من الميدان إلى الوثائقي: كيف سقطت سردية طارق أمام شهادة نجل “الزعيم”؟ إعلام طارق ينفجر في وجه مدين “الطفل الكذاب”
خاص – المساء برس.. هاشم الدرة|
يبدو أن الصراع الداخلي بين أفراد أسرة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح قد خرج إلى العلن بعد أن فاجأ مدين علي عبدالله صالح الجميع بروايته التي خالفت بشكل صارخ السردية التي تبناها طارق صالح وإعلام التحالف من بينها الإعلام السعودي لسنوات.
ففي الوقت الذي ظل طارق يؤكد أنه قاتل إلى جانب “الزعيم” حتى اللحظة الأخيرة، وأن المعركة كانت بطولية واستبسالية هو من قادها، جاء ظهور مدين، النجل الأصغر للرئيس صالح، ليكشف عن تفاصيل دقيقة تفيد بأن صالح قتل أثناء محاولته الهروب إلى منطقة حصن عفاش، لا خلال مواجهة أو صمود كما ادعى طارق.
بل الأكثر من ذلك أن مدين بدا وكأنه يسحب بساط البطولة من تحت طارق، ويتجاهله تماما، مما اعتبره الكثيرون تقليلا متعمدا من شأنه بل ربما استهزاء غير مباشر به، فيما قال مراقبون أنه تم استبعاد الكثير مما قاله مدين حيث وصف طارق بأنه جبان، بعد أن ترك والده وحيدا في مواجهة أنصار الله وفر لينجو بجلده، وهو الذي ورط عمه في المواجهة مع الحوثيين، لكي يتخلص منه، وتخلو له الساحة ويقدم نفسه بديلا عن عمه، في المحفل السياسي وهذا ما حدث بالفعل، بعد أن حظي بالدعم الإماراتي، وتم تعيينه عضوا في الرئاسي التابع للتحالف الأمر الذي يستحيل أن يحدث فيما لو بقي صالح على قيد الحياة.
في المقابل، لم يكن غضب طارق موجها فقط نحو مدين، بل اتسع ليشمل قناة العربية نفسها، التي بثت فيلما وثائقيا تجاهل فيه دوره بالكامل، وقدم مدين كناقل وحيد “لبطولة” الزعيم، مما شكل ضربة معنوية وسياسية له، خاصة أن طارق ظل طوال السنوات الماضية يبني سردية بطولية حول مشاركته في انتفاضة ديسمبر.
تغييب طارق من الوثائقي اعتبر، وفق مصادر مقربة منه، محاولة لتقزيم رمزيته السياسية في مقابل تضخيم شخصية مدين، الذي لا يحمل أي تاريخ عسكري أو سياسي مؤثر، بل وصف من طرف دوائر طارق بأنه طفل تم استغلاله دعائيا لخدمة أجندة إعلامية سعودية على حساب الحقيقة. حسب ما أوردته وسائل الإعلام التابعة لطارق.
ومع هذا التناقض الحاد بين الروايات، طفت على السطح حقيقة غير متوقعة: الرواية التي ظلت صنعاء تروج لها منذ البداية، حول مقتل صالح أثناء هروبه، باتت اليوم أكثر تماسكا، خاصة بعد أن أيدها نجل الرئيس نفسه، وهو ما يضع طارق في موقف شديد الحرج ليس فقط لأنهما خالفا ما أصبح ينظر إليه على أنه رواية موثقة من داخل الأسرة، بل لأنهما بدت عليهما ملامح التزييف والتلاعب الإعلامي.
هذا التصدع في الرواية ليس مجرد خلاف عائلي أو سوء تفاهم إعلامي، بل هو انعكاس عميق لتفكك الذاكرة السياسية لأسرة صالح، ومحاولة كل طرف إعادة تشكيل التاريخ بما يخدم موقعه الحالي، ويكشف عن عمق الصراع الذي لم يعد مقتصرا على الروايات المتضاربة حول مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بل امتد ليعكس تصدعا سياسيا وإعلاميا بين أجنحة الأسرة نفسها، ووراءهم خلافات سعودية-إماراتية بدأت تطفو على السطح.
فالهجوم الإعلامي الذي شنته وسائل الإعلام التابعة لطارق صالح على مدين علي عبدالله صالح، بعد ظهوره في فيلم قناة العربية، لم يكن مجرد رد فعل عاطفي، بل رسالة سياسية واضحة.
وقد اعتبرت وسائل الإعلام التابعة لطارق وكذلك الناشطون الموالون له رواية مدين خيانة لدم صالح، في حين تجاهلت قناة العربية تماما دور طارق، مما أثار استياءه الشديد.
طارق صالح وأحمد علي يحظيان بدعم مباشر من الإمارات، التي ترى فيهما أدوات عسكرية وسياسية فعالة في الساحل الغربي.
بينما مدين، الذي ظهر فجأة في الإعلام السعودي، يبدو وكأنه ورقة سعودية جديدة لإعادة تشكيل سردية صالح بما يخدم مصالح الرياض، خصوصا في ظل التوترات المتزايدة بين السعودية والإمارات في ملفات كثيرة على رأسها اليمن، والتي تجلت أكثر في الخلافات المعلنة بين رشاد العليمي وطارق صالح مؤخرا.
ويرى مراقبون أن ما يحدث الآن هو إعادة هندسة لرمزية علي عبدالله صالح وأسرته، فالإمارات تدفع بطارق كقائد ميداني، والسعودية تروج لمدين كصوت ناعم يحمل رواية “الحقيقة”، بينما قناة العربية تلعب دورا مزدوجا في تصفية الحسابات الإعلامية بين الطرفين، بما يخدم توجهاتها ومصالحها.
وفي خضم هذا الصراع، يبدو أن الرواية الحوثية حول مقتل صالح هي الوحيدة التي صمدت، بعدما أكدها مدين بنفسه، وهو ما اعتبره كثيرون انتصارا غير مباشر لأنصار الله الحوثيين على خصومهم الذين ظلوا لسنوات يروجون لبطولات مزيفة.