ترامب بين روسيا والصين وقضية التهجير

أيوب نصر – وما يسطرون|

لم يكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستشعر دفيء كرسي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، حتى تركه وتأبط سيفه ولوى عنان جواده نحو فلسطين وغزة وأهلهما، وأخذ يبرق ويرعد، يلوك عبارات الوعيد ويتملظ ألفاظ التهديد، ينبيء العرب والمنطقة بالجحيم، وكأنك به ليس أمامه وأمام إدارته إلا قضية التهجير، ونسي، أو تناسى روسيا والصين، فلماذا هذا الإهتمام الكبير بتهجير أهل فلسطين؟ وهل فعلا غفل ترامب ما ينتظره من صراع مع روسيا والصين؟

وقبل أن نجيب على السؤال فإنه حقيق بي أن أقدم بين يدي مقالي هذا بعض الأشياء لعلها تساعدنا على الفهم وتعيننا على معرفة الأسباب التي حملت ترامب على التركيز على قضية التهجير، وعلاقتها بالصراع مع الروس والصينيين.

ـ أولا: مسألة التهجير هي مسألة قديمة، وكانت تحمل اسم حل ثلاث دول وليس حل الدولتين، وتعني إعطاء جزء من غزة إلى مصر مع قبولها باستقبال الغزاويين، وإعطاء جزء من الضفة إلى الأردن مع قبول الأردن استقبال أهل الضفة على أرضها، وهكذا يكون حل الثلاث دول بدل حل الدولتين، ولكن الفكرة من مبدأها إلى منتهاها كانت غير مقبولة، وهذا ما أبقاها غير معروفة للرأي العام.

ـ ثانيا: هذه المرة تم الإتيان على ذكر التهجير مع عدم الاكتفاء بمصر والأردن، بل أضيف إليهما دولتين من خارج دول الطوق، وهما السعودية والمغرب.

 فلماذا المغرب والسعودية دون باقي الدول العربية؟ وهذا ما يحيلنا إلى:

ـ ثالثا: الصراع الروسي الغربي لن يحسم إلا بالدول العربية، ولهذا فالغرب يجد جده لجلب الدول العربية نحوه وجعلها تبتعد عن الروس، حتى يتمكن من عزلها عالميا، وحتى تكون للعقوبات  أثر قوي على اقتصادها، فتحشر في الزاوية، ولا يكون أمامها حل إلا الخنوع والذهاب إلى المفاوضات وهي في حالة من الذل والخضوع، راضية مرضية بما يفيء عليها به الغرب، ولكن الأمور سارت على غير النحو الذي تمناه الغرب، فالسعودية حافظت على توازن واستقرار سوق النفط، بما جعل روسيا تستفيد اقتصاديا ويجعل أثر العقوبات خفيفا، وكذلك المغرب تغيب  عن التصويت على القرار الأممي الصادر عن الأمم المتحدة بخصوص الحرب في أوكرانيا.

وهذا الموقف تلقته روسيا بالقبول. وردًا للفعل، عينت روسيا السفير فلاديمير بايباكوف، الذي قدم نسخًا من أوراق اعتماده بصفته (سفيرًا مفوضًا فوق العادة) لفيدرالية روسيا لدى الملك محمد السادس، وقد تطورت العلاقة بينهما بشكل كبير على جميع المستويات.

ـ رابعا: إنهاء الصراع في أوكرانيا، وخاصة بهزيمة الروس وإضعافهم، سيجعل روسيا تحت الشروط، وسيبعدها ذلك عن الصين، وسيتفرغ الغرب للمواجهة مع الصين.

ومن النقاط الأربعة السابقة، يمكن أن يستشف لنا العلاقة بين الساحة الشرق الأوسطية والصراع الامريكي مع الروس والصينين، وأن طرح قضية التهجير وإخراجها من غيابات النسيان وتضخيمها إعلاميا، ما هو إلا ورقة الضغط، ومساومة، على الدول العربية لأجل جعلها تحيد عن موقفها من الأزمة الأوكرانية

قد يعجبك ايضا