل أبيب، بدعوة من «اتحاد أئمة المساجد في الداخل الفلسطيني»، وذلك احتجاجاً على «استمرار إغلاق معبر رفح أمام الجرحى والمرضى والمساعدات الإنسانية» وأيضاً ضد «التواطؤ في تجويع غزة وخنق أهلها»، وفقاً لما جاء في الدعوة التي وضعت أيضاً بالخط العريض «ضد النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي».
هذه الدعوة، تحاول القول إن المصريين هم من يتحمّلون مسؤولية ما يحدث في قطاع غزة، وتحاول أن تنال من مصر سياسياً، كترجمة لأهداف صغيرة وضئيلة، لا تتناسب والقضية الكبرى التي قام هؤلاء باستغلالها واستغلال معاناة أهلها في قطاع غزة. وجوهر الأهداف الصغيرة والضئيلة، الانتقام، فهؤلاء الذين دعوا إلى التظاهر أمام السفارة المصرية في تل أبيب، محسوبون على «الإخوان المسلمين»، وانتقامهم من النظام المصري جاء فقط لما حدث في مصر عام 2013.
المشكلة ليست بالتظاهر في حد ذاته، ففي كل مكان يمكن أن يتظاهر الناس أمام السفارات، وفي إمكانهم إغلاقها، والاعتصام أمامها، ولا سيما سفارة كل بلد ترى الجموع أنه معني بما يحدث في قطاع غزة. أمّا في الداخل الفلسطيني، في أراضي عام 1948، فتظاهراتهم يجب أن تكون فقط أمام مؤسسات الاحتلال، وفي مواجهة هذه المؤسسات. فلا يحق لهؤلاء في فلسطين استغلال معاناة الناس، وجوعهم وقهرهم، وقتلهم المستمر منذ عامين، من قبل الاحتلال الإسرائيلي، أي ممن يحيط بالذين تظاهروا، في سكنهم وصباحهم ومسائهم ومأكلهم ومشربهم واللغة التي يتكلمونها في أوقات كثيرة من حياتهم العامة.
هؤلاء صمتوا على مرّ عامين، ومهما قالوا فعلنا وفعلنا، لم يفعلوا أي شيء، أما إن فعلوا فعلاً، فقد قادوا حملات في وقت سابق من أجل أمور أخرى، في بلدان عربية، وأخرى إسلامية، أما من أجل «شعبهم»، فالتزموا التقية، وصمتوا، من أجل ماذا؟ خشية أن تخرج الشرطة عليهم وتضربهم، أو تحبسهم، أو «تبعدهم» عن الأقصى. هذا لا شيء، وغير مهم، فالشعب في السجون، والشعب يقتل كل يوم، أما هم، فلا، هؤلاء الذين تظاهروا أمام السفارة المصرية ليسوا أعلى مقاماً من بقية الفلسطينيين.

هؤلاء كان في وسعهم أن يمشوا بسياراتهم أو بالباصات لنقل أكبر عدد ممكن إلى معبر كرم أبو سالم، للاحتجاج هناك، لإسماع الفلسطينيين في غزة صوت «أهلهم»

المستغرب من هؤلاء، طالما لديهم القدرة على حشد ما تقدّر لهم من الفلسطينيين في الداخل، فلماذا لم يجربوا إشعال انتفاضة على غرار التي قام بها شعبنا عام 2021، حين تحررت اللد لبعض الوقت. إن هؤلاء لا يقومون بما فيه الخير لفلسطين لا على المدى القريب ولا المدى البعيد، وهؤلاء كما يظنون، يعتبرون أن في إمكانهم أن يقرروا عن كل الشعب، انطلاقاً ربما من المقدس الذي لم ينتبهوا أنه يطالبهم ويطالبنا أولاً بالالتفات إلى ذوي القربى. فالصمت الطويل على الإبادة، تحركه مصالح سياسية صغيرة، بينما الجوعى في غزة لم تتحرك من أجلهم سبابة المصلين في العالم الإسلامي، ولم توجه من أجلهم سوى الأدعية التي لم تصل إلى السماء لتمطر عليهم طعاماً وشراباً، بل هطلت عليهم الطائرات الإسرائيلية، مراراً وتكراراً بالقذائف، وقبل أسبوع بالنوادر هطلت عليهم «طعاماً»، وفتح الاحتلال المعبر المغلق لإدخال مساعدات غذائية سرقت أمام أعين الجنود من عصابات يرعاها.
المعبر المغلق، هو مغلق من جانبيه، والأمة العربية ومثلها الإسلامية لم تتحرك لتفتح هذا المعبر وتتحمل نتائج فتحه أمام العالم، ولكنها من دون شك ستلقى آثار ذلك عاجلاً أم آجلاً، إذ لا بد من استغلال الاحتلال والغرب لهذا الصمت ولهذا السكوت، فالتعامل مع الضعفاء عادة يكون من عليين، ويكون بالإملاء على الضعيف أو المستضعف.
الذين تظاهروا، تجاهلوا الجانب الفلسطيني من المعبر، وتغاضوا عمن يغلقه، وأشاحوا بصرهم عن الشاشات لئلا يروا كيف أغلق ولماذا ومنذ متى، وهؤلاء كان في وسعهم أن يمشوا بسياراتهم أو بالباصات لنقل أكبر عدد ممكن إلى معبر كرم أبو سالم، للاحتجاج هناك، لإسماع الفلسطينيين في غزة صوت «أهلهم»، أو لمحاولة إدخال مساعدات لهم، مع العلم أن جيش الاحتلال لن يسمح بإدخالها. لكن أهل غزة كانوا سيفرحون بأن بعض جسدهم تحرّك، ولكن يبدو أن هذا البعض، بعض جسد آخر، يتحرك لأسباب أخرى، غالباً فلسطين ليست أولويتها، وعلاقتها الكبرى متعلقة بقضايا صغيرة كما سبق ووصفتها، فمعدة طفل فلسطيني جائع، وأصغر شِلو (مفرد أشلاء) تناثر في غزة، من المؤكد أكبر من قضاياهم التي دفعت بهؤلاء في الداخل المحتل للتظاهر بعد عامين على الإبادة، أمام السفارة المصرية، بينما كل ما يتعلق بالإبادة أمامهم.
وأخيراً، إضافة إلى ما سبق، هناك مسؤولية على الفصائل الفلسطينية مجتمعة، ولا سيما الفصائل الإسلامية، أن تدين هذا «التظاهر»، وألا تصمت من أجل الإيديولوجية الضئيلة جداً أمام تضحيات شعبنا، ليس اليوم، بل من قبل أن تكون في فلسطين حركات وغيرها، من يوم كان الفلاح ابن الفلاح يعرف الطريق الصحيح إلى فلسطين.

قد يعجبك ايضا